الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تقسيم المسجد الأقصى بين جاهزية الخطط والبدء بالتنفيذ

نشر بتاريخ: 01/09/2015 ( آخر تحديث: 01/09/2015 الساعة: 16:13 )

الكاتب: محمد خضر قرش

التوطئة
الأطماع والمشاريع الإسرائيلية في الأقصى والقدس تحديدا قديمة العهد وليست جديدة ،لكنها تكتسب أهميتها في هذه المرحلة بالذات لكونها بدأت تأخذ طريقها إلى حيز التطبيق وخاصة بعد وضع مشروع الفوضى الخلاقة في الوطن العربي موضع التنفيذ الفعلي الذي خطط له في أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي. وقد أدى عمليا كما نشاهد ونرى إلى تدمير وتخريب وتقسيم والهاء الدول العربية المحيطة بإسرائيل بالدرجة الأولى( العراق وسوريا ولبنان وكل الخشية أن تنتقل إلى مصر والأردن) بالإضافة إلى دول عربية أخرى ذات وزن وتأثير مباشر على مجمل الصراع كالسعودية، بعد أن تم تقسيم السودان إلى دولتين وجاري العمل على إنشاء دولة ثالثة في دارفور ودولتين في اليمن. فالظروف المحيطة والوضع الإقليمي والدولي المعقد والمشغول في حروب داخلية عدة وما سينجم عنها من إعادة ترتيب لمراكز القوى السياسية والاقتصادية الدولية والتي من شأنها إحداث حالة من الفراغ والضعف في بنية النظام العربي ،مما يتيح لإسرائيل هامش واسع من المناورة والعمل على تثبيت حقائق جديدة على الأرض بأقل ردود فعل ممكنة عربيا وإقليميا ودوليا.فالدول العربية كلها مشغولة بترتيب أوضاعها الداخلية وحماية أمنها الداخلي، كنتاج للفوضى الخلاقة والتي إذا لم يتم تدارك خطورتها والتعامل معها بجدية،فسينجم عنها في ظل المعادلات الحالية والجارية،إلى تقسيم أو تشكيل كونفدراليات في الدولة العربية الواحدة بما فيها تلك المحاذية لإسرائيل(سوريا والعراق على سبيل المثال) لذا فليس غريبا والحالة هذه، أن تتسارع الخطوات الإسرائيلية نحو تغيير واقع المسجد الأقصى وتهويد القدس وفصل شمال الضفة عن جنوبها عمليا مع استمرار حصار قطاع غزة في ظل الانقسام الفلسطيني غير المبرر وصمت عربي ودولي عما يجري في فلسطين يكاد يكون كاملا. 

فالمخططون الإسرائيليون يعتقدون بأن الظروف المتاحة في الوقت الحالي ربما لن تتكرر مرة أخرى في المستقبل. لذا فهم على عجلة من أمرهم فيما يتعلق بتهويد القدس وتقسيم الأقصى وفرض شروطهم على التسوية النهائية في حال الوصول إليها.ومن هنا وحتى يتم ذلك فهي في عجلة من أمرها لفرض تقسيمات ووقائع على الأرض تتوافق والمخططات الجاري تنفيذها من قبلها، فهذا هو الوقت المناسب لترجمتها على أرض الواقع.ووفقا للعديد من المحللين الإسرائيليين، فالفرصة باتت سانحة أمام سلطات الاحتلال لتحدث التغييرات التي تراها مناسبة في القدس والمسجد الأقصى، أمام الانقسام الفلسطيني بالإضافة إلى ضعفهم وانشغال الدول العربية بأوضاعها الداخلية.وإعادة ترتيب دول الإقليم المجاورة وخاصة الإسلامية منها.

