الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما هو جهاز الشاباك ؟

نشر بتاريخ: 09/05/2015 ( آخر تحديث: 15/05/2015 الساعة: 08:56 )
ما هو جهاز الشاباك ؟

بيت لحم- معا - احتاج جهاز الشاباك إلى غلطة واحدة فقط حتى يكتشف لقاء القمة لقادة حماس واغتيال اثنين من كبار قادة الحركة، وذلك في نهاية مطاردة وصفها احد قدامى ضباط "الشاباك " بسباق الجواسيس حيث نقل "منسقو" الشاباك في المنطقة المعلومات من واحد إلى أخر حتى تم تجميع "الأحجية" الاستخبارية "بازال" وفي النهاية حصلت هذه الأحجية على تأكيد بنسبة 100% من مصدر موثوق جدا افاد بان قائدين "إرهابيين" موجودين ألان داخل مبنى يقع جنوب قطاع غزة لتنهي عدة صواريخ اطلقت من الجو المهمة وتغتال قائد المنطقة الجنوبية في حماس" محمد أبو شمالة " وقائد اللواء الجنوبي " رائد العطار .

ولد العطار ابو شمالة عام 1974 بفارق عدة أشهر بينهما في مخيم "رفح" للاجئين وترعرعوا بين أزقته وداخل بيوت الصفيح ولم يرو جنودا في تلك الأيام لان الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت كان يمتنع من دخول هذه المناطق خشية وقوع مواجهات ولكنهم تربوا على الكراهية داخل المساجد وتحولوا الى شخصين متدنيين ليبدأ الاثنان وفي سن السابعة عشر تدريباتهم العسكرية ضمن صفوف حماس وعملوا في مهام ثانوية مثل الحراسة والخدمات اللوجيستية ومع مرور الوقت نالوا ثقة قادتهم فتم تأهيلهم لتنفيذ عمليات وإرسالهم للقيام بعمليات اطلاق نار قتل خلال إحداها ضابط في لواء "الناحال" يدعى "غيا عوفاديا" وفتى يدعى "رون سوبل"

برز الاثنان رائد العطار ومحمد ابو شمالة في تسعينيات القرن الماضي واستمرا بالعيش على طريقة المطاردين حيث كانا يغيرا مكان إقامتهما وهوياتهما وشخصياتهما الحقيقية وامتنعا عن الاتصال بأقربائهم ومقربيهم وسارا في الشوارع ملثمين وتلقا المساعدة من أشخاص ثقات وكان خوفهم الكبير ان يقعوا في يد "منسقي" الشاباك الذين كانوا يطاردونهم ويحاصروهم بشكل مكثف ومستمر .

اعتقل الاثنان عام 1995 على يد أجهزة الأمن الفلسطينية بتهمة قتل ضابط أمن فلسطيني لكنهم عادوا للحرية بعد اقل من عام فيما انضم ابو شمالة للأجهزة الأمنية ورغم هذا الانضمام بقي راغبا بالانضمام مرة أخرى إلى رائد العطار وقتل ضابط فلسطيني أخر ما أدى إلى اعتقال الاثنين مرة أخرى على يد أجهزة الأمن الفلسطينية وحكم ابو شمالة هذه المرة بالسجن المؤبد فيما كان حكم الإعدام من نصيب رائد العطار ليتم مع انطلاق الانتفاضة الثانية إطلاق سراحهما بناء على أوامر مباشرة أصدرها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بهدف تمكينهم من المساهمة في الكفاح المسلح ضد الجيش الإسرائيلي وفقا لتعبير الموقع الالكتروني .

وواصل الشاباك تعقبه ومطاردته لرائد لعطار وابو شمالة تعمقت المطاردة مع ترقي الاثنين سلم القيادة في حماس حيث تم تعيين ابو شمالة قائدا للقطاع الجنوبي في الحركة يعمل تحت أمرته قادة الألوية بينهم قائد لواء رفح الذي كان صديق طفولته أيضا ونجح الشاباك في عدة مناسبات في تحديد مكان اختبائهم لكنهما نجحا في الفرار والهرب في كل مرة وفي اللحظة الأخيرة .

