نشر بتاريخ: 31/07/2016 ( آخر تحديث: 31/07/2016 الساعة: 17:09 )
غزة- معا- العثور على بقايا هيكل عظمي لجثة مواطن تحت أنقاض احد المنازل المدمرة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، كان قد استشهد قبل عامين يفتح من جديد ملف المفقودين الفلسطينيين الذين فقدوا ويجهل مصيرهم خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف 2014.
فحسب تقارير حقوقية موثقة فُقِدَ خلال الحرب على غزة والتي استمرت 51 يوما عشرات الفلسطينيين، كُشف مصير جزء كبير منهم فيما بقي عدد آخر مجهول المصير دون معرفة إن كانوا بين الأحياء أو الأموات.
مصير مجهول
نور عمران الذي بلغ من العمر هذا العام ثمانية عشر عاما، فقدت أثاره في الحرب الأخيرة على قطاع غزة في الاجتياح الذي استهدف منطقة شرق القرارة في شارع 86.
نور كان قد ذهب كعادته إلى عمله في مزرعة للدواجن في المنطقة المذكورة دون أن يعلم أنها منطقة مجتاحة إسرائيليا منذ ساعات الليل، فدخل المنطقة دون أن يشعر بوجود الجنود الإسرائيليين.
يقول معتصم عمران شقيق نور: إن شقيقه فقدت آثاره بتاريخ 23 تموز من العام 2014 بعد أن غادر المنزل إلى مزرعة الدواجن على دراجته النارية فتفاجأ أن الجنود الإسرائيليين قد اجتاحوا المنطقة دون أن يكون على علم بما يحدث هناك، ولكنه بعد أن دخل المنطقة غابت منذ تلك اللحظة كل المعلومات عنه.
ويؤكد عمران انه منذ ذلك اليوم لم ترد أي معلومات عن شقيقه نور ولا أي اتصال هاتفي من أي جهة كانت، مؤكدا أن العائلة بحثت بشكل مكثف في المكان الذي فقد فيه نور لعلّها تعثر على جثته في حال أنه تعرض لإطلاق النار من جنود الاحتلال، إلا أنها عثرت فقط على دراجته النارية في مكان الاجتياح ولم يكن عليها أثار دماء ولا قصف ولا حتى إطلاق رصاص، فقد ترجل منها وأخذ معه المفاتيح أيضا وبقيت هي شاهدة آخر مكان تواجد فيه قبل فقدانه.
يقول عمران ان اللجنة الدولية للصليب الأحمر حاولت مساعدتهم في التواصل مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال اخذ عينات من الـADN من ذويه لمراجعة الاحتلال، ولكن لم ترد معلومات في هذا الصدد، مرجحا ان تكون قضية المفقودين ومن ضمنها قضية شقيقه نور مرتبطة بشكل غير مباشر بقضية الجنود الإسرائيليين المأسورين في قطاع غزة.
عذابات لم تنته منذ 2014
وتعيش أسرة نور أشد أنواع المأساة جراء استمرار فقدان آثاره، مؤكدة أن المعلومات لو كانت تفيد باستشهاده فأن ذلك سيكون أهون عليهم ألف مرة من عدم معرفة مصيره وإبقائه مجهولا منذ عامين، وتخشى أن تمر السنين وتصبح قضية إبنها وأمثاله من المفقودين نسيا منسيا.
ويتابع عمران: "نور لو راح كان أهون، ولكن المأساة تكمن بين الأمل وفقدان الأمل وان نبقى منتظرين علّ خبرا يأتينا لينهي انتظارنا الطويل"، معربا عن أمله في أن يُكتب لشقيقه الخير إن كان على قيد الحياة أو إن كان قد استشهد.
نور هو آخر الأبناء لوالدته التي ما تزال تشعر أن شيئا ما ينقصها، وتبقى دعواتها في أن يعود سالما وهذا كل ما تملكه لنور في محنته.
الغموض يكتنف ملف المفقودين
الاحتلال الإسرائيلي وتحديدا في إبريل- نيسان من العام 2015 أعلن أن لديه 19 جثة لشهداء سقطوا خلال العدوان الاخير 2014 دون أن يكشف عن أسمائهم، كما ولم تعلن أي جهة فلسطينية عن أسمائهم، وبالتالي بقيت الأسماء والإحصائيات غير دقيقة.
أسباب كثيرة أبقت هذا الملف في إطار الغموض، ولكن العثور على بقايا هيكل عظمي في الشجاعية يُفترض أن يفتح هذا الملف بكل صدق وشفافية لدى الجميع وإعلام الأهالي عن مصير أبنائهم.
الأسباب من الناحية الإسرائيلية
الخبير في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة أكد أن أسباب فلسطينية إسرائيلية تتحكم في فتح ملف المفقودين في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، مبينا أن الاحتلال الإسرائيلي لا يريد الإفصاح عن أسماء يعتبرها ورقة يمكن أن يضغط بها في حال بدأت مفاوضات حول جثث الإسرائيليين وفق الروايات الإسرائيلية.
وأشار فروانة إلى أن عدم إعلان إسرائيل عن أسماء الشهداء وعدم الكشف عن تفاصيل تتعلق بهم أبقت الأمور غامضة في محاولة منها للضغط على حماس، ولاستخدام هذه الأوراق في وقتها لتحسين شروط التفاوض مع حماس.
الأسباب من الجانب الفلسطينيأما الأسباب من الجانب الفلسطيني، فأكد فروانة انه حتى اللحظة لم يكشف ولم يعلن عن عدد المفقودين وبالتالي بقيت الأمور غامضة ايضا.
