الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مهرجان الفيلم الفلسطيني في استراليا

نشر بتاريخ: 27/11/2015 ( آخر تحديث: 01/12/2015 الساعة: 13:56 )
مهرجان الفيلم الفلسطيني في استراليا

بقلم: خالد أبوعدنان


هناك صورة أخرى لفلسطين غير تلك المكررة بنشرات الأخبار والأفلام الوثائقية عن الفلسطيني المقاوم بالمظاهرات، صورة تجعلنا ندخل في تفاصيل حياة الإنسان وتفهم همومه وطموحاته وأسلوبه في الحياة، وهي ما تنقله لنا السينما الفلسطينية بشفافية صادقة ومهنية عالية. فالأفلام الفلسطينية تحصد الجوائز الدولية ولها جمهور واسع في كل أنحاء العالم كما أنها تستخدم تقنيات عالية وأساليب متطورة في الإخراج والتعامل مع الكاميرا، هكذا كان ملخص كلمة الافتتاح للأستاذ ناصر شختور مدير مؤسسة الإعلام الثقافي، الهيئة المنظمة لمهرجان الفيلم الفلسطيني في أستراليا.
بدأ عرض فيلم الأول المطلوبون الـ 18 للمبدع عامر الشوملي في قاعة مكتملة العدد على غير عادة أفلام المهرجانات في أستراليا، لأن الفيلم يعد نقلة نوعية بصناعة الأفلام فهو أكثر من فيلم سينمائي بل هو عمل فني إبداعي مميز على حد قول طلاب كلية الفنون في جامعة سدني لأنه تركيب تسلسلي لمشاهد كرتونية ووقفات وثائقية بخلفية موسيقى الجاز تتقاطع مع مشاهد تمثيلية في انسيابية فائقة الجودة، تروي قصة العصيان المدني في بلدة بيت ساحور إبان الانتفاضة الحجارة 1987م بأسلوب ساخر من عنجهية الاحتلال.
تعلق د. كريسولا ليونز- دكتوراه بالفن الفلسطيني: لم أشاهد فيلما يحمل هذا الكم من التقنية العالية. هو حقا فيلم عالمي الجودة، إنني أتابع تطور السينما الفلسطينية عن كثب، فهي جزء مهم من اختصاصي الأكاديمي وأيضا عملي في مؤسسة الإعلام الثقافي، ومهرجان الفيلم الفلسطيني في أستراليا مستمر منذ سبعة أعوام له دليل قوي على شغف الأستراليين بالسينما الفلسطينية، كما أن الأفلام الفلسطينية بدأت تحصد الجوائز الدولية وتشارك بالمهرجانات المتخصصة. نعم، لقد خرجت السينما الفلسطينية من ثوب الأفلام الوثائقية لفضاء السينما الواسع، ولها نقلات نوعية في الأفلام الروائية وإضافات متميزة في إبداعات المؤثرات الصوتية وأفلام الدمج ويعد فيلم المطلوبون الـ 18 من أروع أفلام الدمج في العالم دون مبالغة.
قد لا يتسع المقال للحديث عن كل الأفلام المعروضة بالمهرجان عن الجمهور قبل العرض وبعده، وهذا ما صدمني حقاً أن العديد من الجمهور قرأ الكثير عن الأفلام بل أنهم يعرفون تفاصيل لم تخطر ببالي، تتجاوز مكان التصوير وأسماء الممثلين، ويتحدثون عن رواج الفيلم وأين عرض في أوروبا وأمريكا، ويتابعون الفنانين الفلسطينيين كأنهم من نجوم هوليود، فهم جمهور سينما حقيقيين يحبون الفن الفلسطيني أكثر من مجرد تضامنهم مع مأساة الشعب الفلسطيني.
فلسطين شعب الإنترنت وكل تقنيات الاتصال تسمعها كثيرا بين ضحكات الجمهور. سيكون العالم مجنونا إن توقع أنه يملك أن يعزل الفلسطينيين عن بعضهم البعض. هذا تعليق على فيلم رسائل من اليرموك الذي تحدث عن تواصل فني بين رام الله ومخيم اليرموك تجاوز حدود الكلام ليتحول إلي عدة أعمال فنية من معرض صور وموسيقى السلام وتتوج بفيلم رائع لا يخلو من عاطفة جياشة تدعو الجميع إلي العودة للمخيم وتوفير الحماية والحياة الكريمة للصامدون داخله. وترفض د. كريسولا ليونز أن يكون اختيار الفيلم تحت هدف معين، بل تؤكد أن الجمهور الاسترالي مثقف ويعرف ماذا يريد أن يشاهد. كما أن للمخرجين الفلسطينيين المهارة الفذة في صناعة أفلام قادرة على إيصال رسائلهم بأسلوب فني مبدع، وهذا ما يحدد دورنا كمؤسسة وسيطة بينهم. فقد نستطيع ترتيب عرض الأفلام ضمن نسق يناسب ذوي الاهتمامات الخاصة. فمثلا هناك عرض لفيلم شيرين من قرية الولجة لإخراج