تجربة المسجد الإبراهيمي في الخليل :
في فجر يوم الجمعة 25 فبراير/شباط عام 1994 والمصادف 14 رمضان (قبل 20 عاما) قام الإرهابي باروخ غولدشتاين باقتحام الحرم الإبراهيمي وقتل ببندقيته 29 فلسطينيا وهم يؤدون صلاة الصبح وجرح نحو 150 مصليا قبل أن يتمكنوا من قتله.وقد تم على أثرها إغلاق المسجد أمام المصلين الفلسطينيين وتشكيل لجنة إسرائيلية منفردة دون التنسيق مع م.ت.ف أو الأردن لبحث الوضع برمته وتوصلت اللجنة إلى ضرورة التقسيم الزماني والمكاني أمام المصلين الفلسطينيين واليهود وذلك للمرة الأولى.وأمام عدم اعتراض أو رفض فلسطيني وعربي جدي وحقيقي لما خرجت به اللجنة، مما سهل نجاح الخطة الإسرائيلية في فرض الأمر الواقع. ومن حينها لم يعد المسجد الإبراهيمي خاصا بالفلسطينيين وحدهم، فالترتيبات والإجراءات الإسرائيلية بما فيها التقسيم الزماني والمكاني نجح بحجة عدم تكرار الجريمة والحفاظ على الأمن والاستقرار والذي ما زال قائما ومعمولا به حتى تاريخه.ولم يكلف هذا الإجراء إسرائيل سوى قتيل واحد والأهم أنه لم يترتب عليه أي إجراءات عربية أو إسلامية أو دولية ملزمة من مجلس الأمن الدولي لوقف ما تم اتخاذه ،مما أطلق يد إسرائيل في فعل ما تريد في المسجد الإبراهيمي وتحوله إلى مصلى مشترك لم يعد من الممكن التراجع عنه، حتى بعد تحقيق التسوية السياسية في المستقبل إذا تمت.لقد شكلت هذه السابقة والصمت العربي والفلسطيني الذي تبعها مثالا لما يمكن فعله في المسجد الأقصى لاحقا.

العوامل المساعدة التي سرعت الهجمة الإسرائيلية على المسجد الأقصى:
بدأ الهجوم المتسارع والمبرمج على القدس والأقصى بعد توقيع اتفاقية أوسلو مباشرة وعودة السلطة الوطنية إلى فلسطين.وكانت الحجة والغطاء الذي استندت إليه إسرائيل لتحركها هو موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على تأجيل بحث مستقبل المدينة المقدسة للمفاوضات النهائية،مما جعلها خارج أجندة وبرامج السلطة الوطنية واتصالاتها مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والمجتمع الدولي.وعليه فالتطبيق العملي كان بمحاصرة المدينة شمالا وجنوبا وشرقا بمجموعة من المستوطنات والتي تحولت إلى مدن وأحياء كبيرة مثل معاليه ادوميم وجبل ابوغنيم وشعفاط وتوسيع المستوطنات(وباللغة الإسرائيلية تسمينها) مثل بسكات زئيف وجفعات زئيف والنبي يعقوب وإقامة الحيً اليهودي في سلوان والشيخ جراح وشعفاط ورأس العامود والعيسوية. ومن الجدير ذكره أن نشير إلى أن 90% مما سبق ذكره لم يكن قائما قبل 1994.هذا ويصل عدد السكان في المدن والأحياء المشار إليها آنفا إلى نحو ثلث مليون نسمة من المستوطنين. لقد وضعت إسرائيل خطة تدريجية بدأت مع أحداث النفق عام1996،لكن شرارة التنفيذ الفعلي والميداني على الأرض افتتحها شارون حين اقتحم المسجد الأقصى في نهاية سبتمبر /أيلول 2000 والتي أشعلت الانتفاضة الثانية.ومنذ ذلك الوقت وكل السلطات والأجهزة الأمنية والبلدية والخدماتية الإسرائيلية تنسق فيما بينها وتعمل ليلا ونهارا لتسريع التهويد وتقسيم الأقصى بخطوات مدروسة ومنظمة أمام صمت عربي شبه مطبق واحتجاجات فلسطينية لم ترقً إلى درجة القدرة على تغيير المخطط أو على الأقل وقفه بانتظار البدء بمفاوضات الوضع النهائي للمدينة وفي القلب منها الأقصى.

