السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

عباس زكي يودّع لبنان بعد اعتذار عن كل أذى

نشر بتاريخ: 27/10/2009 ( آخر تحديث: 27/10/2009 الساعة: 19:30 )
بيروت- الخليل-معا- كثيرون هم السفراء الذين يرغبون في أن يُنتدبوا لمزاولة مهامهم فــي لبنان، لاْنهم غالباً ما يتمرّسون في العمل السياسي والدبلوماسي في بــلــد تـكـثــر فــيــه الـصــراعــات وسـيـاســة الــمــحــاور وعندما يـعـودون الـى بـلادهــم تتم ترقيتهم وتسليمهم ملفات على مستوى الشرق الاوسط بمجمله.

السفير المنتدب في لبنان غالباً مــا يصبح مــشــهــوراً ومــعــروفــاً لاْن لبنان يكاد يكون البلد الوحيد الذي تكثر فيه حركة السفراء باستثناء غياب السفير السوري عن الحركة, وقــد دفـع نشاط بعض السفراء بلجنة الشؤون الخارجية في مجلس الـنـواب الـى المطالبة بـوضــع حد لتحركاتهم.

بين السفراء الذين نشطوا في لبنان ويستعدون للمغادرة ممثل منظمة الـتـحــريـر الفلسطينية عـبـاس زكـي الـذي اكـتـســب لقب سفير بعد رفــع مستوى التمثيل الفلسطيني في بيروت من ممثلية الـى ســفــارة. وقــد أجـرى زكـي جولة وداعية شملت مختلف القيادات السياسية والدينية في لبنان على اختلاف انتماءاتها, وهو فيما يحزم حقائبه يترك بصمات في الحياة السياسية اللبنانية في مرحلة حفلت بالتطورات.

ولكن اكثر ما لفت في الجولة الوداعية لعباس زكي هو تكراره " الاعتذار من كل من لحق به أذى" ، لانه كما يقول زكي : من واجبنا إن أردنا علاقة أن نعتذر وأن ننضح المياه العكرة التي جرت في وادي العلاقة الفلسطينية اللبنانية.

وبخلاف الصعوبات التي واجهت زكي في مهمته خصوصاً على صعيد العلاقة مع الفصائل الفلسطينية المتعددة ومع بعض القادة داخل حركة "فتح" ولاسيما أمين ســر الحركة اللواء سلطان ابو العينين، أدى عباس زكي دوراً مميزاً في مرحلة مميزة، ونجح في نسج علاقات طيبة مع مختلف الأطراف سواء المنتمية الى قوى 8 ام 14 آذار.

اضطلع زكي بدور بارز في مسالة الحوار اللبناني الفلسطيني، وأصر على اعادة اعمار نهر البارد بعد المعارك بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الاسلام، وعن هذه الاحداث يقول زكي" انتظر مني الناس أن أقف مع المخيم ضد الجيش، وأن احقق حلم من كان يتمنى معركة مع كل الفلسطينيين، كأننا لم نتعلم من الماضي، وعلمت أننا إن لم نتخذ قراراً يريح اللبنانيين، فستدمر كل المخيمات."

وسعى زكي الى معالجة أي إشكال قد ينشأ بين مخيم فلسطيني ومحيطه، وهذا ما فعله بعد إشكال وقــع في أحد مخيمات بيروت المتاخمة للضاحية الجنوبية, فزار الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس "حــركــة أمـــل" الــرئــيــس نبيه بــري، مؤكداً "أهمية استمرار التواصل وأن المخيمات لن تكون عرضة لحرب جديدة او ممراً لتخريب لبنان وضرب القضية الفلسطينية".

اما الصفحة الجديدة التي فتحها زكي فكانت مع مسيحيي لبنان وعلى رأسهم البطريرك الماروني الكاردينال بطرس صفير وحزب الكتائب من دون التقليل من أهمية العلاقة التي نشأت مع رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، وفي هذا المجال يعتبر زكي، أن المصارحة مع المسيحيين اولوية،" لان جميعنا كنا ضحية عدم قدرتنا على ضبط النفس والسيطرة على الفعل ورد الفعل".

