الثلاثاء: 16/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإقتصاد عنوان المعركة الدائمة مع الإحتلال

نشر بتاريخ: 14/11/2019 ( آخر تحديث: 14/11/2019 الساعة: 12:00 )

الكاتب: سامر سلامه

الإقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة. هذا ما تعلمناه في المدارس والجامعات وهذا ما نسمعه دائما على لسان الساسة وخبراء الإقتصاد. وإذا تعمقنا في تحليل الأزمات السياسية حول العالم نجد أن جذورها إقتصادية والعكس صحيح عند التعمق في المشاكل الإقتصادية للدول إذ نجد أن جذورها سياسية. هذه العلاقة العضوية بين السياسية والإقتصاد تحتم على الساسة وخبراء الإقتصاد العمل بشكل متجانس وعميق لفهم ما يجري من أحداث وتطورات. ونحن بدورنا كفلسطينيين لا يمكن أن نفصل السياسة عن الإقتصاد في صراعنا مع الإحتلال وعلينا أن ندرس سلوكيات الإحتلال السياسية والإقتصادية وعدم الفصل فيما بينها حتى نتمكن من فهم ما يخططه الإحتلال وبالتالي إمتلاك القدرة على التنبؤ بسياساته المستقبلية.
وبتتبع المشهد السياسي والإقتصادي بعد أوسلو فإننا نلاحظ بشكل واضح أن الإحتلال يدير قواعد اللعبة بشكل منتظم ومدروس ومخطط له في إستخدام بنود إتفاقيتي أوسلو السياسية وباريس الإقتصادية بشكل واضح لتحقيق مكاسب سياسية أو إقتصادية على حساب الجانب الفلسطيني. ولمتتبعي السياسات الإسرائيلية فإنه يجد بشكل واضح أن إسرائيل تستخدم الإقتصاد بشكل مباشر لتحقيق المكاسب السياسية. فعند أي أزمة سياسية مع السلطة الوطنية الفلسطينية نجد أن إسرائيل تمارس شكل من أشكال الإرهاب الإقتصادي على السلطة لإرغامها على تقديم تنازلات سياسية أو تراجع عن موقف سياسي معين. وفي نفس الوقت فإن إسرائيل لا تستخدم الإرهاب الإقتصادي كوسيلة واحدة للضغط على الفلسطينيين وإنما تمارس أيضا سياسة الإغراءات الإقتصادية لكبح توجه الفلسطينيين عن ممارسة الوسائل الخشنة في نضالهم المشروع ضد الإحتلال. وعليه وبعد 25 سنه من توقيع إتفاقيتي أوسلو وباريس فإن الإحتلال أصبح يمارس قواعد اللعبة في فرض الأمر الواقع بإعتباره إتفاقية أوسلو المرحلية هي إتفاقية الحل النهائي.
لقد أصبح واضحا أن إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان للعب دائما على الوتر الإقتصادي للتأثير على السياسات الفلسطينية. الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة وبالتنسيق المباشر والعميق مع سلطة الإحتلال على تقديم ما سمي بصفقة العصر غير المعلنة تفاصيلها حتى الآن والتي أصبح واضحا ومن خلال ممارسات الولايات المتحدة على الأرض وبعد مؤتمر البحرين الإقتصادي أن الصفقة تقوم بالأساس على تقديم الدعم الإقتصادي للفلسطينيين مقابل الحصول على تنازلهم الكامل عن حقوقهم السياسية. وهذا أيضا ما تمارسه إسرائيل على الأرض من خلال جملة من التسهيلات الإقتصادية التي تقدمها للفلسطينيين في مجال العمل داخل الخط الأخضر وزيادة العلاقات التجارية وبناء شركات وشراكات مع رجال أعمال فلسطينيين بهدف معلن تحسين أوضاع الفلسطينيين إقتصاديا وآخر غير معلن والمتمثل بإغراء الفلسطينيين لقبول الأمر الواقع بالحصول على حياة إقتصادية مزدهرة مقابل التنازل عن حقوقهم السياسية!
فأمام هذا المشهد ماذا نحن فاعلون؟
إنني أعتقد أنه وبعد 25 سنه من المواجهة مع الإحتلال بعد إتفاق أوسلو فإن قواعد اللعبة قد أصبحت واضحة جدا، الأمر الذي دفع بالحكومة الحالية للبحث عن وسائل جديدة وطرق بديلة لكسر الأمر الواقع وفرض معادلة جديدة للعلاقة الإقتصادية مع الإحتلال والذهاب لتغيير قواعد اللعبة الإقتصادية معه. فمنذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة الحالية قد أعلن رئيس الحكومة محمد إشتية بأن حكومته ستسير بشكل منهجي للإنفكاك التدريجي عن إقتصاد الإحتلال وان حكومته ستعمل على إنهاء العلاقة الكمبرادورية التي أنشئت بفعل العلاقة الإقتصادية غير المتوازنة مع إسرائيل. هذه العلاقة التي أدت إلى نتائج عكسية على الإقتصاد الوطني الفلسطيني وجعلت منه أسيراً للسياسات الإقتصادية الإسرائيلية. هذا الموضوع الذي أصبح غير ممكن الإستمرار به كما يعلن رئيس الوزراء دائما. وبالفعل ومنذ تشكيل حكومة إشتية فإنها قد بدأت بالعمل على عدة مسارات متوازية من أهمها البدء بالتحضير لإنشاء بنك التنمية الحكومي، وإطلاق خطة التنمية بالعناقيد، والعمل الدؤوب للإنفتاح الإقتصادي على عمقنا العربي والإسلامي، وإطلاق برنامج لدعم وتشجيع المنتج الوطني، والإعلان عن إلغاء العمل بتصنيفات المناطق أ و ب و ج والتوجه للإستثمار في المنطقة التي تسمى ج، والبدء بإعداد دراسة لإنشاء جامعة للتدريب المهني لردم الفجوة بين مخرجات التعليم وإحتياجات سوق العمل، ودعم وتشجيع ريادة الأعمال والتشغيل الذاتي، وغيرها من المبادرات على مستوى الوزارات.
بإعتقادي فإن هذه المبادرات والأفكار الإقتصادية الخلاقة قادرة بالفعل على تغيير قواعد اللعبة الإقتصادية مع الإحتلال وجعل الإقتصاد معركة مفتوحة معه. وحتى تنجح هذه المبادرات لا بد من توفير بعض المتطلبات لضمان وزيادة فرص نجاحها وأهم هذه المتطلبات تعميق الحوار والشراكة بين القطاعين العام والخاص وتوفير البيئة القانونية الحامية والمشجعة للإستثمار في فلسطين وخاصة المشاريع الريادية للشباب والنساء وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني والحركات الشعبية لقيادة حملات التوعية بأهمية تشجيع المنتج الوطني وتشكيل مجموعة من الخبراء للتفكير الإستراتيجي وإقتراح السياسات الفعالة التي تنسجم وظروف كل مرحلة، وتطوير ودعم برامج التنمية المحلية والريفية ودعم قطاع الزراعة بشكل أكبر نحو بناء إقتصاد منتج ومقاوم وقادر على الإنفكاك الفعلي عن إقتصاد الإحتلال. وبإختصار فإن الإلتفاف الجماهيري وتعاون القطاع الخاص حول ومع الحكومة فإننا سنتمكن من إدارة المعركة مع الإحتلال وتمكين اقتصادنا الوطني من النمو بموارده الذاتية وبالتالي جعل الإقتصاد رديف قوي للسياسة الفلسطينية.