الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الدارج والماشي في الفكر الفاشي

نشر بتاريخ: 23/07/2016 ( آخر تحديث: 25/07/2016 الساعة: 09:27 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

منذ ربع قرن يتناحر الفكر الاسلامي مع الفكر القومي في العالم العربي . وقد تسبب هذا التناحر في نشوء جيل يشمئز من هذا االواقع ، ويحاول الهروب منه وتجنبه واهماله وازدراءه ، وهو ما خلق طبقة ( لم تعد مجرد شريحة ) من المستقلين الذين ضاعوا في دياجي الصفقات السياسية . ولكن التيارين الاسلامي والقومي لم يكفا عن مطاردة هذا الجيل لاستقطابه " بالقوة " الى أتّون الصراع الدموي ، فترك القوميون تنظيماتهم ووزاراتهم ونزلوا الى الشوارع يجمعون حطام جيل فقد الأمل والرغبة والقوة في مواصلة اللعبة ، فيما ترك رجال الدين مساجدهم وخرجوا وراء الجيل يلاحقونه في سفن الهجرة وبارات الكحول ومراقص الهروب لمص دمه وارغامه على دخول لعبة الدم التي لا أفق لها .
وبالفعل تجري المعارك الان في ملعب جيل يكره الواقع ، ويلعن اللعبة المقرفة ومن صنعها ، ويبحث عن بصيص أمل في ورقة فيزا للهجرة ، او في مهنة تافهة في اصقاع الغربة ، او عند زوجة شقراء لا تذكّره بالفشل وبويلات العالم العربي . يبحث عن حياة بائسة في بقعة يابسة ليس فيها مخالب ولا أنياب ، انه الجيل المتعوس الذي ترك العواصم العربية للمتناهشين على جثتها ، تركها للقادة الفاشلين من التيارين المتناحرين ودخل البحر بقوارب مطاطية ليموت في الغربة ، فالغرق في البحر صار  أرحم على هذا الجيل من الغرق في بحور الدم العربي .
 عشرات ملايين الشباب العرب لا رغبة لهم سوى الهجرة الى ( بلاد الكفار ) و ( بلاد الاستعمار ) وهو خير دليل على فشل الطرفين في استقطاب جيل كامل من الأمّة ، وان الاستمرار في تكرار نفس الشعارات والخطابات فوق رأس هذا الجيل سيؤدي الى كارثة قومية واسلامية كبيرة على مدار السنوات القادمة .
واعتقد جازما ان الغالبية القصوى من هذا الجيل لا تزال تفاخر بقوميتها العربية ، ولا تزال تفاخر بدينها الاسلامي . لكنها لا تفاخر أبدا بقيادة الفكر القومي ولا تفاخر مطلقا بقيادة الفكر الديني اللتان تتحملان مسؤولية تدمير العالم العربي وتحطيم جيل كامل نشأ كارها للواقع ومناضلا من اجل التخلص من هذه القيادات .
والأشد غرابة ان قادة الفكر القومي وقادة الفكر الديني صاروا أشد ولعا في ملاحقة الجيل الهارب الى مشارق الارض ومغاربها ، ولا يريدون الاعتراف بالحقيقة وان هذا الجيل هرب منهم ومن أفكارهم وأنه لا يريد رؤية وجوهم ولا سماع أصواتهم . ومن لم يهرب من حاكم ظالم ، فقد هرب من شيخ ماكر .
وما يزيد الطين بلّة ان قادة الفكر القومي والاسلامي في العالم العربي هم أنفسهم لاجئون ، ومنهم من هرب يسكن في لندن ، ومنهم من يسكن في قطر ، ومنهم من هرب الى الامارات ،  ومعظمهم طلب اللجوء السياسي الى باريس وبرلين وهونو لولو ، ومع ذلك لا يزالون كل ليلة يطلّون علينا عبر شاشات فضائيات تعمل لاجندات تلك البلاد ويتحدثون للجيل عن أهمية الصمود والفكر الديني او الفكر القومي . وهم قد هربوا مع اطفالهم ونساءهم وملايينهم الى بلاد اخرى . ومن لم يهرب بعد فقد اشترى منزلا منذ الان في جزيرة ما او دولة ( كافرة ) ويستعد للقفز من السفينة العربية الغارقة في اسرع فرصة .
كم قائد عربي وكم شيخ مسلم هرب من بلده ويدير الحرب الطاحنة والدموية من عواصم الغرب ؟؟ كم واحد منهم صمد في اول امتحان في بلده؟
الحل هو اعادة الهيبة للنقابات ( وليس الاحزاب ) ، واعادة تمكين جيل كامل من تقرير حق مصيره . وان يترشح الشباب للمناصب العليا والحساسة ، وان يكفوا عن الهرب . وان يحاولوا الوقوف في بغداد ودمشق ومصراتة وطرابلس وعدن والقدس والخرطوم ، ويغيروا الواقع بأنفسهم ، فالبلاد مليئة بالخيرات والبترول والكفاءات العلمية وتحتاج الى من يوقف تهريبها ونهبها واعادة استثمارها في البناء . لاتهربوا من قوانين الحكومات بل انتم كونوا الحكومات وغيّروا القوانين كما تريدونها .
لا تبحثوا عن حدائق خضراء في اروبا ، ازرعوا حدائق خضراء في مدنكم .
لا تبحثوا عن عمل في ميامي ، ابنوا مصانع في ليبيا .
لا تبحثوا عن زوجات تسوق سيارة ، علموا نساءكم السياقة .
لا تشربوا الخمر والمخدرات لتصنعوا سعادة . بل ازرعوا الابتسامة على وجوه اطفالكم .
لا تقولوا رأيكم على الفيس بوك بأسماء وهمية . بل اكتبوا اسماءكم الحقيقية لتكبروا في عيون زوجاتكم وأولادكم .
انتم الوطن الحقيقي ، وانتم الدين الحي .
لا تربّوا اللحية وتنسون تربية أولادكم ، لا تضعوا النياشين والرتب على أكتافكم وتنسوا ان تضعوا الشرف والكرامة على جباهكم .
لا تهربوا مثل قادة الفكر القومي والديني الى لندن وباريس وواشنطن والدوحة ودبي وقبرص وطهران واسطنبول ... هم هربوا وانتم ستبقون .