الخميس: 21/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الدولة ألإنسانية الواحدة بدلا من حل الدولتين !

نشر بتاريخ: 14/07/2015 ( آخر تحديث: 14/07/2015 الساعة: 15:25 )

الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب

ان تسعى الشعوب إلى تضخيم ذاتها وشخصيتها فهذا أمر مقبول، بل هو ضرورة وطنية ، هدفها الحفاظ على هوية هذا الشعب، وإبراز دوره فى الحضارة الإنسانية ، وما قدمه من إنجازات على مراحل تاريخه، وهذا ينطبق على الشعب الفلسطينى الذى شاء قدرة ان يشغل أهم مناطق العالم الحضارية ، ففلسطين كانت منطقة ملتقى وتفاعل حضارات، وأرض رسل وأنبياء حملوا رسالة الخالق فى السلام والعدل، وبها من الآثار التاريخية التى تجسد رسالة كل هؤلاء الرسل دون تمييز بين مسلم ومسيحى ويهودى ، وكما أشرت هى منطقة توحد الآديان ، وحوار الحضارات، هكذا كانت وينبغى أن تعود. 

وهذا يتطلب تلاقى بين من يسكن فلسطين من أصحاب هذه الديانات، بدلا من ذلك تحولت فلسطين إلى أرض صراعات ، وحروب، وصراع بين الحركة الصهيونية الساعية والطامحة لقيام إسرائيل الدولة الكبرى ، وهنا وجدت دعما من القوى الإمبريالية التى إحتضنت المشروع الصهيونى على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى ، وحقه فى قيام دولته، وتاريخيا كان يمكن أن يتعايش الفلسطينيون واليهود وبجوارهم المسيحيون وهم سكان اصليون لهذه ألأرض من يوجد من اليهود، وان تقدم فلسطين نموذجا للتعايش والتلاقى بين هذه ألأديان، وكان يمكن ان تقوم دولة واحدة منذ وقت طويل، ولو تحققت هذه الرؤية التاريخية ما وصلنا لحالة العداء والكراهية والصراع التى تعانى منها المنطقة ، وما دخلنا فى هذه الحروب التى راح ضحيتها مئات الآلآف من البشر الأبرياء، وأنفقت عليها مليارات الدولارات التى كان يمكن ان توظف وتستثمر فى مشاريع بناء الإنسانية الواحدة ، وأبعد من ذلك ما كان تحولت المنطقة العربية كلها إلى صراع بين القومية العربية والحركة الصهيونية ، والذى أدخل المنطقة فى حروب كبيرة ، والذى يقف حتى ألآن وراء حالة التدهور التى تعانى منها كل المنطقة ، وهى التى تقف ايضا وراء هذا الفكر المتشدد والمتطرف، ووراء تزايد الحرب الدينية ، وإنتشار الأفكار والفتاوى الدينية المتشددة ، وهذه هى اخطر صور الحروب التى لن تنتهى فى أعوام قليله ، الحروب الدينية خطورتها انها حروب دائمة ، وشاملة وعمياء ، ولا ترى إلا نفسها ، كل هذا كان يمكن تجنبه منذ وقت طويل .

لكن يبدو لى ومن القراءة التاريخية الصحيحة انه كانت هناك مؤامرة تسعى لها قوى أكبر ، تريد ان تسيطر على هذه المنطقة لأنها اساس إستمرار قوة هذه الدول، وهذه قاعدة جوهرية فى قوة الدول ان الدولة القوية الطامحة للسيطرة على العالم لا بد لها من السيطرة على عناصر القوة هذه، وهى متوفرة فى هذه المنطقة ، من هذا المنظور الحركة الصهيونية كانت وسيلة فى يد الدول الكبرى ، وتحول ذلك اليوم أيضا بالنسبة لإسرائيل التى تلعب دورا وظيفيا فى معادلة القوة التى تحكم هذه الدول، والمدخل للسيطرة هو فى بقاء الصراع العربى الإسرائيلى مستمرا ، وان يحال دون حصول الفلسطينيين على دولة لهم يمكن أن تساهم فى بناء الإستقرار والتنمية ألإنسانية ، وتحول دون إستمرار الصراع الذى تستفيد منه قوى طامعة وخارجة عن المنطقة ، ولم تعد هذه الدول قاصرة فقط على الدول التقليدية المعروفة ، بل ظهرت أطماع دول إقليمية تتغذى على إستمارا هذا الصراع، وألأمر ايضا لم يقتصر على هذه الدول الإقليمية، بل يمتد إلى دور الحركات الدينية من كل صوب وحدب، وإستمرارها مرهون ببقاء هذا الصراع محتدما، لأن هذا الصراع لو إنتهى تنتهى مبررات هذه القوى على أشكالها فى بقاء الصراع قائما، وتفقد مبرر وجودها، والسؤال وما هو البديل لذلك؟ 

البديل واضح وهو العودة للفطرة التاريخية والجغرافية السليمة لفلسطين ، العودة لوحدة الأرض، ووحدة التلاقى الدينى ، ووحدة التفاعل الإنسانى الذى لا يميز بين مسلم ومسيحى ويهودى ، وان تتحول فلسطين إلى رسالتها ألأولى وهى رسالة الأنبياء، وهؤلاء الرسل هدفهم واحد ، ولا فرق بينهم من حيث الهدف والوحدانية ، هل احد يستطيع ان ينكر ذلك ، ألأنبياء الذين وحدوا فلسطين برسالتهم لا فرق بينهم ، وإنما الفرق هو فى الصراع بين البشر الذين يريدون ان ينفوا هذه الفطرة الأولى عن فلسطين. العودة تتم بالسلام ,قيام دولة فلسطين ليس كغاية وهدف فى حد ذاته ينبغى ان يتحول مفهوم الدولة من منظور قومى إثنى طائفى إلى مفهوم الدولة ألإنسانية ، لينتهى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ، نحتاج إلى ترسيخ مفهوم الدول الإنسانية ، وهذا لا ينطبق على الدولة الفلسطينية بل على إسرائيل وهى ألأساس فى هذه المعادلة ، وهذا يحتاج إلى مبادرات سلام شاملة ، ومشاريع تنموية مشتركة ، وإعادة نظر فى منظومة القيم لتحل محلها نفس مضمون القيم التى جاء بها الرسل، بهذا يمكن ان تحل مفاهيم التعايش والقبول محل مفاهيم الصراع والكراهية ، والحياة المتبادلة محل الحرب والقتل, ومن خلال هذه المفاهيم المشتركة يتحقق مفهوم الدولة الإنسانية الواحدة . قد يكون ذلك مجرد تصور مثالى خيالى فى زمن تحكمه القوة ، والفتاوى الدينية التى تعمق الكراهية والعنف، والقيم التى تقوم على الإثنية والطائفية والعنصرية ، وكلها تتنافى وتتناقض مع مفهوم الإنسانية الواحدة لأرض واحده.والموضوع يحتاج إلى مزيد من التوضيح، والمساهمة والحوار.