الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

سوريا من الحرب بالوكالة...إلى احتمال الحرب المباشرة بين الكبار

نشر بتاريخ: 26/10/2016 ( آخر تحديث: 26/10/2016 الساعة: 15:31 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

كانت مصالح الغرب تتقاتل على الساحة السورية بالإنابة، من خلال أن هناك من يعبر قتالياً عن توجهات الدول الكبرى مدعوماً منها، حتى دخلت روسيا على الخط مباشرة ووظفت ثقلاً عسكرياً جوياً في المعركة، وهو ما اعتبر تحدياً للدول الغربية الكبرى، التي رأت في التدخل العسكري الروسي اخلالاً بموازين القوى، حتى كادت أن تقع مواجهة بين روسيا وتركيا على أثر اسقاط الطائرة الروسية، فانتصرت الحكمة على قرار الحرب لاعتبارات متوزانة من قبل الطرفين، ليتعدل المسار بينهما دبلوماسياً واقتصادياً، عقب تأزم العلاقات التركية الغربية على خلفية الانقلاب الفاشل في تركيا.

ومعلوم أن روسيا تساند بقوة النظام وحلفاءَه، في حين تساند تركيا قوى أخرى ويدعم الغرب فصائل معارضة إسلامية وعلمانية، أما داعش فكان لها داعموها ومساندوها، بمعنى أن الأطراف المحلية في سوريا كانت تعبر عن مصالح وتوجهات خارجية، لدرجة يصح فيها وصف ما يدور على الأرض السورية بحرب عالمية بالوكالة.

غير أن الأمور لم تقف عند هذا الحد، فقد عززت روسيا موقفها العسكري في سوريا وأصبحت لاعباً سياسياً رئيساً لا مجال لتمرير أية حلول بمعزل عن الموافقة الروسية، وها هو الدعم الروسي بل التدخل المباشر يقترب من حسم الأمور في حلب، وهذا ما يعتبره الغرب تغييراً في قواعد اللعبة لصالح النظام، لأن تحرير حلب يعني بالضبط مرحلة جديدة في مسلسل اندحار الفصائل المعارضة بخاصة التكفيرية، وفي ذلك انتصار لروسيا وللقيادة السورية وحلفائها.

ان التصعيد في اللهجة بين روسيا والغرب، يعكس ما يجري على الأرض، إذ ترى الدول الكبرى الغربية أن روسيا مستمرة في عودتها من البوابة السورية، إلى الساحة الدولية كقوة فاعلة ومتحدية على وشك أن تطيح بالقطب الواحد وتعيد للروس نديتهم، فروسيا اليوم هي ليست نفسها قبل خمس أو عشر سنوات.

الرئيس بوتين بات يدرك أكثر من أي وقت آخر، بأنه قطع مسافة مهمة على طريق تحقيق أهدافه في جعل روسيا تقف على رأس الهرم العالي مقابل الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك لا يخفي تشبثه بمواقفه من القضية السورية، محاولاً افهام الغرب بأن زمن اللعب مع بلاده قد ولى، مذكراً بأن تكرار قصف الجيش السوري، كما فعلت الطائرات الأمريكية لن يمر هكذا، لأن أي قصف جديد يهدد حياة الخبراء والضباط الروس الذين يرافقون الوحدات السورية في كل المواقع وعلى الجبهات كافة، وأي تجاوز للخطوط الحمر على هذا الصعيد سيلقى رداً روسياً غير مسبوق ،ولم يتردد بوتين في القول إن الطائرات الامريكية ستكون هدفاً واضحاً في حال الاقدام على عملية قصف جديدة تستهدف القوات السورية والخبراء والضباط الروس.


والحقيقة، ان أي خلل فني بين الكبار على الساحة السورية، ودون إخضاع الأمور لحسابات دقيقة أو القيام بتجاوز قواعد اللعبة المعمول بها، سيشعل شرارة مواجهة كونية قد تقود لحرب نووية، ستكون نتيجتها كارثة كونية، حيث لا يمكن مسبقاً التكهن بما ستؤول إليه، أي توقع من المنتصر ومن الخاسر، فلا منتصر في حرب نووية، فسيّد الموقف في هذه الحالة هو الدمار وقتل الملايين، فإذا كان للغرب نفوذه وقوته العسكرية والتكنولوجية، فإن للروس ترسانتهم من الأسلحة التقليدية والنووية، إلى جانب بروز روح التحدي لديهم وإرادة العودة إلى رأس هرم القوة والتاثير والنفوذ على المستوى العالمي، فالروس على اختلاف انتماءاتهم ومواقفهم يحركهم الحنين إلى مرحلة كان لدولتهم فيها كلمة الفصل على المستوى الأممي، وهم يتحسرون على السنوات التي خبت وتراجعت فيها هيبتهم.

لقد تغيرت المعادلة الدولية وسوريا شكلت محور هذا التغيرّ، فروسيا اليوم هي ليست كما في الأمس، والولايات المتحدة بعد سلسلة من الاخفاقات في افغانستان والعراق وليبيا، وبعد فشلها في تحريك عملية السلام في الشرق الأوسط، ليست كما كانت في سنوات انهيار وتفكك الدول الاشتراكية، بينما ينجح الروس في فرض حضورهم من خلال قواعد ناظمة مع سوريا وإيران ومصر وإسرائيل وفلسطين وتركيا، إلى جانب نجاحهم في التأسيس لتحالف استراتيجي مع الصين، ذات الثقل العالمي اقتصادياً وعسكرياً.