ورغم حياة المطاردة والهرب نجح الاثنان في تنفيذ وتخطيط عدة عمليات قاتلة أخطرها كان عملية " نفق الموت " على محور " فلاديلفيا" عام 2002 كما اشترك العطار في تخطيط عملية التسلل إلى موقع "أفريقا" العسكري قرب " كرم ابو سالم" حيث قتل أربعة جنود كما كانا مسئولين عن تفجير " نفق الموت" تحت موقع " اورحان" عام 2004 حيث قتل 6 جنود وفي عام 2006 كان للاثنين دورا كبيرا في عملية اسر الجندي "غلعاد شاليط " وفي عام 2008 شاركا في تفجير سيارتين مفخختين قرب معبر كرم ابو سالم وكان لرائد العطار تدخلا خاصة في حفر وبناء الانفاق الهجومية التي حفرت من غزة باتجاه إسرائيل وإقامة القوات الخاصة التابعة لحماس وكذلك إرسال خلايا " إرهابية" لتنفيذ هجمات ضد الجيش المصري حسب ادعاء الشاباك الإسرائيلي.

ومع إطلاق عملية " الجرف الصامد " كان العطار على علاقة مباشرة بتسلل مجموعة فلسطينية مسلحة من 13 مقاتلا إلى إسرائيل عبر الأنفاق كما كان لقواته الخاصة دور كبير في المعركة التي انتهت بقتل وخطف الجندي" هدار غولدن ".

أربك الهجوم الذي شنته الطائرات الإسرائيلية أثناء الحرب الأخيرة على احد البيت حيث يعتقد بان المطلوب رقم واحد "محمد ضيف" يقيم فيه الذراع العسكري لحماس وبدلا م نالتركيز على السؤال كيف نجح "منسقو" الشاباك باختراق الدائرة الصلبة القوية المحيطة بمحمد ضيف جعل قادة الحركة الكبار في حالة من الضغط الكبير واهتموا بتوزيع صلاحيات " ضيف" وكيفية مواصلة المعركة ضد الجيش الإسرائيلي .

واجبر " الضغط " رائد العطار وابو شمالة على الخروج من مكان اختفائهما والاجتماع في مكان مفتوح وغير امن وفي ليلة 21/8/2014 وفي تمام الرابعة فجرا تلقى الشاباك المعلومة الذهبية حيث لفت "منسقو" الشاباك نظر واعين كافة الأجهزة الاستخبارية إلى مكان اللقاء الذي سيجمع "العطار وابو شمالة " وشرعوا بجمع المعلومات من خلال العملاء والجواسيس .

وكان واضحا لكافة الجهات المشاركة بان الأمر يتعلق بسباق ضد الزمن ورغم المعركة البرية والجوية والبحرية التي يدريها الجيش ضد غزة وفي المنطقة كان " العملاء والجواسيس" يتسكعون في المنقطة ويجولون فيها لجمع المعلومات مخاطرين بحياتهم مع إمكانية أن تصيبهم نار الجيش أو يتم كشفهم من قبل حماس والمقاتلين الفلسطينيين .

وانتشر نبأ اغتيال الاثنين مثل النار في الهشيم في أرجاء القطاع لكن ابو شمالة كان قائدا أكثر أهمية من العطار لكن بالنسبة لحماس ورفاق السلاح كانت ضربة العطار اشد وقعا لانهم يعرفون تاريخه ومدى التقدير الذي يحظى به في الشارع الغزي .

هناك مقولة سائدة لدى "منسقي" الشاباك وهم المسؤولون عن تجنيد وتشغيل العملاء والجواسيس في الضفة الغربية وقطاع غزة تقول " إذا لحت يوما باللغة العربية فاعلم بأنك قد أصبحت منسق شاباك جيد وأنهيت أخر مراحل التدريب والتأهيل ".

ويشكل "المنسقين" عيون إسرائيل في الضفة وقطاع غزة وغور الأردن والحدود المصرية وعميلا في كل مكان ومنطقة من البحر إلى النهر فيما يتعلق تحديدا بإعمال التجسس والنشاط الأمني بما في ذلك داخل المدن الفلسطينية .

