الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

البداية مع طالبة بجامعة بيرزيت- اسرار رواية يامن النوباني

نشر بتاريخ: 18/02/2017 ( آخر تحديث: 19/02/2017 الساعة: 16:21 )
البداية مع طالبة بجامعة بيرزيت- اسرار رواية يامن النوباني
بيت لحم- تقرير ياسمين الازرق- معا- " حين يتلاعب أحدهم بجغرافيا الوطن، يطل شهيد ويعيد الحدود إلى أصلها" أحد جمل روايةٍ وحّدت بالحب وأكثر من سبعين شهيداً شقّي الوطن، حينما كُتبت في الضفة ودقّقت في غزة، مخترقةً الحواجز، القوانين، الانقسام، أرشيف الاتفاقيّات النّاقصة وحتّى شحّ الإمكانيات وعدم القُدرة على اللقاء.
"المسافة بينَنا شهيد" رواية للكاتب الشاب يامن النوباني (30 عاما) من قرية اللبن الشرقية جنوب نابلس، مهّد مرّاتٍ عدّة لإصدارها، كتب عبارات متفرّقة، علّق الكثيرون مطالبين بها، حاولوا قتل المسافة لاقتنائها، لكنّهم لم يعرفوا كيف وُلدَت من رحمَين ضيّقت عليْهما الحواجز وتركَ لهما الوطن فسحة لقاءٍ في كتاب.
في بدايات العام 2013 تعرف يامن على بسمة (اسم مستعار) وهي طالبة تجارة في جامعة بيرزيت، وذلك خلال ندوة أدبية عقدتها مجلة فلسطين الشباب في الجامعة، وكان هو أحد المتحدثين فيها.
وجد يامن في بسمة الصبية التي يهمها الشهداء وتفاصيل جغرافيا الوطن، فكانت علاقتهما بداية الفكرة للمسافة بيننا شهيد.

