الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

عزل "ترامب" ورقة سياسية في يد الديمقراطيين للانتخابات القادمة

نشر بتاريخ: 20/11/2019 ( آخر تحديث: 20/11/2019 الساعة: 19:13 )

الكاتب: د. رويد ابو عمشة

ما أن تداولت وسائل الإعلام الامريكية والدولية ما بات يعرف بفضيحة (أوكرانيا غيت) وهي طلب الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) من نظيره الأوكراني (فلاديمير زيلنسكي)، عبر مكالمة هاتفية التحقيق الجنائي مع نجل نائب الرئيس الأمريكي السابق (جون بايدن) المنافس المحتمل له في الانتخابات الرئاسية القادمة كمرشحاً للحزب الديمقراطي، إلا وتعالت معها مطالبة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب بمحاكمة الرئيس ترامب تمهيداً لعزله، الأمر الذي فتح باب النقاش واسعاً حول إمكانية ذلك من عدمه؟ ومدى الاستخدام السياسي لتلك المطالبات؟
بالنظر للسياق التاريخي لعزل الرئيس الأمريكي من موقعه (Impeachment) نجد أنه في تاريخ الولايات المتحدة تمّ بشكل فعلي توجيه الاتهام البرلماني في مجلس النواب لثلاث رؤساء، ولكن لم تتم إدانة إثنان منهم في مجلش الشيوخ وهما أندرو جونسون 1868، وبيل كلينتون 1998، مما سمح لهما بالبقاء في المنصب، أما بالنسبة للرئيس ريتشارد نيكسون فقد تمت إقرار مواد المساءلة ضده من قبل لجنة تابعة للكونغرس، لكنه استقال قبل أن تتم إدانته في مجلس النواب، وهذا يعني أنه من الناحية القانونية لم يتم عزله، إذن لم تتم عملية عزل أي رئيس أمريكي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من وجود محاولات لذلك.
وفي حال عُزل " ترامب" فإنه يعتبر إنقلاب سياسي ولكن بوسائل قانونية، ولفهم ذلك لا بد من إطلالة موجزة على الإجراء القانوني المحكوم بنصوص دستورية، حيث يعتبر الدستور الأمريكي من أعرق وأقدم الدساتير المكتوبة المستخدمة حالياً، و يعتبر مرجعاً يعود إليه واضعي دساتير الدول في العصر الحديث، حيث حرص الآباء المؤسسون على إقرار الفصل بين السلطات الثلاث التي يقوم عليها الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية (التنفيذية، القضائية، التشريعية)، واعطى لكل منها سلطات دستورية لا يمكن التنازل عنها وفقاً لمبدأ (الحد والتوازن)، و وفقاً للفقرة الثانية من المادة الأولى من الدستور فقد اعطيت لمجلس النواب سلطة إختيار رئيسه، و للمجلس وحده سلطة اتهام المسؤولين التنفيذيين ومنهم الرئيس الأمريكي ذاته، من خلال اللجنة القضائية المخولة بتقديم لائحة إتهام ضده، ومن ثم يأتي دور مجلس الشيوخ صاحب الصلاحية في محاكمة الرئيس ويتراس المجلس في هذه الحالة رئيس المحكمة العليا في الولايات المتحدة، لكن يشترط في حالة عزل الرئيس المصادقة على القرار بغالبية الثلثين، أي توافر 67 عضواً، وفقًا للدستور الأمريكي يمكن عزل الرئيس بسبب "الخيانة أو الرشوة أو أي جناية كبيرة أو جنحة"، لكنه لا يوضح بشكل دقيق تفاصيل الاتهامات، وبالتالي هل يمكن تكييف هذا الاتهام للرئيس ترامب ليندرج تحت خانة أي منه؟.
إذا يقوم مجلس النواب بمقام الإدعاء العام، بينما يقوم الشيوخ بدور المحلفون، وفي حالة الرئيس دونالد ترامب فإن الحزب الديمقراطي يملك أغلبية مريحة لتوجيه اتهام للرئيس في حال تم إعداد تقارير اتهام ضده، حيث يحوز الحزب الديمقراطي على 235 عضواً في مجلس النواب الأمريكي، مقابل 199 عضواً للحزب الجمهوري، ومقعد واحد مستقل، لكن تبقى المعضلة أن الخريطة الحزبية مغايرة تماماً في مجلس الشيوخ، 45 عضواً للديمقراطيين و 53 للجمهوريين، و إثنان مستقلين، وهنا يتبين ان إدانة الرئيس ترامب وعزله تستلزم أن يصوت 20 عضواً من الحزب الجمهوري ( حزب الرئيس) لصالح عزله.
وتزداد عملية طرح محاكمة الرئيس ترامب برلمانياً وصولاً لعزله أهمية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة والتي سيتم تنظيمها يوم 13/11/2020، أي بعد عام واحد تقريباً، وباعتبار الرئيس ترامب هو مرشح الحزب الجمهوري لتلك الانتخابات كونه الرئيس الحالي حسب العرف المتبع، وليس هناك من ينازعه الترشح من الحزب الجمهوري، خلافاً للحزب الديمقراطي الذي يخوض عشرون مرشحاً من قياداته معركة الإنتخابات التمهيدية (البرايمرز) لاختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية، والتي ستبدأ في شباط 2020، وتنتهي في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي الذي سيقام في ولاية ويسكونسن، في 13 -16 تموز 2020، يليه مؤتمر الحزب الجمهوري في 24 -27 آب 2020، في ولاية نورث كارولينا.
ولوحظ أن مسألة محاكمة وعزل الرئيس ترامب على خلفية فضيحة (أوكرانيا غيت) بدأت تلقى قبولاً شعبيا، خلافاً لقضية التدخل الروسي في الانتخابات السابقة، ففي حينها أظهرت استطلاعات الرأي أن 38.5 في المائة من الأمريكيين فضلوا مساءلة ترامب بينما رفضها 55.7 في المائة، بينما أظهرت الاستطلاعات التي جرت مؤخراً أن هناك تقبل في أوساط الأمريكيين لفكرة محاكمة الرئيس ترامب برلمانياً تمهيداً لعزله، واعتبار ما فعله إساءة بالغة لاستخدام السلطة،و أفاد استطلاع للرأي أجرته شبكة فوكس نيوز، بأن 51% يبدون تأييدهم للتحقيق الذي يجريه مجلس النواب لعزل ترامب، مقابل 40% أبدوا رفضهم لذلك، ويلحظ المراقبون أن هناك تحولاً سريعاً بالرأي العام الأمريكي يظهر تأييداً متزايداً لتلك الإجراءات، و أظهر استطلاع رأي أجرته مؤخراً صحيفة "واشنطن بوست" بالتعاون مع جامعة "جورج ميسون"، أن 58% من الأميركيين يؤيدون التحقيقات التمهيدية في مجلس النواب لمحاكمة الرئيس ترامب برلمانيا من أجل عزله بينما عارضها 38%.
ومع الشروع فعلياً في الجلسات العلنية لمساءلة الرئيس في مجلس النواب، ونشر تفاصيل الجلسات السرية السابقة، وإقرار السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي (جوردون سوندلاند) السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي بأن الرئيس ترامب قام فعلياً بمقايضة نظيره الأوكراني بالافراج عن المساعدات العسكرية المقدمة لبلاده والبالغة 400 مليون دولار، علماً أن سوندلاند كان له موقفاً مغايراً قبل المثول أمام مجلس النواب، بينما أكدت السفيرة الأمريكية السابقة لدى أوكرانيا (يوفانوفيتش) أن عزلها من موقعها تم لإعطاء الفرصة للمقربين من الرئيس ترامب باتمام تلك الصفقة، يتابع الجمهور الأمريكي هذه الجلسات باهتمام بالغ، وفي الوقت الذي قام به الديمقراطيون بإرضاء قاعدتهم الغاضبة، فإنهم دفعوا نحو حالة من "الاستقطاب" داخل قاعدة الجمهوريين لتشكل التفافاً حول الرئيس ترامب ، لذلك نجحت حملته في جمع 125 مليون دولار خلال الربع الثالث من العام الجاري كما أكده تقرير للراديو القومي الأميركي، زد على ذلك أن الجمهوريون وضعوا استراتيجيتهم الدفاعية في مجلس الشيوخ الذي يملكون فيه الغالبية المريحة لضمان عدم حصول الديمقراطيين على غالبية الثلثين التي يحتاجونها للمصادقة على عزل الرئيس فيما لو تم اتهامه في مجلس النواب.