"المنسق هو حيوان بري يتنفس هواء الميدان ويعيش فيه حتى وان لم يكن متواجد فعليا في الميدان فهو يشغل العملاء والجواسيس كما يحدث حاليا في قطاع غزة فهو يعرف المنطقة بادق تفاصيلها مهما صغرت وصولا إلى أكثر التفاصيل حميمية " قال رئيس الشاباك السابق وعضو الكنيست الحالي "يعقوب بيري" الذي بدأ حياته "المهينة " داخل الشاباك كمنسق عمل في البداية في المنطقة الشمالية ومن ثم انتقل إلى شمال الضفة الغربية .

وأضاف "يقوم المنسق بمهمة معقدة جدا وأنا أطلق عليها اسم "فن المغازلة والتودد " لينجح في تجنيد مصادر معلومات بشرية وإجبارها على التعاون مع دولة إسرائيل وأفضل مصادر المعلومات التي جندها الشاباك لم توافق بالضرورة على العمل لصالحه بسبب إغراءات مالية أو لحصول على تصاريح لتلقي العلاج في إسرائيل أو بسبب الاستغلال أو ممارسة الضغوط بل بسبب " سحر وجاذبية" المنسق وهناك عملاء أقاموا علاقات صداقة قوية مع مشغلهم وحافظوا عليها حتى يومنا هذا ".

يقوم الشاباك ويستند أساسا على الأكتاف العريضة "للمنسقين" المنشغلين طيلة وقتهم في تجنيد العملاء وتشغيلهم ورسم الصورة الاستخبارية الكاملة المكونة من عدد كبير من المعلومات وأجزاء المعلومات وتعتمد الكثير من حالات إحباط العمليات الفلسطينية على حسن تقديرهم وفهمهم لكن "منسق" الشاباك ليس وحيدا في مهمة جمع المعلومات بل يعمل إلى جانبه مقاتلو " القوة التنفيذية " ورجال الاستخبارات الالكترونية المدربون على استخلاص المعلومات الهامة والحيوية من المكالمات الهاتفية والرسائل النصية، والكاميرات ومحادثات "التشات" والبريد الالكتروني كما يوجد في قيادة الشاباك مسئولي الأقسام الذين " يركزون" المعلومات ويساعدون على بناء "البازل" ألاستخباري.

دورات المخابرات :
تعتبر دورة إعداد وتدريب "منسق" الشاباك من أهم الدورات التي يقيمها الجهاز وتعقد هذه الدورة مرة في العام ويتنافس على الحصول على مقعد من مقاعدها المحدودة ألاف الشبان لكن القليل منهم يجتازون مسار التأهيل المرهق .

ويقع غالبية المرشحين لهذه الدورات في الفئة العمرية التي تتراوح ما بين 25-35 عاما ويحملون درجة البكالوريوس وبعضهم يخرجون للدراسة اثناء عملية تأهيلهم .

وحاول قدامى المنسقين وضع القواسم المشتركة لهذه الوظيفة التي خرج منها معظم رؤساء الجهاز وتوصلوا الى عدة قاسم او صفات مشتركة الواجب توفرها في المنسق منها " التواضع ، ان يتمتع بشخصية حساسة ومرهفة الحس ، صاحب قيم ، قادر على العمل تحت الضغط النفسي الشديد ، العمل تحت الضغط ، ان يكون شكاكا وصاحب قدرة على التحليل السريع ".
تبدأ المرحلة الأولى من عملية التأهيل داخل "المعهد " وهو عبارة عن مدرسة لغات تابعة للشاباك اقيمت قبل 45 عاما وهناك لا يتعلمون العربية فقط بل لغات أخرى يتم إضافتها وفقا لتغيير مصادر وأنواع التهديدات التي تواجهها إسرائيل ففي الماضي البعيد كان " المنسقين" من اليهود من مواليد الدول العربية لكن هذه الأيام هناك من لم يتعلم العربية في المنزل لكن مع نهاية 42 يوما تعليميا يتعلمون اللغة العربية بمستوى عال جد بما يمكنهم من إدارة حوار في مختلف المواضيع والجوانب سواء كان مع رجل أعمال دولي أو مع مزارع بسيط .

