الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

طريق المصالحة سالك الآن والمطلوب ... تحويل الأقوال إلى أفعال

نشر بتاريخ: 05/12/2016 ( آخر تحديث: 05/12/2016 الساعة: 15:08 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

مؤتمر حركة فتح السابع شكل فرصة مواتية لحركتي فتح وحماس، لكي يؤكدا رغبتيهما في إتمام المصالحة ودفع الأمور إلى حكومة وحدة وطنية تأخذ على عاتقها اجراء انتخابات ديمقراطية تفرز قيادة منتخبة للفلسطينيين، بعيداً عن الفرض والإقصاء والاستئصال.
خطاب الرئيس محمود عباس الجامع الشامل الذي وضع النقاط على الحروف في السياسة والنضال والعلاقات الداخلية والمهمات الدولية والاقتصاد والتنمية وفي الموقف مما يجري على الساحات العربية، أعطى أولوية لإتمام المصالحة، مؤكداً أن صندوق الانتخاب هو وحده من يحدد الذي يقود الشعب الفلسطيني.

وكان سبق خطاب الرئيس، كلمة مؤثرة القيت بالنيابة عن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لقيت ترحاب المؤتمرين، أولاً لأن الكلمة بحد ذاتها هي مبادرة تنم عن حرص وطني واعتراف بالآخر الفلسطيني واستعداد للتعاون والتكامل معه، وثانياً لأنها حملت استعداداً أكثر من نظري لتوحيد الساحة الفلسطينية، فما جاء في الكلمة يمكن اعتباره خطوة عملية على الطريق.

أما لماذا حدث هذا التطور في منطق الجانبين؟
فأرى أن له مبرراته الحركية والوطنية الموضوعية إضافة إلى المبررات العربية والدولية، فالحركتان أدركتا بعد هذه السنوات العجاف، أن الواحدة منهما دون الأخرى ستظل واقفة في ساحة خطرة على قدم واحدة، وهذا الوقوف له محاذيره وتحدياته، في ظل انعدام التوازن وإمكانية السقوط.
ففي قطاع غزة، الحصار والتجويع والتنامي السكاني والسجن الكبير وشبه العزلة الدولية، وفي الضفة الاستيطان وتقطيع الأوصال والجزر المعزولة والمناطق المستباحة.

أما العالم العربي فهو منشغل الآن بحروب وتقسيمات وتجزئة المجزأ انسياقاً وراء ظل توجهات طائفية ترى في الطائفة أهم وأوسع وأكثر استراتيجية من الوطن، فيما العالم الأوسع محكوم بتحالفاته الاقتصادية ومصالحه، بحيث لا يرى في الوطن العربي سوى خيرات وأسواق وجغرافية ومناطق نفوذ، ليصبح في المحصلة النهائيةفي المشهد المألوف للمواطن العربي قوافل لاجئين تصرخ جوعاً وبرداً تحت خيام متهالكة.

ونحن نستمع إلى خطاب الرئيس القاطع الشامل، تأكدنا أننا نستمع إلى مخزون خبرة دبلوماسية هي ثمرة عمل سياسي امتد أكثر من نصف قرن، وما تناوله ليس مرتبطاً بمقتضيات اللحظة فحسب وإنما نتاج تراكمي أسس لهذا الحصاد النوعي، بما حمله من فهم دقيق لتعقيدات القضية الفلسطينية وتشابكاتها وامتداداتها الكونية.

وبقدر ما كشف الخطاب عن تحديات جسام في هذه المرحلة، فإنه في المقابل كان مفعماً بالأمل، مؤمناً بالتغيير الذي سيأتي به الغد، معتمداً على حركة التاريخ وحركة الزمن، فالعالم يتغير وإسرائيل وحدها هي الثابت المتجمد، بيد أن هذا الجمود وإنْ بدا قوياً متطرفاً، فلا يمكن له أن يوقف حركة الزمن التي لا تعود القهقرى، كونها تقدمية بامتياز.

مقابل ذلك فإن من يعتقد أن حركة حماس هي تشكيل تنظيمي سياسي ايديولوجي ثابت مقولب، فإنه لا يقرأ التطور الذي حققته الحركة في السياسة وفي ملاءمة أشكالها التنظيمية وفق الظروف والمستجدات، إنها تتفاعل مع المتغيرات العالمية، تقرأ وتستنتج، وفيها آراء ومواقف نقدية لا تجعل كل شيء في إطار المسلمات وكفى.

وبالتأكيد، فإن ما تضمنته كلمة خالد مشعل أمام مؤتمر حركة فتح، هو نتاج لقراءة متأنية فلسطينية وعربية ودولية، وادراك منه بأن لا فصيل يستطيع بمفرده أن يقرر في السياسة والميدان دون التكامل مع الكل الوطني.
ما ذكرت واسلفت يمثل مقدمات جدية للطرفين، للمعني بالمصالحة إلى أبعد مدى وصولاً إلى تطبيقها وترجمتها على الأرض، لتتحول الطاقات إلى مباراة في العمل والإنتاج وخدمة المواطن، بدل أن يظل الانقسام حملاً ثقيلاً على ظهره يثقل كاهله، ويفقده الاتجاه ويجعله يكفر بالتوجهات والتنظيرات جميعها، فما فائدة الحديث والكلام المنمق والوطن ممزق، مشتت، والجغرافيا بلا جغرافيا.

العتاب المرير لا يُحدِثُ مصالحة، وتعداد كل طرف لما عاناه من الطرف الآخر، لا يوحد الصفوف، بل يثير المواجع والأحقاد، وإنما الذي يصيغ الحلول ويوحد الخطوات هو إرادة الوحدة التي لا بد وأن تخرج من قوالبها النظرية إلى العمل والفعل، فكل يوم تأخير يعني مزيداً من المقامرة بالزمن، فيما نحن بحاجة إلى عقول سياسية ووحدوية وبوصلة دقيقة وليس إلى سياسة القمار أو قمار السياسة.