الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

صار يلزم هيئة لمكافحة الغباء

نشر بتاريخ: 19/01/2016 ( آخر تحديث: 19/01/2016 الساعة: 13:30 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

في واقعنا السياسي والاقتصادي ينطبق علينا المثل الشعبي ( مثل ابن جحا كان يمشي وصار يحبو )

تتطوّر المجتمعات البشرية بموجب قواعد اساسية تحكم حركة تفاعلها اقتصاديا واجتماعيا، ولأن الحركة الاجتماعية تشمل التعليم والقوانين والنظم واللوائح والجامعة وحتى الامثال الاجتماعية والعادات والتقاليد فانها تشمل السياسة أيضا . اما الاقتصاد فيشمل قوى الانتاج وعلاقات الانتاج وادوات الانتاج ، ويمكن ان نختصر الامر بلغة السوق انها علاقة الشركات مع القوى العاملة وعلاقتها مع نفسها وعلاقتها بالدولة .

امريكا ليست قوية في السياسة، كما ان رجال السياسة فيها ليسوا أبرع من رجال السياسة عندنا، بل ان اي سياسي في بلاد العرب عاصر روزفلت ريغان وعشرة رؤساء امريكيين ، وان الرئيس اوباما حين تولى منصبه كان لم يبلغ من العمر 45 عاما فيما ان رؤساء العرب لديهم خبرة قرن، فقد عاصروا غاندي وخروتشوف ونكسون وربما عاصروا ستالين وتشرشل وديغول ايضا . فالامر لا يتعلق بالمهارات الفردية ورؤية الحاكم وخبرته. بل ان الشركات الامريكية هي اقوى شركات في العالم ولذلك أسست اقوى حكومات ودعمت أقوى احزاب . وانتجت أقوى جيوش وأسلحة وأقمار اصطناعية وأنظمة اتصالات واختراعات واقوى علوم وتكنولوجيا .

ان الاحزاب ليست طوائف ينتمي اليها البشر، ولكننا صرنا نلاحظ هذه الايام ان هناك دول تتعامل مع القنوات الفضائية انها طوائف وملل وأديان ، وترى ان جماعة فلان لا يشاهدون الّا فضائية ابو فلان وهو امر ممجوج وممقوت بطريقة غبية وساذجة . وليس بعيدا ذلك اليوم الذي يوقفك فيه رجل مخابرات في مطار عاصمة عربية ويحقق معك : اي فضائية تشاهد ؟

الاحزاب هي نتاج واقع اقتصادي اجتماعي ، ولذلك نرى ان احزابنا فقيرة وتستجدي الدعم ( اسرائيل اصيبت بفيروس التخلف الاجتماعي والعنصرية واحزابها فاسدة وتسرق من المال العام ) والاصل في الشئ ان الحزب ينمّي ( لا يدير فقط ) عملية وعي سياسي ويبلور عملية تغيير اقتصادي واجتماعي من خلال تسهيل او تعطيل قوانين برلمانية تخدم او لا تخدم الشركات والجامعات والعلوم .

شركاتنا ضعيفة واهنة تشبه الدكاكين ، ورجال اعمالنا " فقراء " يلبسون بدلات باهظة الثمن وربطات عنق سخيفة، ومعظمهم لا يجرؤ على استئجار غرفة في فندق خمس نجوم في عمان . ولان رجال اعمالنا خائفون ومرتجفون ، فان شركاتنا هزيلة وواهنة ، وحكوماتنا لا هيبة لها وتتحول الى مادة تندّر في الصالونات الثقافية .وهذا ينسحب على البرلمان والاحزاب والجامعات والوزراء ، وينسحب على الواقعين الاقتصادي والاجتماعي . ونقاباتنا صارت في وضع مأساوي وهناك قصص لو اننا نجرؤ على نشرها عن النقابات لاهتزت الارض لها . فهي نقابات تتسوّل باسم الموظفين والعمال من الاحزاب والوزارات التي هي بالاساس متسولة .

ظهور الاحزاب الاسلامية ساعد في صبغ الاحزاب بلون الطائفية وزاد تخلّفها الاقتصادي والاجتماعي ، رغم ان الاحزاب العلمانية كانت واهنة ولا تحتاج لمبرر للانهيار القيمي والثقافي والاقتصادي ، ولكننا رأينا ان الاحزاب الاسلامية صارت تتسابق مع الاحزاب العلمانية  في التسوّل المالي من حكومة هي نفسها تتسوّل من الغرب ومن الدول العربية الغنية ، بمعنى ان شحّاذ يتسوّل من شحاذ أفقر منه وأقل ذكاء ، وهكذا دوليك .

من اجل انجاز عملية تغيير مجتمعي حضاري ، يلزم صناعة ( وليس تجارة توزيع او متهربين من الضابطة الجمركية او مقاولين لبناء المستوطنات ) ويلزم شركات قوية لا تهتز وترتعد ويبكي مديرها من غرامة تفرضها عليه هيئة مكافحة الفساد ، ويلزم جامعات ومختبرات و"هاي تيك" ، ويلزم أحزاب لها دساتير وقوانين ومستشار قانوني، ويلزم حكومة تدير عملية الانتاج والتطور وليست تشحد رواتب مسؤوليها وتشكو طوال اليوم وتعيب على المتسولين الاخرين مبدأ التسوّل .
الاحزاب ليست طوائف بل أدوات تغيير سياسي بعيدا عن الادوات التقليدية في المجتمع ، وهي منافس للعشيرة وليست باكية على صوت انتخابي من هذا الشيخ او ذاك .

لكن في واقعنا الراهن فان شيخ العشيرة هو الاقوى، ومن ثم الجنرال، وبعده رئيس الشركة، وبعده رئيس الحزب وفي اخر المطاف رئيس الحكومة ... وهي اشارة على ان الهرم مقلوب، والقطار يصفر ويصفر ويصفر ولكنه لا يتحرك على السكة، بل يصفر وهو واقف مكانه .
صناعة قوية، شركات قوية، احزاب قوية ستنتج برلمان قوي وحكومة أقوى ...