ويتبادل المنسقون أثناء الدورة فيما بينهم رسائل الالكترونية مكتوبة باللغة العربية ويتعلمون تلاوة آيات وأجزاء من القرآن يتلونها عن ظهر قلب ويعرفون جيدا الثقافة العربية والقادة أيضا وخلال الدورة يفتح عالما جديدا أمام المتدرب الذي سيكتشف الجوانب الجميلة من الإسلام وما هو مكتوب بالضبط على يافطات الطرق في شارع ايلون مثلا وما بينهما ".

وهذه قصة تبين مدى أهمية تعليم الثقافة خلال دورات المخابرات " التقى وزير الجيش الإسرائيلي شاؤول موفاز مع محمد دحلان لتنسيق عملية نقل الصلاحيات الأمنية للجانب الفلسطينية بعد عملية الانفصال عن غزة وقال رجل مخابرات اسرائيلي عمل كمترجم أثناء اللقاء " في مرحلة معينة سأل موفاز محمد دحلان هل سيكون مؤهلا ومستعدا لتنفيذ هذه المهمة فرد الدحلان بالإيجاب لكن " المترجم " قال للوزير موفاز بان دحلان قال بأنه غير مستعد وغير مؤهل وهنا تدخل مستشار موفاز وقطع المحادثة بغضب وقال لموفاز بان رجل المخابرات حرف الحديث وهنا نظر موفاز بغضب نحو مترجم الشاباك الذي قال بانه يترجم أيضا مغزى الحديث وليس فقط معاني الكلمات وحسب رأيه فان الدحلان ولدواع تتعلق بالكبرياء لن يقول أبدا بأنه غير مؤهل وغير مستعد واستمرت المحادثة بعد ان هدأت الأجواء وفي نهاية اللقاء طلب رجل الشاباك من موفاز أن ينظر إليه فأسقط بشكل متعمد قلما كان يحمله فقام دحلان بالتقاط القلم وإعادته لرجل المخابرات الذي قال للوزير ، هل ترى يا سيدي الوزير؟ هكذا فقط يتصرف شخصا ولد في مخيم للاجئين ولو كان شخصا عاديا لتجاهل القلم وواصل الحديث يا سيدي لم أترجم لك فقط الكلمات بل ترجمت الثقافة أيضا وهنا ابتسم موفاز .

ويقام في نهاية مرحلة "المعهد" حفلا مثيرا بحضور رئيس الجهاز ونائبه وكبار المدراء فيه وأبناء عائلاتهم وهذا الحفل يعتبر خطوة جوهرية في العملية التدريبية التي يخضع لها " المنسقون " استعدادا للانتقال للمرحلة القادمة التي تستمر 10 اشهر في مدرسة المخابرات التابعة للشاباك حيث يتم تقسيم المشاركين في الدورة الى قطاعات مختلفة ويتلقى كل واحد منهم " معلم" خاصا يساعده في عملية تأهيله الميداني ويحصل كل " منسق" على" لقب" يستعمله خلال حديثه مع الجواسيس ويستعمله حتى داخل الشاباك نفسه وهناك من يحملون اللقب إلى منازلهم أيضا.

وأثناء العمل سيعلم مشغل الجواسيس بأنه مطالب باظهار الاحترام للإسلام وثقافة العدو وسيعلمه "المعلم" كيف يكون شخصا حساسا ومتيقظا لكل تفصيل من تفاصيل شخصية الشخص الذي يقابله ويعمل معه ويشغله " الجاسوس" مهما كان صغيرا وعليه أن يتعلم بان السيدة التي تسير أمامه في الشارع مرتدية الحجاب ليس بالضرورة أن تكون امرأة وان يجب ان يكون شكاكا وخلاقا طيلة الوقت وان حرب استقطاب العملاء وتشغليهم لصالحة حربا طويلة ومتواصلة ومستمرة وتحتاج إلى مواظبة وخلافا لما هو شائع يتعلم " المنسق" أن لا يكون عنيفا اتجاه العميل والجاسوس وان كل شيء قائم على العلاقة والاتصال الشخصي.