وعلينا أن نشير هنا إلى مجموعة من العناصر والعوامل التي كان لها دورا كبيرا في تسريع خطوات تهويد القدس وتقسيم الأقصى.
1- الانتهاء من المخطط الإسرائيلي للسيطرة على المدينة وتقسيم الأقصى والذي يطلقون عليه أسم جبل الهيكل، والذي استكمل تخطيطا ولا ينقصه سوى المباشرة بالتنفيذ وكانت بانتظار الظروف أو اللحظة المواتية للبدء بذلك.
2- التسارع العربي الملموس وغير المبرر في عقد اتفاقيات السلام مع إسرائيل وإقامة العلاقات الاقتصادية والمشاريع المشتركة والتطبيع المجاني معها دون الانتظار حتى تسوية القضية الفلسطينية وانسحابها من الضفة الغربية والقطاع وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.فالعلاقات العربية الإسرائيلية شهدت تطورا في معظم المجالات الاقتصادية والأمنية وفتح المطارات والتبادل المنتظم للزيارات الرسمية والخاصة دون وضع الاشتراط بعدم قيامها بتصرفات أحادية الجانب تخص مدينة القدس والأقصى.فكان على الدول العربية أن تطالب إسرائيل بالالتزام بالاتفاقيات التي وقعتها مع منظمة التحرير كشرط لإقامة العلاقات معها وفتح الحدود وتبادل الزيارات بأنواعها.لقد طبَع العرب علاقاتهم مع إسرائيل مجانا، عدا دول قليلة جدا، تحت وقع مصادرة الأراضي وتهويد القدس وبناء المستوطنات وتوسيعها سواء داخلها أو في محيطها دون احتجاج أو اعتراض جدي من قبل الدول العربية المعنية. مما فتح شهية السلطات الإسرائيلية لمواصلة خططها المتعلقة بالقدس والأقصى بالذات بالإضافة على بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.
3- الثغرات الكبيرة في اتفاقية أوسلو من كل النواحي بما فيها تقسيم المناطق إلى أ، ب،ج مما كبل المفاوض الفلسطيني وجعله يناقش بالقضايا المطلبية اليومية مثل فك هذا الحاجز أو ذاك وتغيير موقعه وحجز الأموال والحصول على اقامات دائمة لهذا الفلسطيني أو ذاك وإعادة الانتشار من هذه القرية أو تلك وقضايا الأسرى وربط الاقتصاد الفلسطيني الصغير والضعيف بالاقتصاد الإسرائيلي . فمجرد موافقة م ت ف على تأجيل بحث أوضاع مدينة القدس إلى الحل النهائي حدَ من قدرتها على فتح هذا الموضوع في أي نقاشات.
4- خلو اتفاقية أوسلو من أي تدخل دولي أو اللجوء إلى التحكيم في حال فشل المفاوضات أو مماطلة الجانب الإسرائيلي أو التأخر في تنفيذ ما يتم التوصل إليه أو القيام بتصرفات أحادية الجانب وتغيير المعالم والحدود التي كانت قائمة عند توقيع اتفاقية أوسلو،مما جعل الجانب الفلسطيني رهينة للمواقف الإسرائيلية وللقرارات المنفردة التي تصدرها.
5- بالإضافة إلى ما تقدم، فقد فشل الفلسطينيون في التفاوض مع الجانب الإسرائيلي ولم يستطيعوا مواجهة مخططاته في كل المجالات بما فيها القدس والأقصى.
6- عدم وجود خطط فلسطينية بديلة في حال فشل المفاوضات ووقف الاستيطان وتهويد القدس والسيطرة على ساحات المسجد الأقصى.
7- التخبط الفلسطيني في كل ما يتعلق بالتعامل مع الجانب الإسرائيلي ، بحيث بات الضعف والفشل هما السمتان الغالبتان على العلاقة مع إسرائيل.ويأتي من ضمن هذه التخبط الموقف من التنسيق الأمني فهو سلاح لم يستخدمه الفلسطينيون لإجبار إسرائيل على الالتزام بالاتفاقيات الموقعة.
التمهيد للتقسم.

على ضوء تجربتها في تقسيم المسجد الإبراهيمي في الخليل، بالإضافة إلى العوامل والعناصر المشار إليها آنفا، بدأت سلطات الاحتلال التمهيد ميدانيا لتقسيم المسجد الأقصى المبارك من خلال سلسلة الاقتحامات المتكررة سواء عبر المستوطنين والمتزمتين أو من خلال بعض السياسيين من أعضاء الكنيست والأحزاب الدينية التي ما فتئت تطالب بحقها المزعوم في الصلاة في المسجد الأقصى .لقد بدأت سلطات الاحتلال بتطبيق سلسلة من الإجراءات والخطوات التمهيدية وخاصة بعد زيارة شارون للمسجد الأقصى والتي كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الثانية.لكن من المفيد وقبل الإشارة إلى الإجراءات التي أخذت بتطبيقها بشكل ملموس وعلني اعتبارا من العام 2006 تحديدا بعد انتهاء آثار ومفاعيل الانتفاضة الثانية، الإشارة إلى أن كلها كانت بمثابة اختبارات لردود الأفعال الفلسطينية والعربية والإسلامية والتي كانت تزداد وتيرتها وتنخفض حدتها على ضوء تطور المواقف الدول العربية وردود الشارع الفلسطيني.وقامت سلطات الاحتلال باتخاذ إجراءات تعقيدية وتقيدية تخص المصلين الفلسطينيين وأخرى تسهيلية تخص المستوطنين والإسرائيليين الذين يقتحمون المسجد الأقصى.

