الخميس: 19/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

توبة أم غسيل دماغ- غزة بين الدين والديون

نشر بتاريخ: 07/04/2016 ( آخر تحديث: 08/04/2016 الساعة: 09:57 )
توبة أم غسيل دماغ- غزة بين الدين والديون
غزة - تقرير معا - أثار مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي لمجموعة أطلقت على نفسها "سفينة النجاة الدعوية" التابعة للإدارة العامة للوعظ الإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، وهي تلقي ندوة وعظ وإرشاد في مدرسة ثانوية للبنين في غزة حالة من الغضب والاستياء والجدل حول الطريقة التي حاولت هذه المجموعة دعوة الطلاب بالعودة إلى الله... متسائلين ما هي الذنوب التي اقترفها هؤلاء الاطفال حتى تذرف دموعهم بهذا الشكل.

الفيديو اظهر عددا من الطلاب وهم في حالة بكاء شديدة والسجود على الارض طلبا للتوبة الى الله بينما علّق احد الوعاظ أنهم ليسوا في عرض مسرحي وإنما لطرد الشيطان من القلوب والعقول وإدخال رضا الله في القلوب.

وكشف الواعظ أنها المدرسة الأربعين التي يزورونها وينفذون فيها هذا البرنامج، ما يعني انها سياسة تنفذ في مدارس غزة، حسب المنتقدين.

التنافس الدعوي:
الكاتب والناشط المجتمعي مصطفى إبراهيم وصف حلقات التوبة في غزة أنها كعلاج السرطان بالمراهم لافتا أن انتشار جلسات وحلقات التوبة الرسمية وغير الرسمية هي للتنافس الدعوي من جهات دينية بمذاهب مختلفة لكسب مزيد من المريدين والأتباع.

وشدد إبراهيم أن حال هذه الحلقات يشبه من يعالج السرطان بالمراهم، ومستقبلها يؤشر لمزيد من التفسخ والتحلل الاجتماعي والبطالة والفقر وانتشار التطرّف والعنف ومزيد من الظواهر والجرائم المدمرة.

ولفت إبراهيم إلى استمرار حكام هذه المذاهب الدينية في ترهيب الناس وعدم إعمال العقل ببرامج دعوية، محملا وزارتي التربية والتعليم والاوقاف والشؤون الدينية المسؤولية عن الحالة النفسية التي ظهرت على الطلاب وهم يستتابوا وكأنهم ارتكبوا جرائم.

المدرسة رسالة بناء وتعلم:
الناشط المجتمعي والحقوقي بهجت الحلو أكد أن رسالة المدرسة يجب أن تكون رسالة بناء وتعليم تربوي وتثقيفي وارتقاء بروح ومهارات الطالب، مشددا ان الفيديو الذي انتشر وهو يظهر توبة بعض الطلاب بمشهد كرنفالي استعراضي غريب على المشهد الديني، وقال:" الأطفال لا يستتابون وإنما يتم تهذيب أرواحهم وسلوكهم تجاه الأديان السماوية بما ينعكس على سلوكهم في المجتمع إيجابا".

وتابع الحلو:" ما رأيناه لا يعبر عن حقيقة التوبة ولا عن رسالة الإسلام مع الأطفال ولا مع الرسالة التربوية للمدرسة ونحن ندعو ألا يتكرر هذا المشهد في مدارسنا أبدا".

ووصف الحلو بكاء هؤلاء الاطفال كما ورد على صفحته على الفيسبوك "انها دموع الضحايا لا العصاه" حيث قال:" هي دموع ورجفة المقهورين من الفقر والقهر والحصار والتخلف والبطالة والحروب والعتمة والحرمان ونكران الكرامة.. من يحتاج التوبة هم قادة الفصائل والاحزاب والسياسيين والكذابين الذين ملئوا حياتنا كآبة.. ولوثوها بفجور الانتهاكات".

