الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ليست انتفاضة ثالثة ... بل أكبر بكثير

نشر بتاريخ: 05/10/2015 ( آخر تحديث: 05/10/2015 الساعة: 15:28 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

لو كانت الجزائر على حدود فلسطين لما قامت اسرائيل أساسا .
ان "مشكلة"  الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المحيطة بفلسطين انهم لا يؤمنون بقتل اليهود من اجل تحرير فلسطين ، وانما ارادوا ويحاولون من عشرات السنين تحرير فلسطين بالتفاهم مع اسرائيل وأمريكا .
وبتراكم عددي ميكانيكي وليس أكثر ، يتحدث المراقبون بقوة عن الانتفاضة الثالثة . والحقيقة ان مصطلح انتفاضة ثالثة هو مصطلح اسرائيلي ، درجت عليه وسائل الاعلام الاسرائيلي وأجهزة الامن في تل ابيب لتوصيف حركة النضال الوطني الفلسطيني . والفلسطينيون انفسهم لم يستخدموا مصطلح انتفاضة اولى أو انتفاضة ثانية وانما هي مصطلحات اسرائيلية . الفلسطينيون قالوا في 1987 انتفاضة الحجارة ، وقالوا في عام 2000 انتفاضة الاقصى .

وبعيدا عن ميكانيكية الفهم السياسي المجرد ، وبحثا عن ديناميكية حركة النضال الوطني فان ما يحدث اليوم في القدس والاراضي الفلسطينية انما هو اتمام معركة التحرر الوطني للارض والانسان يقودها المواطن ( وليس الفصائل والتنظيمات فحسب ) الذي يرفض الخضوع والخنوع للحكم العسكري ، وقد بدأت هذه المعركة بفضل حركة مقاطعة البضائع الاسرائيلية وامتدت الى تظاهرات المتضامنين الاجانب ايام الجمعة ، ومرورا باللجان الشعبية للتصدي لاعتداءات المستوطنين وجرائم الارهابيين اليهود ، ووصولا الى القدس والوقوف في وجه التهويد والاستيطان والاعتداء على المقدسات والانسان .

وفي الفترة الاخيرة يكرّر الاعلام العربي كله ( ونحن أولهم ) مصطلح انتفاضة ثالثة ، وانتقلت العدوى الى القيادات السياسية والاعلام الحزبي ، وانا لا أعتقد ان هذا هو التعبير الدقيق عن رغبة الجيل الجديد ، وعن القضية الوطنية الابرز في تاريخ البشرية المعاصر . لان الشعب الفلسطيني لا يريد ان يعطّل المدارس ويغلق الطرقات بالحجارة ويتوقف عن تقديم الخدمات البلدية ويعود مرة اخرى الى اغلاق البنوك والاضرابات التجارية واشعال الاطارات في الشوارع ، بل يريد ان يدحر الاحتلال ويقهره مرة والى الابد . وربما كانت هذه العمليات الشعبية مناسبة في العام 1987 لان ضباط الادارة المدنية والحكم العسكري كانوا يتحكمون بالضرائب ونهب المال العام ويتحكمون بالبلديات والمدارس والبريد والهاتف والكهرباء فانتفض الشعب ضد الادارة المدنية وضد الحاكم العسكري ولم ينتفض ضد المدارس والطرقات المفتوحة والمصانع التي تعمل والكهرباء التي تقدم خدماتها .

ولا تحتاج الضفة الغربية الان الى حل السلطة وتحطيم ما بنيناه من مؤسسات واقتصاد وطرقات ومدارس وجامعات والتوقف عن العمل والعودة الى الفوضى ، بل تحتاج الى حل السلطة من أجل اعلان دولة ثورية مستقلة من دون تدخل اسرائيلي ، ومن دون تنسيق امني ، اي ان الشعب يريد تطوير السلطة لتصبح لائقة للمواطن ولكرامته الثورية .

ان الاسرائيليين يسيرون بعكس حركة التاريخ ، ولم يفهموا بعد ان "الامان" الذي يعيشون فيه بسبب قرار التنظيمات الفلسطينية التوقف عن العمليات العنيفة وتفجير الحافلات ، وقد يعتقد وزراء اسرائيل  ان جدار شارون واعتقالات الجيش هي التي حققت لهم هذا الامان ، وهذه مشكلتهم وليست مشكلتنا نحن . فتراهم يرددون خائفين او متوعدين مصلح انتفاضة ثالثة .
نحن لسنا ذاهون الى انتفاضة ثالثة ، بل ذاهبون الى مرحلةأكبر بكثير ، ذاهبون الى معركة الاستنزاف الاخير ، وهي مرحلة غير محدودة بزمن من اجل اقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس ، وسواء أراد الاسرائيليون ان يفهموا ام لا . فقد قرر الشعب العربي الفلسطيني ان ينهي مرحلة اوسلو والاتفاقات مع اسرائيل ، وقد قرر ان يتحرر وينعتق من نير الاحتلال ، وقد قرر ان يحرر القدس بأي شكل كان . ولو تطلب الامر الف سنة اخرى من النضال .