الإجراءات التعقيدية ضد المصلين الفلسطينيين
1- قيام سلطات الاحتلال بمنع دخول المصلين ممن هم دون سن ال 60 عاما مرة وال50 عاما مرة أخرى و40 عاما مرة ثالثة بحجة وجود إخباريات ومعلومات ساخنة عن تعكير للأمن.
2- منعها دخول النساء المقدسيات دون سن ال35 عاما إلى المسجد الأقصى خلال الفترة من الساعة السابعة صباحا وحتى 11 قبل الظهر وفي أوقات أخرى هي تقررها بمحض إرادتها.
3- إعاقة حرية حركة طلاب ومصاطب العلم من الدخول إلى الأقصى بين الفترة والأخرى بما في ذلك الزيارات المدرسية بهدف التعرف على المسجد.
4- منع دخول المرابطين إلى الأقصى في أحيان كثيرة والذين كانوا يتصدون لاقتحامات المستوطنين والمتطرفين واتخاذ إجراءات بحقهم .
5- تنشيط الملفات والنشاطات القضائية وتوجيه تُهم جنائية إلى العديد من حراس الأقصى والمرابطين والشباب وبعض الشخصيات من فلسطيني 1948 وصدور قرارات أمنية وقضائية وحرمانهم من دخول الأقصى لمدد مختلفة تصل إلى سنة بالإضافة إلى سجنهم فترات متفاوتة.
6- السيطرة على الأبواب والتدقيق بالهويات ومنع دخول من تريد لسبب أو لآخر.
7- قيام سلطات الاحتلال ولأول مرة وفي شهر رمضان المبارك وفي ليلة القدر بمنع دخول المصلين بما في ذلك يوم الجمعة خلال فترة عدوانها على قطاع غزة.
8- منع المصلين من الضفة الغربية من الصلاة في المسجد الأقصى بدون الحصول على تصريح مسبق بما فيها البطاقة الممغنطة.
9- منع المصلين من قطاع غزة الدخول إلى المسجد الأقصى كليا
10- بدأت بتغيير أسماء الشوارع والأبواب المحيطة بالمسجد بما في ذلك وضع عبارة جبل الهيكل على احد الأبواب.

التسهيلات والإجراءات التي تقدمها للمستوطنين والإسرائيليين:
وبالمقابل قامت سلطات الاحتلال بسلسلة إجراءات لتسهيل دخول المستوطنين والإسرائيليين إلى المسجد الأقصى وخاصة منذ تولي الحكومة اليمينية الحالية السلطة برئاسة نتنياهو لعل أهمها :
1- سمحت وأجازت للمستوطنين بالقيام بالاقتحامات شبه اليومية لساحات المسجد الأقصى والتي كان يتخللها على الأغلب أدائهم لبعض الصلوات والطقوس التلمودية
2- السماح للجنود ورجال الشرطة بلباسهم العسكري والمخابرات الإسرائيلية باقتحام ساحات الأقصى والقيام بجولات تفتيشية متنوعة بما فيها اعتقال الطلبة والتصدي للمرابطين .
3- سعي سلطات الاحتلال إلى خلق وتكريس صورة نمطية وروتينية بشأن التواجد اليهودي في المسجد الأقصى، حتى تعتاد الناس عليه وخاصة المصلين الفلسطينيين.
4- كانت الاقتحامات الإسرائيلية في السابق موسمية تتم في الأعياد اليهودية أما الآن فقد تحولت إلى شبه يومية بحيث تتم ما بين الساعة السابعة والنصف إلى الحادية عشر صباحا ومن الواحدة والنصف إلى الثانية والنصف ظهرا.
5- ترافق هذا مع قيام المجموعات برفع العلم الإسرائيلي على درج قبة الصخرة وكل هذا يتم وسط حراسة مشددة من الشرطة ورجال المخابرات.
6- تتجه النية حاليا لتعيين مسؤول لتنفيذ وترتيب الصلوات في الأقصى .
7- تسيطر إسرائيل بشكل كاملة على كافة الأبواب المؤدية للمسجد الأقصى ولا تسمح بدخول مواد البناء والاعمار إلا باتفاق مسبق وموافقة السلطات الإسرائيلية المختصة بما فيها أعمال الصيانة الدورية.
8- تعمل إسرائيل حاليا لتحويل ساحات المسجد الأقصى إلى "ساحات عامة" مما يعني خضوعها لسيطرة بلدية الاحتلال وإشرافها المباشر عليه.