ويسأل المتدرب خلال عملية التأهيل الكثير من الأسئلة المعقدة مثل هل نتعلق بالعميل " نرتبط بهم ونحافظ على مسافة معينة بيننا حتى لا ينسى العميل من هو السيد ؟ هل مسموح أن نخاطر بحياة الجاسوس ونعرضها للخطر؟ إلى أي درجة يمكن ممارسة الضغط على الجاسوس لإحضار معلومات من شانها ان تنقذ حياة الناس؟ فيرد " المنسق" القديم صاحب الخبرة بالقول بانه عالم مليء بما هو غير مألوف وبالكثير من الفضول لكن السذاجة غير واردة بالحسبان لان العميل يعيش تحت تهديد وخطر مستمرين وسريعا جدا سيفهم بأنه يصارع عالم الظلام لذلك من المهم أن نتصرف معه بحساسية وكذلك يتعلم " المنسق" التعامل بحساسية مع المطلوب الذي سلم نفسه ولم يقاوم أن يتيح له على سبيل المثال أن يودع ويحتضن والديه لأنه لن يعود لهم في السنوات القادمة.

رافق عدد من " منسقي" الشاباك خلال عملية " الجرف الصامد " قوات لواء " الناحال" اثناء احتلالها منطقة شمال قطاع غزة وشعر ضباط " الناحال" بالدهشة من حجم معرفة " المنسقين" للمنطقة رغم ان قدمه لم تدوسها سابقا واندهشوا من سيطرتهم وتحكمهم بالأمر وان احدا منهم لم يكن يوما في بيت حانون.
وأضاف بيري " تسبب خروج إسرائيل من غزة في تحول دراماتيكي في طبيعة عمل ووظيفة منسق الشاباك وهذا لم يمنعهم من تحقيق الانجازات " آنت ملزم بمعرفة دقيقة وعميقة للمنطقة لمسئول عنها يجب ان تكون بروفيسور في منطقتك يجب ان تعرف السكان وكيف يعيشون من الناحية الاجتماعية- الاقتصادية وما هو وضعهم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي جيب ان تعرف العشائر والحمائل والمنظمات صاحبة التأثير والشوارع وكل التفاصيل التي تساعد المنسق في السيطرة والتحكم بالمنطقة يبدو أن هذا الأمر مثير لكنه أيضا مرهق "

وظيفة " المنسق" لم تتغير من حيث الهدف منها منذ ان كان "بيري" على رأس الجهاز ومن بعد افي ديختر ويوفال دسكين وحتى يومنا هذا ورئاسة " يورام كوهن " للشاباك بقيت الوظيفة ذاتها لكن حجم وضغط العمل زاد اشتد وكذلك تعقيد التهديدات في الماضي كان في كل قرية فلسطينية جهاز هاتف واحد مثلا وفقط لمختار وابناء عائلته سمح لهم باستخدام هذا الهاتف اما اليوم كل مواطن يحمل هاتف خلوي كذلك الحيز الجغرافي في الماضي كان محددا بشكل واضح لكن اليوم اصبح هذا الحيز عالميا وعابر للقارات واذا كان التهديد في الماضي عبارة عن حجارة وزجاجات حارقة وبنادق اليوم توسعت دائرة التهديدات الواقعة ضمن صلاحية الشاباك لتشمل الأنفاق والصواريخ ونشاطات بحرية متشعبة لذلك هناك " منسق " شاباك مهمته ووظيفته غير محددة جغرافيا بل يمكن تقسمها حسب موضوع الاختصاص " مجال الانفاق ، او متابعة المنظمات المختلفة " وهكذا .
أجبرت التهديدات الواسعة والمتنوعة " منسق " الشاباك على الإبداع وان يكون صاحب خيال خصب وخلاق تمكنه من تجنيد رجل أعمال عاقل وبالغ خلال محادثة واحدة فقط وان يتحدث معه عن الضرائب والجمارك والتامين والاستيراد والتصدير وصعوبات نقل البضائع وبعدها يجد نفسه في محادثة مع منتج صواريخ يصف أمامه الصاروخ وما قطره وطوله لذلك فان "منسق" الشاباك مطالب بان يكون على دراية بسلسلة طويلة ومتنوعة من المواضيع منها الاقتصادية والتكنولوجية ان يعرف ايضا من فاز بالمرتبة الثانية والثالثة مثلا في برنامج " ارب ايدول " كما يجب عليه ان يحدد نوع الصاروخ الذي وصفه له العميل وبسرعة كبيرة وان يفهم بان الأمر يتعلق بصاروخ جديد لم نشهده في الميدان سابقا وعلى " المنسق" أن يتسلل إلى أعماق عقل " الإرهابي" وان يعرف متى يقول الحقيقة ومتى يكذب حسب تعبير قائد الشاباك السابق .

