الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

من ثورة الجزائر الى اعلان استقلال دولة فلسطين

نشر بتاريخ: 18/11/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:11 )

الكاتب: عيسى قراقع

في الاول من تشرين الثاني عام 1954 انطلقت ثورة التحرير الجزائرية ضد المستعمرين الفرنسيين التي اجترحت النصر والاستقلال بعد سبع سنوات من البطولات والتضحيات، لتكون نموذجا وطنيا وقوميا الهم كل حركات التحرر في العالم فكراً واسلوبا في نضالها وكفاحها من اجل حق تقرير المصير، وفي الخامس عشر من نفس الشهر عام 1988 اعلن الرئيس الشهيد ياسر عرفات من على ارض الجزائر في المجلس الوطني الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق ارضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، فالجزائر التي اشهرت بطولتها وثورتها ضد الغزاة المستعمرين يكتمل نصرها وفرحها باقامة دولة فلسطين على ارض فلسطين، ارض الرسالات السماوية الى البشر، ارض الحضارات والانبياء، ارض الانتفاضات والحياة.

ليس صدفة ان يحتفل الشعبان الشقيقان الجزائري والفلسطيني في هذا الشهر بانتصار الثورة والنبوءة واعلان الاستقلال، يرفع العلم الفلسطيني في القدس وفي الجزائر، يتعانق الشهداء وتمتزج الدماء ويعلو صوت الحرية لفلسطين من بلد المليون ونصف المليون شهيد، وليس صدفة ان تمد الجزائر يدها لتقطف معنا ثمار الزيتون في ارضنا المباركة، وليس صدفة ان تمد الجزائر يدها الى غزة التي فاضت بالدم والمذبحة، غزة التي تحشو رمالها بالجثث والنيران والرياحيين، غزة التي تنهض، تمسك الجزائر بيدها، تتحرك وتخنق بدمها مدينة تل ابيب.

من الجزائر رأى ابو عمار النور في نهاية النفق، كان يرى الدولة الفلسطينية المستقلة قريبة وليست بعيدة، ولكننا نحن الصادقون، ومن الجزائر ارسلنا اسماءنا الحركية، ارسلنا رجالنا ونساءنا والمجموعات الفدائية، جاءت من خلف سفوح الجزائر، من خلف سفوح الغيوم، من جبال الاوراس ووهران، وصلت القدس وغزة والمثلث والنقب والجليل، مطر فلسطيني، كينونة فلسطينية، هوية فلسطينية، صمود يدشن خطانا العنيدة.

من الجزائر تلاحم النشيدان الفلسطيني والجزائري، دم واحد، ايقاع واحد، حجر واحد، ثورة حتى النصر، ومن الجزائر اقسمنا بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات، والبنود اللامعات الخافقات، في الجبال الشامخات الشاهقات، ومن الجزائر انشد الفدائي الفلسطيني: بعزمي وناري وبركان ثاري، واشواق دمي لارضي وداري، فلسطين داري ودرب انتصاري، فلسطين ثاري وارض الصمود.

الجزائر كانت دائما مع فلسطين ظالمة ومظلومة، وفي ذكرى ثورتها اعلن استقلال دولة فلسطين، واستمر الهجوم كما قال الشهيد خليل الوزير (ابوجهاد) : لقد توقف الرحيل، لا منفى بعد اليوم، لا خيام ولا لجوء، لا عواصم تحشرنا في المطارات، نحن هنا في الجزائر، نحن هنا في نابلس والقدس وجنين والخليل، نحن هنا نحيا ونموت، نبني ما هدموه، نزرع ما اقتلعوه، نحفر الصخر بأحلامنا، نعبر الحواجز العسكرية، يعلو صوت الاذان في الجامع وتقرع اجراس الكنيسة، نعلن اضراب الارداة في السجون، الارض فينا صلاة، نحن في الجزائر، لا يهمنا موازين القوى، نحن شعب المعجزات القادرين على المرور بين السحاب والاودية.

من قال ان الجزائر ليست على حدود فلسطين؟ كذب الجغرافيون وخشوا ان يقرأوا التاريخ الذي امد اضلاعه القومية من الجزائر الى فلسطين، لا حدود للثوار، لا مسافات، وصل الفدائيون من الجزائر الى سواحل فلسطين، وصل ابو عمار، حملهم بحر الجزائر وهواء الجزائر وشعب الجزائر الى القدس آمنين.

هي الجزائر الملهمة للثورة الفلسطينية منذ البدايات، الافكار والخطوات المتتاليات، من الجزائر كانت الطريق الى فلسطين، هي الجزائر التي خبأتنا عندما لاحقتنا الطائرات والمؤامرات ووصايات الانظمة وحاصرتنا الجغرافيا السياسية، احتضنتنا وحمت قرارنا الفلسطيني المستقل وشرعية م.ت.ف كممثل شرعي ووحيد لشعبنا، صانت ارادتنا وكرامتنا ووحدتنا بعد ان سرنا في حقول الالغام العربية والدولية، ومحاولات ذبح الكيانية الفلسطينية، فشكرا للجزائر في عيد ثورتها من شعب فلسطين، من اطفالها وشهداءها واسراها وجبالها وسهولها واشجارها ونساءها ومن صلواتها القدسية.

في ذكرى انطلاقة الثورة الجزائرية أعلنا استقلال دولة فلسطين، عدنا الى بلادنا، اشعلنا كل اصابعنا في ليالي السجون، عدنا وزرعنا قمحنا واوقدنا حطبنا وعصرنا زيتوننا واطفأنا نار رمادنا في عيون المستوطنين، عدنا وقامت اشباحنا من جثثنا، اولادنا كبروا وانتفضوا في الشوارع والمدارس وعلى السياج، لم يرهبنا الصاروخ والقذيفة، فالحاضر لنا، الحاضر كان وسيكون.

من الجزائر الى فلسطين نكتب للمرة الالف: نموت ولكنهم لن يمروا، نموت ولكنهم لن يعيشوا اكثر مما عاشوا على دمنا، نموت ولكنهم لن يحصلوا على الامن والسلام والنسيان، نموت ولكنهم لن يموتوا مثلنا، سيموتون في الخوف وداخل الغيتو، سيموتون مختنقين بالعنصرية والفاشية والاستيطان والكراهية، سيموتون في المعسكرات وفي الحروب وفي الكوابيس الليلية.