وقال: "بتقديري أن هناك أمور لها علاقة بدواعِ أمنية وخاصة أن حركة حماس لا تستطيع الإعلان عن أسماء المفقودين ولا تعرف مصيرهم إن كانوا ضمن التسعة عشر أو لا زالوا تحت الأنقاض كما عثر على الجثة في الشجاعية".
وأضاف "ربما هؤلاء المفقودين ما زالوا أحياء ومعتقلين في السجون ولا يريد الجانب الفلسطيني كشف هوياتهم خشية من تبعات أمنية، بالإضافة لمخاوف من توجه الأهالي إلى اللجنة الدولي للصليب الأحمر والمؤسسات الحقوقية وبالتالي الكشف عن دور إبنها في الحرب والمقاومة والمحاسبة والملاحقة الإسرائيلية فيما بعد والعقاب الجماعي لأسرة الشهيد".
طمأنة الأهالي واجب
يؤكد فروانة انه من الواجب إطلاع أهالي المفقودين على كل ما يتوفر من معلومات وأن يتم توضيح مصير أبنائهم إذا كان معلوما لدى المقاومة، وما إن كان مفقودا ودفن تحت الأنقاض وجار البحث عنه أو استشهد في عملية ما حتى يفتخر الأهل بشهدائهم لأننا شعب يفتخر بأبنائه الشهداء، كما يقول فروانة.
وتابع "لو كانوا أهالي المفقودين يعلمون أن أبناءهم استشهدوا وجثامينهم لدى الاحتلال حتما سيكون الوضع أسهل وأكثر طمأنينة للأهل"، مبينا أن العديد من الأسر لا تعرف مصير أبنائها هل هو من التسعة عشر الذين تحدثت عنهم إسرائيل أم هل هم في الأنفاق تحت الأنقاض، وبالتالي هذا يزيد القلق أكثر لدى الأهالي خاصة أنهم لم يبلغوا من قبل الجهات الرسمية.
وأعرب فروانة أيضا عن خشيته أن يكون هؤلاء المفقودين هم من الجرحى المسلحين الذين اعتقلتهم إسرائيل، وقد يكونوا محتجزين في سجون سرية، مؤكدا أن ملف المحتجزين به الكثير من الغموض والإرباك.
إسرائيل تعرقل إنهاء الملفمراكز حقوقية أكدت أن إسرائيل لا تتعاون في إنهاء ملف المفقودين خلال الحرب الأخيرة على القطاع، أسوة بأي ملف يخص قطاع غزة على اعتبار ان هذه المساحة الجغرافية هي كيان معاد.
المحامي في مركز الميزان يحيى محارب واحد القائمين على ملف المفقودين، أكد أن عدم التعاون من قبل النيابة العسكرية الإسرائيلية يعرقل إنهاء هذا الملف أسوة بأي ملف آخر كجثامين الشهداء المحتجزة.
وأكد محارب أن مركز الميزان تابع عشرات الشكاوى والملفات لمفقودين خلال عملية الجرف الصامد في العام 2014، مبينا أنهم استطاعوا الحصول على معلومات لعدد منهم وأنهم معتقلون لدى الجانب الإسرائيلي وانتقل الملف من شكوى مفقود إلى شكوى معتقل.
6 ملفات عالقة
ولفت محارب إلى وجود 6 ملفات حتى هذه اللحظة ما زالت قائمة ومفتوحة، مبينا أن النيابة العسكرية الإسرائيلية تعاونت في بداية الأمر وطلبت توكيلات من ذوي المفقودين، وقام المركز بدوره بتسليم التوكيلات والمصادقة عليها من قبل محامي المؤسسة من غزة ومن الداخل، ولكن للأسف بعد تسليم التوكيلات أوقفت النيابة العسكرية تعاونها في هذه الملفات.
ويتابع محارب: "حتى هذه اللحظة التعاون معلق مع النيابة العسكرية الإسرائيلية بخصوص الملفات الستة التي ما زالت مفتوحة من قبلنا، مبينا انه من ضمن هذه الملفات ثلاثة ملفات المقاومة أعلنت لذوي المفقودين أنهم شهداء بشكل رسمي، لكن بشكل قانوني لم يتم إشعار مركز الميزان من قبل الاحتلال الإسرائيلي بخصوص الملفات هذه.
كما عمد مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى العمل مع وزارة الصحة الإسرائيلية في محاولة للحصول على أسماء لمن ثبت دخولهم إلى مستشفياتها إلا أن الردود في اغلب الأحيان كانت سلبية.
ملف نور
نور الفتى المختفي منذ عامين في منطقة كانت محتلة، يؤكد محارب أن النيابة العسكرية تقدمت بطلب توكيل من ذويه ثم تراجعت عن التعاون، مؤكدا أن الإجراء ليس جديدا على إسرائيل في انتهاك القانون الدولي الإنساني.
وشدد محارب أن الاحتلال الإسرائيلي في ملف نور وملف المفقودين أساسا انتهك القانوني الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وانتهك الأعراف الدولية والمواثيق المتعلقة بحماية الأطفال في النزاعات المسلحة، وبناء عليه لم يتعاون بالمطلق وإنما تعاون بدرجة معينة ثم أوقف التعاون فيما يتعلق بملف نور عمران.
ويبقى ملف المفقودين الفلسطينيين ملفا شائكا يكتنفه الكثير من الغموض والإرباك بينما تبقى لوعة الأهل مشتعلة بمعلومة عن مصير أحبائهم.
تقرير: هدية الغول