التقسيم الذي تخطط له إسرائيل
التقسيم الذي تخطط له إسرائيل لا يتعلق بالمسجد الأقصى فحسب وان كان هو أخطرها. فهي ترى بأن الوقت قد اقترب وأزف للبدء بالتنفيذ الفعلي لمخططها المتعلق بالأقصى والقدس والمستوطنات. لكن ما يعنينا في هذا المقام هو مخطط التقسيم المتعلق بالمسجد الأقصى.والمقصود بذلك هو تقسيمه بين الفلسطينيين واليهود لأداء الشعائر الدينية لكلا الجانبين في نفس عين المكان.وقد كشفت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث عن وثيقة وخارطة، تتضمن مسودة مشروع مقترح لوضع قوانين ولوائح تنظم تقسم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود.ويقوم بإعداد المسودة نشطاء من حزب الليكود يطلقون على أنفسهم "قيادة يهودية" يتزعمهم نائب رئيس الكنيست الحالي "موشيه فيجلين" ومضمونه انه يتوجب تخصيص مساحة في الجهة الشرقية من المسجد الأقصى، تشكل خُمس مساحة ما يسمى “جبل الهيكل”، (لاحظ الرسم المرفق) تمتد من محاذاة مدخل المصلى المرواني في الجهة الجنوبية الشرقية من الأقصى مروراً بمنطقة باب الرحمة وانتهاءً عند باب الأسباط، أقصى الجهة الشرقية الشمالية من الأقصى.ووفق المخطط، ستكون هذه المساحة بمثابة كنيس يهودي، توزع فيها مساحات لإقامة الصلوات اليهودية الفردية والجماعية،وهي المساحة القريبة الموازية لمقبرة باب الرحمة، وفق أوقات زمنية محددة متوزعة على أيام الأسبوع وأخرى على مواسم الأعياد والمناسبات اليهودية. ويهدف المقترح في وقت لاحق إلى نزع السيادة الإسلامية عن المسجد الأقصى وأولها صلاحيات دائرة الأوقاف،واستبدالها بمفوض خاص من قبل سلطات الاحتلال مما يعني عمليا تابعية المسجد الأقصى لوزارة الأديان الإسرائيلية. ووفقا للرسم المرفق فان محتوى مسودة القانون ينص على " تقاسم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود ويحدد مساحات لكل منهما".فالمقترح يقوم على أساس أن كامل مساحة المسجد الأقصى مكانا مقدسا أو معبدا يهوديا أسمه جبل الهيكل ،ولكن بسبب الظروف الحالية يمكن السماح للمصلين الفلسطينيين الصلاة فيه ضمن ترتيبات يتم الاتفاق عليها.وينص المقترح على تخصيص الجامع القبلي المسقوف(المسجد الأقصى) وفيه فقط تؤدى الشعائر والصلوات الخاصة بالفلسطينيين ،ويخصص بالإضافة إلى ما هو منصوص عليه بإقامة الكنيس في الجهة الشرقية ،ووفقا للرسم المرفق فأن مساحة صحن قبة الصخرة والجهة الشرقية منها تعتبر مكانا مقدسا لليهود.كما يتضمن المقترح جملة من المحظورات والممنوعات منها،منع أعمال الترميم والصيانة إلا بأمر من المفوض الحكومي كما يمنع الاعتكاف في المسجد أو المبيت كليا .

مخطط تقسيم الأقصى
خطوات وآليات ومراحل التقسيم
بدأت سلطات الاحتلال بالتنفيذ التدريجي لتقسيم المسجد الأقصى من خلال ثلاث مراحل متداخلة مع بعضها البعض وهي " الزماني والعمري والمكاني" يتم تنفيذها على مراحل ضمن فترات زمنية معينة أو تنفذ كلها بنفس الوقت إذ لم تجد هناك صعوبات لوجوستية أو اعتراضات جدية من قبل الفلسطينيين سواء بالمظاهرات أو المواجهات المباشرة كما حصل بهجمات السكاكين أو الدهس بالسيارات أو وجود احتجاجات دبلوماسية عربية جدية، حيث يجري تجميدها كما حصل غير مرة. ومن خلال التجربة مع الاحتلال في السنوات الخمس الماضية تحديدا، فقد أخذت بتطبيق مرحلتين معا(الزماني والعمري) في نفس الوقت لقياس ردود أفعال الفلسطينيين بالدرجة الأولى ومن ثم معرفة موقف الحكومة الأردنية والدول العربية الأخرى.وقد تكرر هذا الأسلوب أكثر من مرة في الأسبوع الواحد حيث كانت تختار مناسبات دينية أو وطنية يهودية لا يتخللها مناسبات دينية أو وطنية فلسطينية لتطبق المرحلتين معا في نفس اليوم وليس بنفس الأسبوع فحسب.وهذا ما حصل مرات عديدة في الأعوام الأخيرة الماضية تحديدا.ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بذلك بل سربت مخططات لجماعات يهودية كاتحاد منظمات الهيكل المزعوم حول مطالبتها باقتطاع مساحة معينة من المسجد الأقصى لإعادة بناء الهيكل.وفيما يلي توضيح للمراحل التي تعمل عليها سلطات الاحتلال لتنفيذ التقسيم بين الفلسطينيين واليهود وتحويله إلى أمر واقع.

