الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

احذر.. السيارة تتجه يساراً

نشر بتاريخ: 26/10/2016 ( آخر تحديث: 26/10/2016 الساعة: 20:23 )

الكاتب: عبد الناصر سلامة


فقط نود أن نفهم، قد نستوعب، قد نُصبح من أنصار بُشرة خير، الصعيدى مع البورسعيدى، والمحلاوى مع السويسى، والإسكندرانى مع الزعبلاوى، قد نصبح من المواطنين الشرفاء، نرقص فى الصباح بالعلم السعودى، وفى المساء بصورة خامنئى، قد نُصبح من المتيّمين والمريدين والمسبحين بحمد الإنجازات والمشروعات التى لا أول لها ولا آخر، فقط نبحث عن الإجابة، هى مصر رايحة فين؟ وليه؟ وعشان إيه؟ الواضح إنها رايحة مع حفتر المكروه فى ليبيا، ودحلان المطلوب أمنياً وجنائياً فى فلسطين، وجعجع مجرم الحرب فى لبنان، رايحة مع البوليساريو فى مواجهة المغرب، ومع إيران فى مواجهة دول الخليج، ومع روسيا فى مواجهة الولايات المتحدة، الأكثر من ذلك والأهم، أنها رايحة مع آخرين فى مواجهة أهل السُنّة!!
باختصار مصر تتجه إلى اليسار، قد يكون الاتجاه إلى الخلف، قد تكون هناك استراتيجية محسوبة العواقب، وقد يكون الأمر غير ذلك، فى كل الأحوال نحن أمام مخاطرة من الحجم الثقيل، بوادرها واضحة، كما نتائجها السلبية تماماً، من حق الشعب أن يعى ما يدور حوله، حتى يكون شريكاً فى الإنجاز، أو حتى فى الفشل، التفويض لم يكن أبداً على بياض، كما لا يجب أن يكون كذلك، هناك حكومة يجب أن تكون فى الاعتبار، قد تكون فى التوهان، هناك برلمان كان يجب الرجوع إليه، قد يكون دون المستوى، إلا أن الشعب فى كل الأحوال صاحب الحق الأول والأخير فى تقرير مصيره، هو الذى يعانى الآن، وهو من سيسدد الفاتورة كاملة فى نهاية الأمر.

الرهان على المشير حفتر فى ليبيا، على غير رغبة المجتمع الدولى، وعلى غير رغبة الليبيين أنفسهم، لا يمكن أن يكون محسوب العواقب، ولا يمكن أن يحقق فائدة، لا للدولة المصرية، ولا للدولة الليبية، مما يجعلنا أحق بأى دعم مالى أو عسكرى يُنفق أو يُبذل من أجل استمراره، كذلك لا يمكن لأى عاقل أن يراهن على دحلان فلسطين هو الآخر، ذلك أنه متهم رسمياً بالمساعدة فى قتل الرئيس الراحل ياسر عرفات، ناهيك عن أنه متهم من أبناء جلدته بالعمالة لإسرائيل، كذلك الحال فى لبنان، لا يعقل أبدا اعتبار مجرم الحرب سمير جعجع، أو حتى حزب الله، بديلاً لسعد الحريرى أو كتلة تيار المستقبل، معتبرين مثلاً أن الحريرى هو رجل المملكة السعودية.

قصة البوليساريو والصحراء المغربية طويلة ومعقدة، لم يستطع العالم اتخاذ موقف حاسم بشأنها، ولا حتى الأمم المتحدة، القضية أكبر من مجرد قرار باستضافة وفد من هناك، يتسبب فى توتر الأجواء مع المغرب، وربما قطع العلاقات، حتى لو كان ذلك سوف يتيح تعاونا أكبر مع الجزائر، قد يكون نفطياً، وقد يكون أمنياً، أما ما يتعلق بإيران وروسيا فهو اللعبة الأخطر فى ذلك السيرك الكبير المنصوب الآن فى ميدان تقسيم المنطقة، طائفياً وعرقياً، هذه اللعبة التى كانت تحتاج فى أدائها إلى سنوات من التدريب العنيف، بعد أن تكون اللياقة قد اكتملت تماماً، كما المهارات، ما هو بخلاف ذلك يعد مجازفة، قد ينفرط معها عقد ذلك السيرك، الروسى فى ظاهره، الأمريكى فى باطنه.

وقد يكون الروس، كما الأمريكيين، كما الغرب عموماً، قد اكتشفوا خطر الإسلام السُنى عليهم بطريقة أو بأخرى، فقد اكتوى به الروس فى أفغانستان على مدى ثمانى سنوات، وقت أن كانوا إمبراطورية سوفيتية، قبل أن يكتووا به مرة أخرى فى الشيشان، بينما لايزال الأمريكيون يعيشون هلاوس الحادى عشر من سبتمبر السُنية، المنسوبة لتنظيم القاعدة، إضافة إلى الأزمات التى تسببوا فيها مع السُّنة على امتداد جغرافيا العالم، نتيجة ذلك الموقف المنحاز طوال الوقت لدولة الاحتلال، إسرائيل، بينما التفجيرات التى شهدتها بعض دول الغرب فى السنوات الأخيرة قد أكدت هذا الخطر السنى، على الرغم من شبهة صناعتها مخابراتياً من أجل الوصول إلى هذه النتيجة.

ربما كان هذا الموقف الغربى الأمريكى الروسى بمثابة نقطة التقاء مع مصر، أو توافق فى الرؤى والأهداف، رأى البعض أنه يمكن من خلاله تغيير التحالفات، خاصة أنه يتوافق مع ضغوط بعض النخب السياسية والثقافية، التى عمدت دائماً خلال لقاءاتها مع القيادة السياسية إلى تصوير الوهابية السعودية السُنية كفزَّاعة تهدد أمن المجتمع واستقراره.

من هنا جاءت صور المرشد الإيرانى على خامنئى بشوارع القاهرة، كبداية ليس على الطريق الدائرى، أو المحور، أو أكتوبر، وإنما على الطريق السياسى للمستقبل فى مصر، سوف تتلوها إجراءات أخرى بالتأكيد أكثر غرابة وتحولاً، فى إطار مغامرات أخرى، أعتقد أنها سوف تكون أكثر خطورة، مع التسليم الواضح بخصوصية للقوات الروسية، براً وبحراً وجواً، بما يعيدنا إلى تلك القرارات والتوجهات، المعلومة للجميع، التى شهدها العام ١٩٥٦، والتى كانت نتائجها أيضاً معلومة للجميع فيما بعد، ومن هنا يأتى وجه الشبَه مع الآخر.. هو مجرد تحذير: السيارة تتجه نحو اليسار، وقد تكون إلى المجهول، انتبهوا أيها الركاب.