وشدد الحلو ان هناك أزمة في الخطاب الديني الموجود حاليا والقائمين وخلل بنوي في المجتمع تداخلت فيه الأمور بعد انهيار السلطات السيادية في الدولة وغابت السلطات عن إدارة مهامها في الرقابة على بعضها البعض، قائلا " نحن ضد الاستعراض والانحراف برسالة الإسلام بأساليب غريبة تستهدف فئة ليست جديرة أن تعامل معها هكذا".

مغيبون عن الوعي:
الطبيب والأخصائي النفسي د.فضل عاشور وصف حال الطلاب الاطفال أنهم في حالة تلبّس في الوعي نتيجة التأثيرات الصوتية وحالة الترهيب مشددا انه لا يجوز استخدام هذه الأساليب لا في المدارس ولا غير المدارس لان لا علاقة لها بالتدريس.

وشدد عاشور أن الوعظ والإرشاد يكون بطريقة عقلانية وليس بطريقة اقرب لان تكون استعراضية استهزائية بالطالب.

وعن الوصف النفسي للطلاب، أكد عاشور أنهم تحت المؤثرات الصوتية والدينية ووجودهم في مجموعات كبيرة تنتقص من خصوصيتهم الفردية ويصبحوا جزءا من قطيع ويصبح لديهم تلبس في الوعي ويمارسوا سلوكيات في العادة مستحيل أن يقوموا بها.

الوزارة ترفض:
وزارة التربية والتعليم في غزة وعلى الرغم أنها أقرّت بوجود تنسيق وتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لتنظيم حلقات وعظ وإرشاد داخل المدارس إلا أنها أكدت أنها لا تسمح ان تكون هذه الحلقات بالشكل الذي أظهره الفيديو.

وقال معتصم الميناوي مدير العلاقات الدولية العامة والإعلام في وزارة التربية والتعليم أن الوزارة شكّلت لجنة من مديرية التربية والتعليم التي تتبع لها المدرسة والوزارة لمتابعة هذا الحدث والوقوف على حيثيات الموضوع من ناحية إدارية وكيف تم ذلك.

وأضاف ان هناك تنسيق وخطط بين وزارة التربية والتعليم والأوقاف لوجود حلقات وعظ وإرشاد داخل المدارس ولا يوجد أي مشكلة ولكن عندما نتحدث عن موضوع خارج السياق ممكن ان يُفهم بشكل خاطئ وهذا غير مطلوب وبالتالي إن كان هناك تجاوز لبعض التنسيقات التي تتم لا نقبل بها.

ووصفت الوزارة الأسلوب الدعوي الذي أظهره شريط الفيديو أنه مبالغا فيه من قبل الواعظ لأنه اخطأ في السن العمري الذي يوجهه الخطاب مشددة أن الفئة المستهدفة لم يكن موفقا فيها هذا الواعظ.

وقال الميناوي ان المشكلة ليست في طريقة الوعظ وإنما الأسلوب، فلا يصح لهذه الفئة ولكن البعض حاول تسيس القضية"، مبينا ان الوزارة ستتخذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار هذا الحدث الذي قالت انه يحدث لأول مرة مشددا "هذه ليست منهجية لدى الوزارة وإنما اجتهد الواعظ فاخطأ".

ردود فعل غاضبة:
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبرت عن صدمتها الشديدة من المشاهد التي تضمّنها الفيديو المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي داخل مدرسة النيل في القطاع.

وطالبت الجبهة بضرورة إبعاد المسيرة التعليمية والطلاب عن أية برامج وتأثيرات وممارسات غير إنسانية يمكن أن تزرع التطرف الديني التكفيري في عقول الطلاب والأطفال.

وشددت الجبهة على أن غزة لا تحتاج لهذه البرامج التي وصفتها بـ"الغيبية الخبيثة" التي تغلق بوابات الأمل والمستقبل أمام الأطفال والطلاب، وإنما تحتاج إلى برامج تنويرية ووطنية هادفة تعزز من الهوية الوطنية الفلسطينية، ومن القيم والمبادئ السامية، وتستثمر طاقاتهم الخلاقة وأفكارهم الإبداعية في خدمة الوطن.

تقرير: هدية الغول