المرحلة الأولى التقسيم الزماني: وهو الأسهل بالنسبة إلى سلطات الاحتلال والأقدر على تنفيذه بأقل اعتراضات أو احتجاجات ممكنة.والمقصود بالتقسيم الزماني هو تحديد ساعات وأيام الأسبوع بين الفلسطينيين واليهود، بحيث يكون لليهود ساعات محددة يدخلون خلالها إلى المسجد الأقصى لأداء الصلوات والتعبد!! وساعات أخرى للفلسطينيين.وقد توصلت سلطات الاحتلال إلى أن أنسب الساعات ملائمة لليهود مؤقتا دون إحداث ضجيج كبير هي: من الساعة 7:30 – 11:30 صباحا أي بعد صلاة الصبح وقبل الظهر بالنسبة للفلسطينيين.وما بين الساعة 1:30 – 2:30 بعد الظهر(قبل صلاة العصر)باستثناء يوم الجمعة.والمتتبع لكل الاقتحامات التي يقوم بها الإسرائيليون يجد بأن الساعات المنوه عنها هي التي تشهد الاقتحامات والاصطدامات بين الفلسطينيين ورجال الشرطة الإسرائيلية. ولقد استطاعت سلطات الاحتلال وللأسف أن تطبع هذه الفترات في أذهان وعقول قطاع ليس بالقليل من عامة الناس ومرتادي الأقصى ووسائل الإعلام وبات وكأنه أمرا روتينيا وعاديا.ولا يتوقف الأمر عند هذه الإجراءات بل يتسع ليشمل منع المرابطين وطلاب مصاطب العلم من الدخول إلى الأقصى بنفس الساعات المشار إليها، مما يعني إفراغ ساحات المسجد من الشباب القادرين على التصدي للمجموعات اليهودية التي تقتحم المسجد وبالتالي تجنب المواجهات ورشق الحجارة .ويمكن القول بأن هذه المرحلة تسير وفق ما هو مخطط لها بأقل درجة من الاحتجاجات والاعتراضات والمواجهات والاستنكار العربي والإسلامي ورمي الحجارة فباتت روتينية والكل قد اعتاد عليها وهي تتم بشكل شبه منتظم يوميا.