وتعتبر مهمة الشاباك و " المنسقين " أكثر صعوبة في غزة لان " المنسق" لم يسبق له ان دخل غزة وداس أرضها وهناك مقولة سائدة بين رجال الشاباك تقول " بان سكان غزة يبيعون المعلومات أسهل وأكثر مما يفعله سكان الضفة الذين يتمتعون بوضع اقتصادي أفضل بكثير " .

التوتر هو سيد الموقف رغم الاختلاف من منطقة إلى أخرى والفرق الجغرافي والثقافي بين المناطق المختلفة ينشغل " منسقو" الشاباك طيلة الوقت في إغراء وتجنيد العملاء ونقلهم للعمل من جانب على أمل أن لا يشعر الجاسوس بالندم فيما بعد .

يعمل " المنسقون" من خلف الكواليس ولا ينالون المديح أو الثناء كما يحدث في الجيش مثلا ومع ذلك يدعي رئيس الشاباك السابق " بيري" بان شعورا عاما بالرضا يسود صفوفهم نتيجة حرب الأشباح وحرب الأدمغة التي يخوضوها كل " منسق" في منطقة مسؤوليته .

ورغم هذه الصورة يجب على الشاباك أن يواجه الفشل والإخفاقات أيضا التي تعبر عن نفسها بعدة طرق بافتضاح أمر الجاسوس ، نجاح عملية مسلحة او عملية تستهدف حياة احد المنسقين " .
تتجه أنظار وأذان " المنسقين" فور ورود الأنباء الأولية عن أية عملية "تفجيرية " أو غيرها على شخص المنفذ لمعرفة من أين جاء؟ والى أية بنية تحتية ينتمي طريقة وصوله إلى مكان العملية حيث تدور حول هذه النقطة الكثير من الأسئلة وهنا لا يوجد أي " منسق" يرغب او يريد ان يكون المنفذ من منطقة اختصاصه حتى وان كان الحديث عن منفذ " فردي" قام من نومه وقرر ان يقتل يهود حسب تعبير الشاباك .

وصف "بيري" موت كل عميل أو جاسوس بفشل يسجل للمنسق وقال" كل خلل يؤدي الى كشف المصدر ويمكن أن يؤدي أيضا إلى تصفية المصدر واذا تم شنق الجاسوس في وسط القرية فهذا فشل لكل منسق هذه هي مسؤوليتك المباشرة والمنسق يكون جاهزا لتحمل المسؤولية كما تربى داخل الجهاز ويجب أن نعرف بأنه لا يوجد شيء كامل ولا يوجد ما هو 100% ".

وأخيرا يستعرض "بيري" عدد من المخاطر التي يتعرض لها " منسق " الشابك حيث لا تقتصر هذه المخاطر على اللقاءات الشخصية التي يجريها " المنسق " مع الجاسوس بل تمتد إلى مشاركة المنسقين الجيش في الأعمال الميدانية مثل حملات الاعتقال ويستذكر محاولة " جاسوس خائن " اغتياله عام 1968 ورغم أن هذه الإحداث غير مألوفة لكن سريعا تتعلم منها كيف تتعامل مع احداث معقدة .