وتظهر استطلاعات الرأي أن "جو بايدن" هو المرشح الأوفر حظا لغاية الآن بين المتنافسين الديمقراطيين للفوز بترشيح حزبه، هذا لوحده يجعل الديمقراطيون يجزمون بأن الإستهداف لبايدن هو سياسي من الدرجة الأولى، ويهدف لمنعهم من دخول البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية القادمة، هذا ما يفسر التحول في موقف رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي تحفظت مراراً على البدأ في إجراءات العزل بعد صدور تقرير مولر حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، لكن الأمر اختلف بعد ظهور فضيحة اتصال ترامب بنظيره الأوكراني والطلب منه التحقيق بشان منافسه بايدن، وخيار العزل هذا يطالب به الجناح اليساري الغاضب والصاعد في الحزب الديمقراطي بين جيل الشباب بالذات، و يعتبر تصاعد هذا التيار من أهم ملامح التغير التي يمكن رصدها في المكونات الحزبية في الولايات المتحدة الأمريكية، مقابل قاعدة انتخابية صلبة للإنجيليين حسمت نفسها أكثر من أي وقت مضى لجانب الحزب الجمهوري، مما يعمق حالة الانقسام التي يعيشها المجتمع الأمريكي.
و بناء على ما تقدم تثور مجموعة من التساؤلات الهامة ستجيب عليها قادم الأيام، هل ستنجح مساعي محاكمة وعزل الرئيس ترامب؟ وفي حال فشلت هل سيؤدي الفشل في إجراءات عزل الرئيس بسبب العوائق الدستورية إلى نتائج عكسية لصالح الرئيس ترامب والتفاف جمهوري متزايد حوله؟ وفي حال لم تؤد تلك الإجراءات لعزل الرئيس ، فهل ستساهم في تخفيض الرصيد السياسي له وإضعافه قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة تمهيداً للانقضاض عليه انتخابياً؟.