المرحلة الثانية التقسيم العمري:
والمقصود به تحديد أعمار من يحق له الصلاة في الأقصى ومن يحظر عليه الدخول.وقد بدأت سلطات الاحتلال بتطبيقه في السنوات الخمس الأخيرة والحجة التي بررت فيها إسرائيل اتخاذ هذا الإجراء هو،أن الشباب دون سن (عُمر) ال40 عاما يطلقون الحجارة ويشتبكون مع الإسرائيليين الذين يقتحمون المسجد الأقصى بما فيها رجال الشرطة. وعليه فقد وضعت قيودا عُمرية على من يحق له الدخول إلى الأقصى. والهدف من هذا الإجراء ليس لمنع الشباب من إلقاء الحجارة والاشتباك مع رجال الشرطة وسيادة الأمن والاستقرار كما تدعي ، لكنه بحقيقة الأمر خطوة لتنفيذ وتطبيق من يحق له دخول المسجد الأقصى وتحويله إلى قاعدة عامة لتتمكن من التحكم والسيطرة على ساحات المسجد والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا بدأت سلطات الاحتلال بفرض من يحق له الدخول والصلاة بعمر(سن) معين في الوقت الحاضر ولم تطبقه منذ احتلالها للقدس عام 1967؟ فلجوء سلطات الاحتلال إلى رفع سن من يحق له الصلاة في الأقصى إلى 60 أو 50 عاما من الرجال في الأعوام المشار إليها، هدفه إخلاء ساحات الأقصى من المصلين ليتسنى لها إدخال اكبر عدد ممكن من المستوطنين واليهود إلى باحات المسجد بدون مشاكل أو حصول اشتباكات أو مواجهات. ولم تواجه الإجراءات الإسرائيلية بأية ردود فعل فلسطينية وعربية وإسلامية جدية من شأنها دفع سلطات الاحتلال إلى التراجع عن وضعه موضع التنفيذ.فمنظمة التحرير ومعها السلطة الوطنية والأحزاب والفصائل بما فيها حركتي حماس والجهاد لم تأخذه بجدية وتعاملت معه كأمر واقع لا يستدعي أو لا يتطلب رفضه ميدانيا على الأرض بكل ما يترتب على ذلك من نتائج. ويمكن القول أيضا بأن هذه المرحلة تسير بخطوات معقولة نحو التطبيق بدون أية احتجاجات ذات وزن.فكل ما يفعله الفلسطينيون هو قيامهم بالصلاة في الشوارع المؤدية إلى المسجد الأقصى سواء في باب الساهرة أو الأسباط أو العامود وكفى الله المؤمنين شرالقتال حيث يتم تصويرهم من قبل مراسلي محطات التلفاز ويجرون المقابلات وتنتهي الأمور عند هذه الحدود وأحيانا تحصل اشتباكات متفرقة بين الشباب ورجال الشرطة الإسرائيلية الذين يتواجدون على مداخل الأبواب لمدة نحو ساعة وتفض بعد ذلك.وقد أصبحت سلطات الاحتلال على يقين بأن تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية(الزماني والعمري) باتتا بحكم المنتهيتين عمليا. فالفلسطينيون (السلطة والقوى والأحزاب)يتعاملون معها بدون مواجهات مؤثرة أو ذات وزن كبير من شأنه وقف المخطط أو تعطيله.

المرحلة الثالثة التقسيم المكاني:
هذه هي المرحلة الأكثر خطورة والصعبة والتي من المستحيل تنفيذها على أرض الواقع بدون سفك الدماء من كلا الطرفين وتركيع احدهما للآخر.لكونها تتطلب اقتطاعا لنحو خمس مساحة الأقصى في الجهة الشرقية الموازية لمقبرة باب الرحمة باتجاه ما يطلق عليه المقدسيون باب توما توما والقريب جدا من باب الأسباط (كما يوضح الرسم).وللتمهيد لذلك تقوم سلطات الاحتلال بتسريب مخططات ورسومات لأمناء جبل الهيكل أو ما يعرف باسم(اتحادية أمناء جبل الهيكل) لمعرفة وقياس ردود الأفعال المحلية والعربية والإسلامية.فقد وجهت الأخيرة رسالة في 30/6/2013إلى وزير الأمن الداخلي إسحاق اهرونوفيتش ومدير عام الشرطة يوحنا دانينو وإلى قائد الشرطة العميد موشيه بركات وقائد منطقة المسجد الأقصى آفي بيتون، تقول فيها "أن اليهود الذين باتوا يصعدون إلى جبل الهيكل يواجهون إعاقات وصد من الفلسطينيين المتواجدين داخل الأقصى،وهذا يعود – لاحظوا التعبير- إلى أن المسلمين في الأقصى يجلسون في أماكن خاصة باليهود ومساراتهم الدينية مما يعيق حركتهم وحريتهم في جبل الهيكل!! وأن اليهود لا يستطيعون السير داخل المسجد عندما يجلس المسلمين في ساحات الأقصى بشكل عشوائي!!! وقد طالبت المنظمات اليهودية في رسالتها باتخاذ إجراءات مشددة لمنع انتشار المسلمين داخل ساحات المسجد وأن يقتصر تواجدهم على المباني المسقوفة " وتعتبر هذه الرسالة في غاية الخطورة نظرا لكونها تشكل الخطوة الأولى في تنفيذ التقسيم المكاني والذي يبدأ بحصر تواجد المصلين الفلسطينيين في أماكن محددة. وقد وقع على هذه الرسالة 20 منظمة تعمل لأجل الهيكل المزعوم، وقد صاغها عدد كبير من الحاخامات وكبار قادة هذه المنظمات. هذا وأقدم نتنياهو بنفسه على إصدار قرار بإغلاق أبواب المسجد الأقصى المبارك كليا يوم 30/10/2014 ومنع المصلين من الدخول إليه وقد فسر على انه نوع من المناكفة الحزبية بين الأقطاب المنافسين له في الليكود.لكن حقيقة الأمر كان لاختبار ردود الأفعال الفلسطينية والعربية تمهيدا لتكريس التقسيم المكاني،لكن النتائج كانت أقوى مما توقع نتنياهو فلسطينيا وعربيا حيث استدعى الأردن سفيره للتشاور وتحرك الشارع الفلسطيني في فلسطين 1948 وفي القدس والضفة، مما دفع به للتراجع عن قراره.

