الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

فوز اردوغان في تركيا ، رسالة للعرب ودرس في التاريخ

نشر بتاريخ: 02/11/2015 ( آخر تحديث: 02/11/2015 الساعة: 11:32 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

تركيا دولة اقليمية كبيرة لها وزنها الثقيل وقيمتها الجغرافية والاقتصادية والسياسة والديموغرافية والدولية ، ويمكن القول بكل هدوء ان اسرائيل تبدو مثل ذبابة الى جانب تركيا . بل هي لا تراها اساسا حتى ترى فيها خصما . وترى كثيرا من الاحيان خطر الدولة الكردية اكبر بكثير من خطر اسرائيل . ان جاز التعبير .
خصوم حزب التنمية والعدالة التركي اقنعوا أنفسهم بأمنية ان يسقط حزب اردوغان وينحسر ولكن الشعب التركي كان له رأى مخالف ، ومنحه الثقة مرة اخرى على قاعدة ان الانتخابات التركية تسير وفق برامج داخلية وليست خارجية ، وقد نجح حزب العدالة والتنمية في طرح حلول لمشاكل المواطن التركي الاقتصادية والحزبية والسياسية والسيكولوجية . والاهم ان هذا الحزب الاسلامي ( يرفض حزب العدالة تسمية نفسه حزب اسلامي بل حزب تركي ) ابتكر طريقة متوزنة للعلمانية كمنهاج حياة لا يتعارض مع التدين الاسلامي وهي ظاهرة جديرة بالدراسة والتأمل لانها فريدة من نوعها ، ونجحت وتنجح ، بل ان اردوغان حاول اقناع الاخوان المسلمين خلال زيارته القاهرة قبل سنوات  ان العلمانية هي الحل ، ولكن الاخوان ركبوا رأسهم ورفضوا ذلك وهاجموه على منابر المساجد وكانت النتيجة فوز حزب العدالة والتنمية للمرة الرابعة وسقوط جماعة الاخوان المسلمين في مصر عن الحكم .

وقد يستشيط بعض المثقفين العلمانيين العرب غيظا ، ان اردوغان تربطه علاقة طيبة بالاخوان المسلمين وبحركة حماس والحركات الاسلامية الاخرى . ولكن هذه انطباعات اولى لا تكفي لمناصبة حزب العدالة والتنمية العداء . بل هي حافز لمزيد من الدراسة والتفكر في كيفية الخروج من المأزق العربي والمأزق السوري واختيار منهاج حكم علماني لا يتعارض مع الدين ويتعاون على حل مشاكل الدول العربية التي أعجزت المثقفين في كل العالم .

الملف السوري ملف لا يقل حساسية عن الملفات الاخرى ، وقد دفع بمعظم المثقفين العرب الى اتخاذ موقف سلبي من حزب العدالة والتنمية التركي ، ولكن الملف السوري - من دون تدخل تركيا - ليس بأفضل حالا ، فالازمة السورية لم تحظ بمعالجة عربية راقية وعميقة  حتى نكتفي بلوم حزب تركي بكل تبعات الازمة .
لقد أثبت اردوغان انه رجل صارم وحازم وعلماني ، واثبت مرة رابعة انه قادر على الحكم والفوز بانتخابات ديموقراطية في بلده ، ومنع التدخلات الخارجية ، وليس من حق المثقف العربي ان ينصّب نفسه بديلا عن المواطن التركي في الانتخاب والتصويت ، فهذا  شان تركي داخلي وعلى الجميع احترامه .

وتثبت الانتخابات التركية ان شعوب الشرق الاوسط تبحث عن قائد قوي ، ورئيس صارم ، يدافع عن بلده بكل قوة ويذود عن حماه  ، ولا يتورع عن اتخاذ قرارات تخالف امريكا واسرائيل ، بل وتخالف الاصدقاء والحلفاء احيانا لمصلحة شعبه .

رجال الدين ورجال الامن والعلمانيين ورجال الاقتصاد مكونات اساسية لاستقرار اي حكم في الدول الاسلامية ... وهي رسالة واضحة ان من يريد ان يحكم وينجح في الدول الاسلامية عليه ان لا يقصي احد ، وان لا ينفرد بالقرار لوحده ، وان يعمل من أجل مصلحة بلده وشعبه  وحدوده واقتصاده ومواطنيه ويرفع علمه بكل فخر ... اما القادة العرب الذين  يرفعون شعارات كبيرة ولا يخدمون شعوبهم فقد فقدوا القدرة على الحكم ، وامّا الذين تنازلوا عن كل شئ بحجة السلم العالمي والازدهار فقد خسروا السلم الاهلي وأضاعوا الازدهار في بلادهم .
هكذا أراد الشعب التركي  .. اذن الف مبروك والى الامام .