الناشطة الاسترالية ديز شاندلر بعده فيلم الطريق لبيت لحم للمخرجة ليلى صنصور-ضيفة شرف المهرجان- ضمن قسم الأفلام التي تتحدث عن جدار الفصل العنصري، وهي أفلام تتحدث عن فعاليات ونشاطات تهم الجمهور الاسترالي المتابع لفعاليات النضال السلمي، هذه الأفلام عبارة عن دعوة صادقة لزيارة فلسطين والتعرف على أهلها الذين يغمرون ضيوفهم بالكرم والحب والروح المرحة، وأكثر ما أذكره كم النكت التي سمعتها في مدينة الخليل. فأهلها مبدعون بأسلوبهم الفكاهي ونقدهم اللاذع لكل ما يعكر صفو حياتهم الرائع.
السينما هي نقل صادق للحياة اليومية في فلسطين. حياة الإنسان الفلسطيني البسيط والأقل من بسيط. هكذا علق الفنان أسعد عابدي على الدور الحقيقي للسينما. فهي حكايات يرصدها الكتّاب ويحيكها المخرجون بصورة سينمائية. وتضيف د. كريسولا ليونز: السينما الفلسطينية تنقل صورة الحياة الاعتيادية في فلسطين وتنقل لنا ماذا يحدث في فلسطين بعد ما نشاهده بشرة الأخبار. بل أنها تحفزنا على تكرار الزيارة لفلسطين لأننا لم نشاهد كل شيء بزياراتنا القصيرة في فلسطين. إن الفن الفلسطيني ينقلنا إلى عوالم خفية في حياة الفلسطينيين تجعلنا نفهم بعمق معنى الصمود وحب الوطن.
وجاء فيلم ديجرادية لمخرجين طرزان وعرب فاكهة الدعابة في المهرجان، وقد عُرض هذا الفيلم في مهرجان كان السنمائي ولاقى استحسان النقاد العالميين، يطرح الفيلم قضية المرأة الفلسطينية ومشاكلها بأسلوب فكاهي تهكمي يرفض الانقسام السياسي ويطرح مشكلة حقوق المرأة بتميز رائع للفنانة منال عوض، حيث تفاعل الجمهور الاسترالي مع كل حركاتها واستفزازتها المستمرة بضرورة التحرر من القيود فهي فنانة محترفة ذات مواهب متعددة قادرة على إيصال فكرتها بأسلوب سلسل ومشوّْق ، وباتصال هاتفي معها قالت: لا استغرب نجاح الفيلم في استراليا فهو فيلم ذو فكرة عالمية عن قضايا المرأة التي تبحث عن شراكة عادلة في مجتمعنا الذكوري. وبسؤالها عن الجانب التقني قالت: حاولنا أن نضع المشاهدين بظروف غزة، فلا مساحة للهدوء فالجو مشحون بالعنف والاحتلال وهي الخلفية الصوتية الدائمة في فيلم، فدائما هناك صوت ما بالخارج، أما عن الإضاءة فقالت: هذه غزة المقطوعة عن الكهرباء أغلب الوقت، وهناك مشاهد تظهر حجم المعاناة بالحصول على ضوء، هذه الظروف الحقيقية في غزة نقلناها بشفافية عالية، كما أنها قالت: أنا على استعداد لزيارة استراليا إذا تم ترتيب فعاليات لنا بشكل جيد، لنقدم عروض مسرحية لمجموعتنا، فهي لاقت استحسان الجمهور العربي ونطمح لتسويقها لكل العالم وبالتأكيد أننا نطرح قضايانا الوطنية بأسلوب فني راقي.
أما أكثر فيلم أعجبني فكان فيلم حب وسرقة ومشاكل أخرى وهو أول فيلم روائي طويل للمخرج مؤيد عليان تصوير بالأبيض والأسود، الفيلم يتحدث عن حرامي سيارات يسرق سيارة يكتشف أن بداخلها جنديا إسرائيليا مخطوفا. وهذه ليست الصدفة الوحيدة بالفيلم فهو من أفلام الحركة المستمرة والتشويق مستمر حتى النهاية، كما أن الموسيقى التصويرية وألوان الفيلم غير الاعتيادية تنقلنا إلى فضاء راق في عالم الفن.
سيتابع المهرجان أعماله في المدن الأسترالية بعد انتهاء فترة عرضه في مدينتي ملبورن وسيدني حيث يعرض حاليا في مدينة كانبرا ثم مدينة بيرث في تغطية واسعة للجمهور الأسترالي بفضل مجهود مميز من مؤسسة الإعلام الثقافي وإبدعات السينمائيين الفلسطينيين.

نتمنى أن يساهم هذا المهرجان بالأعوام القادمة في تنمية التواصل بين مؤسسة الإعلام الثقافي في أستراليا والمؤسسات الفنية الفلسطينية وكذلك وزارات السلطة الوطنية الفلسطينية لما يشكله هذا المهرجان من رافد مساند للنضال السلمي الفلسطيني ولما يطرحه من مشكلات الإنسان الفلسطيني بأسلوب فني قادر على تواصل مع الجمهور الأسترالي العاشق للفن.