الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

فلسطين والإخوان بين السعودية وحماس

نشر بتاريخ: 28/07/2015 ( آخر تحديث: 28/07/2015 الساعة: 10:50 )

الكاتب: د. وليد القططي

ما بين زيارة الإمام حسن البنا – مؤسس جماعة الإخوان المسلمين - للسعودية عام 1936 للمرة الأولى واستقبال الملك السعودي عبدالعزيز آل سعود المؤسس للمملكة العربية السعودية الثالثة له , وبين زيارة السيد خالد مشعل – رئيس المكتب السياسي لحماس المنتمية للإخوان المسلمين – للمملكة واستقبال الملك سلمان بن عبدالعزيز له تاريخ طويل من الصعود والهبوط تخلله فترات من الهدوء والتوتر في العلاقات الثنائية بين الطرفين – السعودية والإخوان – ولمعرفة الأسباب التي تقف وراء هذا الصعود والهبوط لا بد من استعراض مختصر لتاريخ هذه العلاقات في محاولة لمعرفة هذه الأسباب من خلال هذا التاريخ .

عندما تأسست الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1902 وإعلان قيام المملكة عام 1932 , اعتمد على الشرعية الإسلامية في إقامة وتثبيت دولته , وهذه الشرعية مستندة على دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي أحيا التيار السلفي في الجزيزة العربية الذي يركّز على الفهم الصحيح لعقيدة التوحيد ومن ثم تطبيق الشريعة الإسلامية في الدولة والمجتمع , إلّا أن هذه الدعوة احتكرت لنفسها فهم وتمثيل الإسلام في الدائرة السنية . وعندما زار الإمام حسن البنا المملكة العربية السعودية للمرة الأخيرة عام 1948 , والتقى مرة أخرى بالملك عبدالعزيز وطلب منه تأسيس فروع للإخوان المسلمين في المملكة رفض الملك طلبه وقال له " كلنا إخوان وكلنا مسلمون " , فلم يرى الملك حاجة لإقامة فروع للإخوان المسلمين في المملكة التي قامت على أساس الإسلام وترى في نفسها ممثلة الإسلام , إدراكاً بأن النموذج الإسلامي الذي يريده الإخوان المسلمين يختلف عن نموذجه وينافسه على نفس الدائرة , في العالم الإسلامي السني .

وفي الخمسينات من القرن العشرين فتحت المملكة أبوابها للإخوان المسلمين الهاربين من بطش الناصرية في مصر وتخللتها زيارة المرشد الثاني للإخوان المسلمين ( حسن الهضيبي ) الذي حظى بتكريم كبير من الملك سعود بن عبدالعزيز , إلا أن هذه العلاقة شابها بعض التوتر في بداية حرب اليمن عام 1962 بسبب تأييد الإخوان المسلمين للثورة على الملك يحيى بن حميد الدين حليف السعودية ولكنها سرعان ما تحسّنت مرة أخرى في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز بين عامي 1964 – 1975 على خلفية التوتر بين المملكة والنظام الناصري في مصر فاستقبلت السعودية الآف الإخوان الهاربين من حملة البطش الثانية على الإخوان المسلمين , إلا أنها عادت وتوتّرت مرة أخرى في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز على خلفية حرب الخليج الثانية عام 1990 الذين عارضوا الحرب والاستعانة بالحلفاء الأجانب .

وبعد اندلاع ثورات ( الربيع العربي ) وصلت العلاقات إلى أعلى مستويات التوتر خاصة بعد أن فاز الدكتور محمد مرسي بالرئاسة في مصر فأصبح للإخوان المسلمين دولة يُمكن أن يُقدّموا من خلالها نموذجهم الإسلامي الخاص المختلف عن النموذج السعودي للإسلام , ولذلك كانت السعودية أول من أيد الثورة المضادة في مصر التي أدت في نهاية المطاف إلى إسقاط الرئيس محمد مرسي وزجه في غيابة السجن وإنهاء النموذج الذي كان الإخوان المسلمين على وشك تقديمه للأمة ولكن ما يُعرف بالدولة العميقة والجيش المصري لم يمكناهم من ذلك , وقد توّجت المملكة العداء للإخوان المسلمين بإعلانها أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وتجريم من ينتمي إليها بتاريخ 7 مارس 2014 , وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد إحداهما ما ذكرناه من عدائها للإخوان المسلمين بشكل عام والثاني هو ضرب حركة الإصلاح الديني في المملكة التي ينادي بها علماء دين سعوديين متأثرين بمدرسة الاخوان المسلمين الذين يدعون لإصلاح نظام الحكم وتقييد سلطة العائلة المالكة ومشاركة شعبية في الحكم والتوّجه تحو الديمقراطية , فتصبح ملاحقتهم بعد هذا القرار أسهل من الناحية القانونية لإخماد حركة الإصلاح والقضاء عليها .

ولقد تأثرت حركة المقاومة الإسلامية حماس بهذا التوتر وانعكس عليها سلبياً باعتبارها جزء لا يتجزأ من الإخوان المسلمين , إلا أن هذا التوتر ظل في حدود معينة كونها حركة تقاوم الاحتلال في فلسطين وتحمل لواء الجهاد على أرض الرباط , مما جعل لها وضعاً خاصاً يختلف عن الحركة الأم التي تناصبها معظم الأنظمة العربية العداء , ولقد بدأت سياسة المملكة تشهد بعض التغيير بعد اعتلاء الملك سلمان الحكم باتجاه التقارب مع الإخوان المسلمين وحركة حماس أملاً منه في إيجاد حلف إسلامي ( سني ) واحد مقابل الحلف الإيراني ( الشيعي ) حسب التصنيف المذهبي الذي أفرزته الفوضى غير الخلاّقة بعد الثورات التي عُرفت زوراً وبهتاناً بثورات الربيع العربي . وفي هذا الإطار تأتي زيارة السيد خالد مشعل الأخيرة للملكة في محاولة لإبعادها عن الحلف الإيراني المعروف بمحور المقاومة وتقريبها من الحلف السعودي المعروف بمحور الاعتدال .

وختاماً فبالرغم من أن تعزيز علاقاتنا بمحيطنا العربي والاسلامي أمر إيجابي ومفيد بشكل عام فإن من الأفضل لنا كفلسطينيين وخاصة كحركات فلسطينية – إسلامية ووطنية – تحمل على كاهلها القضة الفلسطينية , وتقوم بواجبها النضالي في مقاومة الاحتلال أن نبني تحالفاتنا السياسية مع العرب والمسلمين وأحرار العالم على أساس معايير ترتبط بمدى اقترابها من فلسطين ودعمها للقضية الفلسطينية ومساندتها للمقاومة وجهاد الشعب الفلسطيني . وليس على أساس صراع المحاور الإقليمية ومصالح الدول التي تقود هذه المحاور , خاصة تلك التي تقيم حساباتها بعيداً عن فلسطين والقضية الفلسطينية وترتبط بتحالفات دولية معادية للقضية الفلسطينية .