هناك خطر ان يغدر " الجاسوس " بمشغله المنسق" وهذا الخطر يرافق رجال الشاباك دائما فقد قتل عام 1980 " منسق" الشاباك المدعو " موشه غولان " على يد عميل كان يشغله وبعد عدة أيام قتل " العميل" في تبادل لإطلاق النار مع عناصر الشاباك والجيش ولم يتم نشر التفاصيل الدقيقة لهذه الحادثة حتى اليوم ، في عام 1984 قتل " منسق" الشاباك زئيف غفع" في عملية داخل لبنان ، 1993 قتل منسق الشاباك " حاييم نحماني، 1994 قتل منسق الشاباك نوعم كوهن ، 2005 اقدم فلسطيني على تفجير نفسه في مشغله " منسق الشاباك " عوديد شارون " وجميع هذه الأحداث تحفظ الشاباك عن نشر تفاصيلها حتى ألان .

تحدث " منسقو" الشاباك السابقون عن تناقض في القيم المتعلقة بحياة الإنسان حيث يحملون قيما متناقضة بحياة الإسرائيليين وأخرى متناقضة تتعلق بحياة العملاء والجواسيس الذي يشغلونهم حيث يتحدثون عن معضلات قيمية وضميرية معقدة .

وأخيرا ، من هو هذا الجهاز ؟ مهامه الرسمية ؟ تكوينه وأقسامه ؟ أسئلة سنحاول الإجابة عليها في هذه العجالة لتعميم الفائدة وتعريف الفلسطيني خصوصا والعربي عموما بالجهاز الذي شكل ولا زال كابوسا يوميا يحدد مسار وإيقاع الحياة الفلسطينية بتفاصيلها ودقائقها بشكل مباشر أو غير مباشر وتحول خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية على اقل تقدير إلى جهاز لإصدار أحكام الإعدام الميداني عبر تأسيسية لما يعر بسياسية "التصفية المحددة " وهو التعبير الإسرائيلي عن سياسية الاغتيالات التي حصدت حياة المئات من الشبان الفلسطينيين في عمليات إعدام ميداني نفذتها فرق موت خاصة مثل "دوفدوفان " وغيرها من فرق المستعربين وذلك بعد ان يحدد لها الشاباك هوية الشخص المراد اغتياله وشكل عملاء هذا الجهاز الدليل الذي يقود مجموعات الموت نحو هدفها داخل المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية.

يدعى هذا الجهاز رسميا باسم " جهاز الأمن الداخلي " ويعرف اختصارا بـ" الشاباك " وهي توليفة من الأحرف الافتتاحية باللغة العبرية التي يتكون منها اسمه الرسمي وهناك من يدعوه باسم " الشين بيت " .

ويعتبر جهاز الشاباك جزءا هاما من المنظومة الأمنية الإسرائيلية ويتبع مباشرة لسلطة وأوامر رئيس الوزراء الإسرائيلي وحددت مهامه الرسمية تحت عنوان واسع يقول" حماية الدولة من المؤامرات والتآمر الداخلي وحماية أمنها الداخلي ".

ويفصل التكليف الرسمي مهام " الشاباك " تحت عناوين فرعية تؤكد ما ذهب إليه العنوان الرئيسي وهي على هذا النحو :

إحباط عمليات ونشاطات التجسس والإيقاع بالجواسيس العاملين في إسرائيل

حماية شخصية : الحفاظ على الأمن الشخصي لقادة إسرائيل

إحباط "الإرهاب " الداخلي : التحقيق واكتشاف الخلايا "الإرهابية " في إسرائيل والمناطق

المراقبة والحماية : مراقبة الإجراءات الأمنية المتعلقة بالمنشات الإستراتيجية في الدولة مثل طائرات الركاب والمطارات والسفارات الإسرائيلية في الخارج وحماية المعلومات الأمنية والسياسية.

الموافقة الأمنية : منح الموظفين العموميين والعاملين في القطاع العام التصنيف الأمني استنادا لقرارات الحكومة المتعلقة بكل وظيفة وشخصية .

