الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

عين معاذ.. الصورة والأيقونة!

نشر بتاريخ: 19/11/2019 ( آخر تحديث: 19/11/2019 الساعة: 11:59 )

الكاتب: ابراهيم ملحم

بحدقات عيونهم يكتبون التاريخ، وبعدسات كاميراتهم يقبضون على اللحظة الهاربة، فتراهم يتقدمون الصفوف بجسارةٍ محفوفةٍ بالمخاطر، فمنهم من فَقَدَ حياته، ومنهم من فَقَدَ نور عينيه وهو يُجازف في القبض على الجُناة مُتلبّسين بفعلتهم.. نمدّ عيوننا إليك يامعاذ وأنتَ ترقد على سرير الشفاء.. فلئن فقأوا عينك فلن يفقأوا عين الحقيقة، وستظل عينك يامعاذ شعاعاً يخترق حُجُب العتمة.

استهداف إسرائيل للشهود ليس جديداً على عقيدة البطش والقتل والتطهير العرقي التي يعتنقها قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وذهب ضحيتها حتى الآن عشرات الصحفيين الفلسطينيين، كان آخرهم المصوران الصحفيان ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، إضافة إلى صحفيين أجانب أمثال روفائيل تشيريللو الذي قُتل عام 2002، وجيمس مللر عام 2003، وسيمون كايلي عام 2014، وهي سياسة يرمي مُعتنقوها إلى حجب الحقيقة التي سرعان ما تتكشف بصورةٍ تختلسها عينٌ كعين معاذ قبل أن تخرج من محجرها وتسيل منها الدماء عقوبةً لها على يقظتها وجسارتها.

وليس ثمة ما هو أبشع من الجريمة المقترفة بحق عين معاذ سوى تلك الرواية الرخوة التي ساقها المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية لتبرير الجريمة البشعة بتوجيهه أصابع الاتهام للمحتجين المسالمين على مصادرة أراضيهم باستهداف عين معاذ بحجر، وهي رواية طالما اعتاد الجناة على فبركتها عند كل جريمةٍ تحاصرهم بالإدانة في المحافل الدولية، بينما كشفت زيفَها شظايا الرصاصة التي استقرت على مسافة خطرة من دماغ الضحية.

"الجريمة إعلام والعقوبة إعدام" تلكم هي القاعدة تحكم المحاكمات الميدانية للجنود الذين يحاولون إخفاء الشهود، إنْ بقتلهم أو بفقء أعينهم التي تجاسرت على كشف الحقيقة الفضيحة، في رسالةٍ لكل من تسول له نفسه ملاحقة المجرمين وتوثيق ارتكاباتهم بحق المدنيين العزل إلا من مضاء عزائمهم وإصرارهم على الدفاع عن حقوقهم.

لذلك جاء قرار رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية الموافقة على إنشاء الآلية الوطنية للإبلاغ عن سلامة الصحفيين ومنع الإفلات من العقاب بمناسبة اليوم العالمي لمنع الإفلات من العقاب الذي اعتمدته اليونسكو، وصادف مطلع الشهر الجاري، استشعاراً بأهمية المساءلة الدولية للمجرمين، وتقديمهم للمحاكمة على ما اقترفوه من جرائم بحق حُراس الحقيقة وفرسان السلطة الرابعة.

كما جاء اتصال سيادة الرئيس بالمصور الضحية معاذ عمارنة أمس، وإيعازه لوزيرة الصحة للتكفل بكامل علاجه في أي مكانٍ في العالم يمكنه معالجته ليعيد إليه نظره، وكذلك إدانة رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية للجريمة البشعة، ومشاركته شخصياً في الحملة التضامنية مع الصحفي المصاب، تلك المواقف الواضحة من قمة الهرم السياسي جاءت لتحمل رسائل لا تُخطئها العين؛ إنْ لجهة ملاحقة المجرمين ومحاكمتهم، أو لجهة تقدير حجم التضحيات التي يقدمها الصحفيون والمصورون الفلسطينيون باعتبارهم الوكلاء الطبيعيين عن ضمير الأُمة، الذين يجازفون بحياتهم لرصد الجرائم التي يرتكبها المحتلون بحق شعبهم وتوثيقها. فالصورة تعدل ألف كلمة، وهي جرس إنذارٍ لإيقاظ الضمائر الحية في السجال المتواصل بين الحق والباطل، والوطن والاحتلال، مثلما هي دليل إثبات، ومشعل نضالٍ للسائرين على درب الحرية.

واذا كان للصورة أن تصير أيقونة، كصورة الطفل رمزي أبو رضوان في انتفاضة الحجارة الأُولى، وصورة الطفل فارس عودة في الانتفاضة الثانية، فإنّ عين معاذ، التي أُريد لها أن لا ترى تلك الصورة الحقيقة، ستصير أيقونةً في معطف الصحافة الوطنية. فلا بد من مساءلة المجرمين طال الزمن أم قصر، ولن يفلتوا من العقاب.