ومن المعروف أن زكي قدّم "اعلان فلسطين في لبنان" وهو عبارة عن وثيقة سياسية اعلنتها منظمة التحرير العام 2007 لتأكيد احترامها سيادة لبنان واستقراره واستقلاله, كما أن مصالحة جمعت ممثل منظمة التحرير مع رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل في ذكرى 13 نيسان التي كانت شرارة اندلاع الحرب في لبنان. وتــمّ التشديد على ضــرورة الخروج من جراح الماضي وأخذ العبر لبناء علاقة متينة وواضــحــة بين اللبنانيين والفلسطينيين ورفض أي شكل من اشكال التوطين.

والى بكركي حمل السفير زكي وثيقة بعنوان " كلمة شرف وعهد ووفاء الى اخوتنا المسيحيين في لبنان " ، وقدمها الى البطريرك صفير لمناسبة عيد القصح 2008.

وأبرز ما جاء فيها " أكثر ما يواجهنا اليوم من تحديات تبعث على القلق الشديد، تناقص أعداد المسيحيين في الشرق، لا سيما في لبنان وفلسطين، بفعل تداعيات الاحتلال الاسرائيلي، وتنامي الاصوليات. إن الدور المسيحي في الشرق، وتحديداً في لبنان وفلسطين يعبر الآن درب الآلام، على رجاء الخلاص من الحروب، عبر صناعة السلام، وهزيمة العنف والتطرف، من أجل شفاء النفوس المتصالحة مع ذاتها ومع الآخــر".

واضـافــت الوثيقة "بــعــد مراجعة لتجربتنا في هــذا البلد، المعطاء أردناها مراجعة صادقة وصريحة، فإننا نخصكم بكلمة الشرف هذه، ونعاهد أنفسنا واياكم على: أولاً: الاحــتــرام الــكــامــل لخصوصيتكم اللبنانية والمشرقية، وأن نكون معاً لدرء الأذى الذي يترصد لبنان العزيز، بوصفه كياناً مستقلاً ودولة سيدة.

ثانياً: مقاومة أي محاولة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على حساب هذا الوطن، أو بعيداً مما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية في هذا الشأن، وفي مقدمها حق العودة وفقا للقرار الدولي 194، لا ثالث لهما .

في اعتقاد ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، أن مسألة السلاح الفلسطيني في لبنان من شقين، السلاح خارج المخيمات وقد توافقت طاولة الحوار الوطني في لبنان على نزعه، ويأمل زكي أن يتم ذلك في أسرع وقت ممكن مقابل تحسين أوضاع الفلسطينيين. والسلاح داخل المخيمات حيث يذكر باقتراحه على الدولة اللبنانية إنشاء لواء فلسطيني يرتبط برئاسة الاركان في الجيش اللبناني شبيه بلواء حطين في سوريا، وبلواء بدر في الأردن، زبلواء قوات عين جالوت في مصر، وما كان يعرف بلواء القادسية في العراق، فتكون السيادة للبنان والأمن للبنان ونكون نحن ارتحنا من القول إننا دولة ضمن دولة.

عرف عن عباس زكي تاريخياً أنه رجل وفاق وحوار منذ توليه مهامه في عدن بتكليف من الرئيس الراحل ياسر عرفات، ثم كان رجل حوار في حركة فتح والساحة الفلسطينية، فلم يكن من الصعب عليه انجاز ما تم انجازه خلال فترة وجيزة من توليه مهامه في لبنان، فأصبح محط الأنظار للنجاحات التي حققها وأثار الاعجاب لقدراته الفائقة على احتواء أزمات خطيرة كان أبرزها أزمة مخيم نهر البارد وسعيه الدؤوب ليلاً ونهاراً لمنع حدوث اي اضرار تلحق بأبناء الشعب الفلسطيني في لبنان نتيجة قضية مخيم نهر البارد وما سبقها من مقدمات، فكان موقفه الثابت والذي يعبر عن سياسة الرئيس محمود عباس بالوقوف مع الشرعية اللبنانية ومع لبنان رئيساً وحكومة وشعباً.