ويتكون جهاز الشاباك من عدة مناطق وعدة أقسام لكل منها وظيفة محددة:

منطقة القدس ويهودا والسامرة : وهي اكبر منطقة في جهاز الشاباك ومتخصصة بإحباط العمليات الفلسطينية المنطلقة من المناطق المذكورة
المنطقة الشمالية : وهي مسئولة عن مكافحة العمليات السرية والتنظيمات السرية المعادية في المنطقة وتسلم الشاباك مسؤولية منطقة لبنان بالتعاون مع جهات استخبارية أخرى خلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982

المنطقة الجنوبية : وهي ثان اكبر منطقة في الشاباك وتقع قيادتها في مدينة عسقلان ومسئولة ضمن أشياء كثيرة عن إحباط العمليات الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة .

ويضم جهاز الشاباك عدة أقسام متخصصة هي :

القسم العربي: وهو اكبر أقسام الشاباك وهو مسئول عن اكتشاف خلايا ومنظمات معادية داخل المجتمع العربي في إسرائيل

قسم مكافحة التجسس ومنع الاختراقات : ويعرف أيضا باسم القسم اليهودي أو القسم غير العربي وتراجع حجم هذا القسم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي كونه متخصصا بمكافحة التجسس اليهودي عموما وخلال الحرب الباردة خصوصا .

قسم الحماية: ويضم الوحدة الرسمية لحماية الشخصيات والوفود والمسئولة عن حماية الشخصيات والمطارات وطائرات الركاب والسفارات الإسرائيلية .

قسم التحقيقات : مسئول عن التحقيق مع المعتقلين داخل أقبية التحقيق الخاصة بالجهاز

القسم التكنولوجي : مسئول عن تطوير وسائل تكنولوجية لمكافحة " الإرهاب" وجمع المعلومات.

الهيئة الحكومية لحماية المعلومات : والمعروفة اختصارا ابسم " رام " وأقيمت بناء على قرار حكومي صدر عام 2002 وترتبط مباشرة بجهاز الشاباك وتمتلك صلاحية توجيه الأوامر والتعليمات لهيئات وجهات تمتلك منظومات معلوماتية حساسة مثل مكتب رئيس الحكومة ، وزارة المالية ، وزارة الداخلية ، بنك إسرائيل ،
شركة الكهرباء القطرية ، شركة بيزك للاتصالات ، نجمة داود الحمراء ، شركة مكوروت للمياه ، البنية التحتية المتعلقة بالنفط والطاقة .

وأخيرا بعيد عن السرد الأكاديمي لتشكيلة ومهام الشاباك اتبع هذا الجهاز وسائل غاية في القسوة خلال التحقيقات بهدف جمع المعلومات جرى وفي العديد من الحالات رفضها حتى من قبل المحكمة الإسرائيلية العليا مثل أساليب تعذيب الفلسطينيين وخاصة أسلوب الهز إلي رفض من قبل المحكمة ورغم ذلك وبناء على الكثير من التقارير الحقوقية لا زال يستخدم هذا الأسلوب الخطير حتى اليوم.

وسبق لمحققين في الشاباك أن اقروا عام 2008 لصحيفة " يديعوت احرونوت " بان الشاباك يستخدم خلال التحقيق مع الفلسطينيين أساليب عدة منها الضرب المباشر وتغطية رؤوس المعتقلين وتقيدهم بطريقة مؤلمة وقاسية وعزلهم وإجبارهم على الوقوف لفترات طويلة ومنعهم من النوم لفترات طويلة .

ويلجأ الشاباك أيضا لاستخدام العملاء في جمع المعلومات إضافة لأساليب تكنولوجية تمكنه من التصنت كما حدث في قضية عضو الكنيست العربي عزمي بشارة حيث شكل التصنت الدليل الأقوى أن لم يكن الوحيد ضد بشارة .

هذا تعريف مختصر جدا بهذا الجهاز الذي يعتبر الأداة الرئيسية والأساسية لقمع الفلسطينيين والحركات الفلسطينية المطالبة بالاستقلال والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية ويشكل هذا الجهاز العين والإذن لقوت الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتشكل مقراته ودهاليز التحقيق التابعة لها عنوان لتعذيب الفلسطينيين وهدر كرامتهم الإنسانية بحجج مكافحة " الإرهاب" وحماية الإسرائيليين .

إعداد ومتابعة : فؤاد اللحام