الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مشروع للاتحاد الأوروبي يعيد "خان الوكالة" في نابلس إلى أمجاده السابقة

نشر بتاريخ: 30/07/2012 ( آخر تحديث: 30/07/2012 الساعة: 21:46 )
نابلس -معا- أعاد مشروع للاتحاد الأوروبي وشركائه إحياء الخان القديم في مدينة نابلس والمعروف باسم خان الوكالة، واستغرق إتمام مشروع ترميم هذا المبنى التاريخي اثني عشر عاما بسبب الأوضاع السياسية، ليصبح اليوم مركزاً أساسياً لحضانة الحرف اليدوية والخدمات السياحية والثقافية في مدينة نابلس. وسعى الاتحاد الأوروبي بمبلغ وصل الى 2.5 مليون يورو الى تجديد وتطوير البنية التحتية العامة في المناطق المحيطة بالخان الى جانب العمل على إعادة استخدام المبنى كمرفق حضري يهدف الى توفير فرص عمل للفلسطينيين وضمان استدامة دخلهم.

وعمل الاتحاد الأوروبي من خلال مشروع الترميم على تقديم نموذج حول سبل الحماية المستقبلية للتراث الثقافي في نابلس، وكيفية المساهمة في تأهيل النسيج الحضري للبلدة التاريخية، فضلا عن رفع مستوى الخدمات التي يقدمها الخان وتحسين المستويات المعيشية للسكان. وما بدا سابقا كمشهد ركام من أحد افلام الحرب العالمية الثانية أصبح الآن مبنى ذا طابع مميز.

مبنى واحد يحكي تاريخ المدينة

مدينة نابلس هي إحدى أكبر المدن في الضفة الغربية، وتمثل البلدة القديمة منها قصة عريقة بحد ذاتها كما ان مبانيها الشاخصة للعيان تحكي تاريخاً فلسطينياً. وشكل ترميم خان الوكالة تحديا، ليس فقط بسبب حجم الأضرار الناجمة عن الزلزال الذي وقع عام 1927 والذي أدى الى دمار الموقع كليا وتركه طي الاهمال حتى منتصف التسعينات، ولكن أيضا لأنه كان من الممكن أن يؤدي الى تمنيات بمزيد من أعمال الترميم واعادة البناء في البلدة القديمة. وأخذ ترميم المبنى مجراه فعلا عندما اقترح رئيس بلدية نابلس غسان الشكعة، والمهندسة الرئيسية في البلدية عدالة الاتيرة الفكرة أمام الاتحاد الأوروبي، وهي الفكرة التي حلم بها تقريبا كل رئيس بلدية عمل في دار البلدية. وأوضحت المهندسة عدالة الاتيرة كبير المهندسين في مجلس مدينة رام الله كيفية انطلاق المشروع قائلة: "التقينا مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، وشرحنا لهم ما كنا نود القيام به، وبعد مناقشة طويلة، وافق مجلس المدينة على المضي قدما في المشروع بشرط أن يصبح المجمع كله ملكا للبلدية. وقررمجلس المدينة شراء جميع الاقسام المملوكة من قبل القطاع الخاص. وأصبح الموقع عموميا. والتزم الاتحاد الأوروبي التزاما كاملا تجاه المشروع وهكذا تمت انطلاقته".

وقال ممثل الاتحاد الأوروبي السيد جون غات روتر بأن "خان الوكالة في نابلس هو معلم عريق، وقد اردنا إعادته للحياة من أجل سكان هذه المدينة ومن أجل جميع الفلسطينيين"، واضاف ان "نابلس هي مدينة ذات روحية خالدة، حافلة بالتاريخ، ومليئة بالحياة. بدأنا من قلب المدينة القديمة ليس فقط بهدف ترميم موقع ما، ولكن أيضا سعيا لتنشيط الحياة التجارية والثقافية لمدينة نابلس". وحين قرر الاتحاد الأوروبي أن يخوض غمار هذا المشروع ، طالب بأن تشمل الجهات المعنية، بالإضافة إلى بلدية نابلس، كلا من جامعة النجاح ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). وعملت جميع الأطراف معا لانجاز الترميم بنجاح، ولكن هذا لم يمنع من وجود بعض العثرات المحتومة على طول الطريق.