الخلاصة:
1- ما تفعله سلطات الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى المبارك سبق لها وأن قامت به وفعلته في الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994. وكان لعدم الاعتراض والرفض الفلسطيني الجدي واللامبالاة العربية والإسلامية عما قامت به سلطات الاحتلال بتقسيم الحرم الإبراهيمي بين الفلسطينيين واليهود، العامل الرئيس ليس في نجاحه في الخليل فحسب بل وفي أخذ الفكرة وتطبيقها مجددا في المسجد الأقصى المبارك خلال اقل من 20 عاما.لقد وضعت سلطات الاحتلال الفلسطينيين والعرب بالدرجة الأولى أمام الأمر الواقع حينما قررت تقسيم الحرم الإبراهيمي في الخليل وها هي تعيد فرضه من جديد في القدس والمسجد الأقصى.
2- منذ أن وافق الفلسطينيون(م ت ف والسلطة) على تأجيل بحث موضوع القدس والذي يقع المسجد الأقصى في قلبها، إلى المفاوضات النهائية دون النص حرفيا على ضرورة إبقاء الوضع الذي كان قائما عليه عند التوقيع (ديسمبر 1993) كان عليهم أن يضعوا الخطط لمواجهة التغييرات المحتملة التي يمكن لسلطات الاحتلال أن تحدثها على جغرافية وحدود القدس الشرقية وفي المقدمة منها المسجد الأقصى، وخاصة أن إسحق شامير قال في مؤتمر مدريد أن المفاوضات مع الفلسطينيين ستستمر أكثر من 20 عاما .
3- أخطأ الفلسطينيون كثيرا حينما تعاملوا بخفة وبعدم الإدراك لخطورة سيطرة الشرطة الإسرائيلية على أبواب المسجد الأقصى وتحكمهم بمن يحق له الدخول ومن يحظر عليه ذلك.فالتقسيم العمري والزماني نفذته سلطات الاحتلال دون أن يكون هناك رفضا ميدانيا له على الأرض،مما شجعها على التشدد في تطبيقه.وقد تكرر نفس الشئ في موضوع المستوطنات كلها بما فيها القدس وبناء الجدار العنصري.
4- لم تضع م ت ف والأحزاب والقوى حتى الآن خطط ميدانية فيما يتعلق بمواجهة التقسيم الزمني والعمري التي تعمل عليها سلطات الاحتلال مما يشكل خطورة بالغة على مستقبل المسجد الأقصى علما بأنها قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال ووضعهما جاري على قدم وساق.
5- وفيما يتعلق بالتقسيم المكاني وهو الأخطر، لكونه يتضمن اقتطاع خمس مساحة المسجد لإقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم عليه.إن وضع التقسيم المكاني موضع التنفيذ الفعلي يحتاج إلى حدث هام أو مناسبة ضخمة كما حصل بالحرم الإبراهيمي بالخليل وأدى إلى تقسيمه بين الفلسطينيين واليهود وليس مستبعدا ولا غريبا أو غير متوقع أن يحدث هذا الأمر الجلل والذي سيترتب عليه إغلاق المسجد وتقسيمه مكانيا.على الفلسطينيين (م ت ف والأحزاب والقوى والحركات) أن يضعوا هذا في حسابهم وأن يعملوا على أن احتمالية وقوعه قائمة وهي بانتظار الفترة المناسبة للتنفيذ.
6- سلطات الاحتلال تعتقد بل هي على قناعة تامة بان الظروف الحالية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط قد لا تتكرر في المستقبل المنظور،مما يعني أنها في عجلة من أمرها لتنفيذ التقسيم المكاني نظرا للانقسام الفلسطيني وضعف منظمة التحرير والسلطة معا وإنشعال كل الدول العربية والعديد من الدول الإسلامية والإقليمية بأوضاعها الداخلية مما يسهل عليها تنفيذ مخططها التقسيمي بحق المسجد الأقصى بأقل خسارة ممكنة .
7- وأخيرا على الفلسطينيين (م ت ف والأحزاب والفصائل والحركات) أن يدركوا خطورة ما تقوم به سلطات الاحتلال لتقسيم المسجد الأقصى والاستيطان في القدس وأن ينهوا الانقسام البغيض وان يضعوا الخطط لمواجهة ما تفعله سلطات الاحتلال في القدس والضفة والقطاع.