الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

" الكلب من لا يعرف ان للكلب 365 اسما "

نشر بتاريخ: 05/08/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:01 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

صورة الصديق فضل الخالدي وهو يودّع ولده  الشهيد ليث في مخيم الجلزون شمال رام الله جرحت أفئدة المشيعين والصحفيين ، وهي تلخيص مكثف عن تسليم الاباء في الضفة الغربية الراية لاولادهم من بعدهم  ، ومثله الشهيد علاونة في جنين وابو لطيفة في قلنديا وابو ماريا في بيت امر وجيش من الشهداء والجرحى . فكيف لنا ان نفهم الضفة الغربية وصمودها ونضالاتها المعقدة تحت الاحتلال .
ولان  التاريخ العربي عامة والفلسطيني خاصة ، ملئ بردات الفعل المباشرة .  والتخطيط مجرد فانتازيا اختيارية ، وقلّما يحتل المنطق العلمي قيمة محترمة في الحزب الحاكم ، ولا عند المعارضة العربية التي تبدو غرائزية اكثر من الحزب الحاكم نفسه . فالغرائز عند الشعوب المستعبدة أقوى من البرامج ، والانطباع الاول اهم من مضمون الشخصية ، والكلام - أي كلام - اذا كان على القافية والوزن فهو محمود مقبول ، والافكار اذا كانت أرقام وفرضيات فهي مملة ولا تستحق تعب القراءة . والمهم ان يعجبنا الكلام فنقبله ، تماما كما كان الشاعر يلقي ابياتا من الشعر في حضرة الحاكم ، وفي غالبه  شعر نفاق وعبودية ، فتنفرج اسارير الحاكم بهجة ويقول : يا حاجب املأ فمه ذهبا . وتغني الجواري المياسات وتدق الطبول حتى الفجر .
اما اذا دخل عالم وقال كلاما جادا صارما ، فسينال عقابه من السخرية والطرد ، تماما كما طرد الخليفة القاضي الفاضل ، ابو العلاء المعري من مجلسه وقال له امام الحضور : اخرج يا كلب . ويقال ان "  ابو  العلاء "  انسحب  يجرّ رجلاه الى الباب وهو يتمتم ( ان الكلب من لا يعرف ان للكلب 365 اسما ) .
لا تزال الغرائز تحكمنا ، ولا تزال فورة الدم هي الدافع الاساسي في سلوكنا الحزبي والسياسي ، ولا تزال الانتصارات الوهمية الصغيرة والسخيفة هي التي تغرينا ، تحكم شخصيتنا في الحب والزواج والكره والطلاق والصداقة والتوظيف والمال والقتل والصلح والزراعة والعمل والوظيفة والجاه .  ولا يزال " الشباب "مفهوم ذكري فحولي قيمته في الغزو من اجل كسر انف الخصم وليس من اجل البناء والتعمير ، وحتى برامجنا التلفزيونية مبنية على " افحام " الطرف الاخر وايقاع أكبر الخسائر النفسية به بدلا من محاولة استمالته وتغييره او استيعابه وقبول اختلافه . وبدلا من انجاز شئ ما للصالح العام ، اسسنا جيل ( الاتجاه المعاكس ) بدلا من جيل ( التكافل الوطني ) . ولا يزال هناك من يحمل لقب د ولا يفعل طوال حياته سوى الجلوس على الفيس بوك وشتم الشهداء والمناضلين ، وألأغرب ان هناك من يتبناه ويركبه ويستخدمه كأجير بوظيفة " قوّاد فيسبوكي " .

الواتس اب واليوتيوب والفيس بوك وتويتر وسناب تشات ، وفي غالبية استخدامنا لها كأدوات صار ينحصر في قضيتين : المتعة الجنسية المحمومة والايحاء . او ايقاع الاذى بالاخرين وبأي شكل ولاي سبب . وبدلا من ان يكون الفيس بوك اداة تواصل صارت صفحاته اداة تلصّص ، وهكذا .
ان ما حدث في الاسبوع الماضي من تراشق اعلامي داخلي فلسطيني شئ معيب ويدلّ على ان الانقسام صار له مفهوم المؤسسة وليس مجرد حالة شاذة . و كانت دماء الطفل علي دوابشة لم تجف بعد . وكان العالم كلّه يقدم العزاء للضفة . وفجأة بدأت حملة تشكيك داخلي بين حماس ومنظمة التحرير فاقت كل تصور ، ووصل الفيروس الى كتّاب المقالات ورسامي الكاريكاتير والمنظرين والخطباء واتهام الاخر بالعمالة والخيانة وكل انواع الاهانات التي يمكن او لا يمكن تخيّلها . ونسوا ان هناك طفل أحرقه الارهاب اليهودي الذي سيحرق حماس قبل فتح واليسار قبل التكنوقراط .

ان مواصلة التعامل مع الانقسام على انه ملف بيد د.موسى ابو مرزوق وبيد الاخ عزام الاحمد سيجعل من المستحيل تجاوزه ، واذا لم يجد عزام الاحمد وابو مرزوق خلفهما ، جيشا من الكتاب والصحافيين والرسامين والمحامين والمراة المبدعة والام ووالدة الاسير والمعلم وسائق السيارة والبائع فاننا نتجه نحو الانفصال دون ان ندري اننا اقتربنا منه .
ان الوضع الراهن يوفر لمن يريد من العوام غريزة الانتقام من الاخر وايقاع الاذى النفسي به واهانته وتحقيره وتشويه سمعته ... وهو ما سيخلق ردة فعل تسمّى في علم النفس " الانسحاب " .
والانسحاب هو ردة فعل سلبية على واقع سلبي . حين لا ينفع الندم .