عراقيل سياسية وصعوبات

توقف العمل لمدة ثلاث سنوات تقريبا لدى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000 والتي تبعها هجوم القوات الاسرائيلية على مدن الضفة الغربية في عام 2002، وأدى سقوط صاروخ على المنطقة التي كانت قيد التشخيص إلى تهدم جزء كبير منها في العام ذاته. ودمرت البوابة القديمة للموقع خلال محاولة للبحث عن ناجين بعد أن هاجم الإسرائيليون مصنع الصابون المجاور. واستؤنف العمل لبضع سنوات فقط إلى أن تعطل مرة أخرى بسبب الخلاف السياسي الذي حدث بعد الانتخابات التشريعية عام 2006 والتي جاءت بحركة حماس إلى السلطة، وأدت إلى زيادة التوتر مع المجتمع الدولي.

استغرق الأمر سنوات عديدة من المفاوضات من أجل استئناف الأعمال، بعد أن اقترب المشروع من وضع اللمسات الأخيرة عليه الآن، بدت كل المساعي والأعمال التي بذلت مستحقة الجهد على الرغم من كل المشاكل التي واجهتها، فالخان القديم أصبح بحالة جيدة واستعاد فعليا حياته وانتعاشه من جديد.

وأكد ممثل الاتحاد الأوروبي السيد جون غات روتر: "ان هذا المشروع شكل استثمارا مجديا وأحد الإمكانيات الهائلة لخلق فرص عمل ونمو اقتصادي لمدينة نابلس". وقال ديريك الياس مدير مكتب اليونسكو في رام الله "إن إعادة تأهيل وإعادة الاستخدام المعدّل لخان الوكالة قد رافق عمل اليونسكو لصون وإحياء التراث الثقافي الفلسطيني لأكثر من عقد من الزمن، وقد مثل في بعض الأحيان وسيلة لفهم السياق الفلسطيني، وتحديا حقيقيا عندما كنا نواجه بعوامل خارجية مدفوعة من جانب قوة قاهرة، وهو الآن مدعاة للفخر بعد ترميمه ".

مركز للحرف اليدوية والخدمات الثقافية والسياحية

يهدف المشروع وبصرف النظر عن الجوانب التاريخية والثقافية لترميم الخان، إلى تحسين المستوى المعيشي لسكان نابلس. وقد تم تجديد البنية التحتية القريبة من الخان لاستخدامها بمثابة حاضنة للحرف اليدوية، والسياحة، والخدمات الثقافية. وبالإضافة إلى ذلك، أعد الخبراء خطة للبلدية حول كيفية تحويل الموقع إلى مركز مدر للربح للتأكد من أن يكون لأعمال الترميم أثر طويل الأمد. وسوف يضم المجمع بمجرد افتتاحه رسميا، نزلا صغيرا يشمل تسع غرف وعدة محلات لبيع الحرف اليدوية التقليدية مثل الصابون الشهير المصنّع من زيت الزيتون وأعمال التطريز التقليدي. وستحتوي المحلات الأخرى على مراكز ووكالات سياحية لمساعدة الزوار. بالاضافة الى وجود مطعم من طابقين، وستكون الباحة القديمة، التي كانت اسطبلا للبغال أثناء الليل لمئات السنين، مكانا للمناسبات العامة. وهناك العديد من الأمسيات الترفيهية والحفلات الموسيقية التي ستقام في الخان خلال شهر رمضان.

العمال استخدموا الأدوات اليدوية فقط

شكل تطوير مهارات الترميم عند العمال الفلسطينيين عنصرا أساسيا آخر من المشروع الى جانب ترميم البنية التحتية، وتلقى فريق مكون من 12 متدربا فلسطينيا تدريبا في تقنيات ترميم الحجر القديم في جامعة النجاح وفي الخارج. وأصبح النجار رائد عرفات، الذي كان يعمل في متجر والده على بعد أمتار قليلة من خان الوكالة، واحدا من العمال الـ12 الذين تلقوا تدريبا مكثفا في مجال تقنيات الترميم عندما بحثت البلدية عن عمال للانضمام للفريق. ولا يزال رائد واثنان من زملائه، علاء ريحان وكايد عكاشة، يعملون في الموقع. وقال علاء واصفا تجربته "أنا فخور جدا بما قمت به، فعندما أبلغ الثمانين من عمري أو أكثر، يمكنني ان اتصور نفسي محدثا أحفادي وشارحا لهم نوع العمل الذي قمت به، وهو ترميم مكان لا أحد منا كان يعتقد أنه كان من الممكن إعادة إحيائه."

يذكر أن خان الوكالة يعني باللغة العربية "النزُل"، وقد تم بناءه منذ حوالي 350 سنة، واستخدم الموقع بمثابة نزل للتجار العابرين لأرض فلسطين التاريخية في طريقهم من آسيا إلى شمال أفريقيا، حيث كانوا يعمدون إلى ربط بغالهم في الفناء وقضاء ليلتهم في النزل.