"الكتابة بحاجة لقضية"
يقول يامن لـ معا، إن الكتابة بحاجة لقضية، لا يمكنك أن تكتب لمجرد الهواية.. ستحاكي قضيتك أحداث ومشاكل المجتمع، لتتحدّث فيما بعد عن أشخاص لم يعيشوا تجربتك إنما عاشوا القضية.
القضية ليست بالكتاب فقط، بل بما وراء إصداره، فقبل ما يزيد عن ثلاثة أعوام فكّر يامن "أن هنالك الكثير من الشهداء الذين لم يُكتب عنهم بشكلٍ أدبيّ يليق بهم، ذكروا بقالب جامدٍ، في خبر قصير أو مادة توثيقية، ونُسيت حياتهم العادية"، وهكذا قرّر الكتابة عنْهم.
قبل أن يُصدر "المسافة بيننا شهيد" كان يامن قد أصدر كتابين "صوفيا لا أحد" و"ذاكرة اللوز" والذي التقى بسببه ساجدة رمضان (26 عاما) من مخيم خانيونس جنوب قطاع غزة.
رمضان التي أنهت دراستها للغة العربية، كانت قد قرأت كتاب "ذاكرة اللوز"، فشُدّت لما فيه من قدرة على التّصوير، ولبساطة كاتبه فقد وجدت أخطاء نحوية بشكلٍ لم يؤثر على فحواه، على حد قولها.
بين الضّفة وغزّة صار "المسافة بيننا شهيد" حقيقة
عرضت رمضان على يامن مراجعة نصوصه، وعندما بدأت "المسافة بيننا شهيد" بالنّهوض من عتمة الفكرة إلى نور التطبيق، كانت الصداقة قد جمعتهما وبشكلٍ ودّيٍ فصار يبعث نصوصه لها عبر "فيسبوك" لتطبعها على الورق، فتدقّقها بثلاثة أقلام لها ألوانها المختلفة، قبل أن يجريا اتصالا هاتفيّا طويلا لينقحا النّص من خلاله.
"قرأنا الرواية كلمة كلمة على الهاتف، ناقشناها سطرا سطرا، كنت أطبعها على الورق لأنقّحها، فلو اعتمدت على جهاز الحاسوب لما أنجزنا شيئا بسبب انقطاع الكهرباء في غزة". أضافت رمضان.
شح الكهرباء، وانقطاعها المستَمر، عدم استمراريّتها، وخضوع أهالي قطاع غزة لجدول الكهرباء، ما بين 12 ساعة قطع تقابلها 6 ساعات وصل، أو 8 قطع تليها ما يكافئها، جعل العمل على الحاسوب أمراَ شبه مستحيل، فاستبدلوه بالهاتف والورق، وهنا قطعا المسافة مرة أخرى.
"لأسباب كثيرة اخترت ساجدة لتنقّح الكتاب، أو لربّما هي من اختارت" قال يامن لـ معا.
تقول رمضان، منذ أن تكوّنت فكرة الكتاب إلى حين إصداره، تغيّرت حياتي كاملة، مررت بفترة ارتباط وخطبة، تزوّجت وها أنا اليوم حامل بالشّهر السّابع، لكنّي استطعت عيش الأحداث في الضفة، أسلوب يامن أوصلني إليها، والزّخم البسيط في السّرد أيضا.
أثناء حديث معا مع ساجدة عبر الهاتف، قُرع الباب لتصلها نسختُها الموقّعة بخطّ يامن كاتبا لها:" العزيزة سجود، إليك تعبنا المشترك، والجمال الذي صغناه". فلمْ تمسك أمامنا دموعها ولا ضحكاتها المتقطّعة عبر الهاتف، التي أكّدت أن الحواجز يُمكن أن تخترق.
وبعد ثلاثة أعوام وستّة أشهر من الكتابة، و45 ليلة سبقت إصدار الطبعة الاولى، سهر فيها يامن حتى الساعة الثانية و الثالثة فجراً وهو يدّقق وبنقح ويحذف ما لا يلزم، خرجت الرّواية إلى النّور.
مع انقطاع الكهرباء وشحّ الامكانيات المتوفّرة للتواصل بين الطرفين، كان من الطبيعي أن توجد أخطاء نحوّية أو إملائية بسيطة بالطّبعة الأولى، والتي أكد يامن لـ معا، أنه يعمل على تنقيحها لتجنبها في الطبعة الثانية التي ستصدر خلال أيام في الأردن.
المهم أن الرواية استطاعت أن تتخطى الحدود، يقول أحد الكتاب الشباب حمزة حسن من غزة، "الكتب الّتي تأتينا من وراء الحاجز قافزة من الضفة المحتلّة إلى قطاع غزّة المحتلّ، دائمًا ما تكون خائفة، ودائمًا ما نعطيها حقّها الكثيف من العناق.. عن المسافة الّتي قطعها كتاب يامن نوباني "المسافة بيننا شهيد" إلى غزَّة، ولطالما تمنيت أن تصبح المسافة بيننا بهذا القدر"..
عن "المسافة بيننا شهيد"
تقع الرواية في 160 صفحة من القطع المتوسط، وكانت لوحة الغلاف للفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان العلي، والتي تعكس صورة من انتفاضة الحجر.

ويحتوي الكتاب على مجموعة من النصوص، التي أخذت شكل السرد المطعم باللغة الشعرية، وجاءت على التوالي: طفولة وحب وحدود، منعطفات اللوز، المسافة بيننا شهيد، دلال ومطر وسجن، بيننا أغنية، الغياب و51 يوما من الحرب، الهبة الشعبية، زمن النقيفة، الطريق إلى البيت، كما نقلت الوكالة الرسمية.

"أنت تتقدم في العمر لكن ترجع في الكتابة للوراء"
على طفولته وذكرياته، وحارته الصغيرة شكّل يامن هيكل نصوصه، وبعث فيها الحياة، يقول لـ معا، في "المسافة بيننا شهيد" أصبحت الطفولة الموجودة "في ذاكرة اللوز" أعمق، فنحن كلما كبرنا نتذكر مواقف حدثت لنا بعمر أصغر.
"أردت للحظة أن أتخطى الحارة وضجيجها، لكن امكانياتي أوصلتني للقراءة والكتابة، ولاحقا وجدت أن محيطي أصبح حيّا في كتاباتي، أو أنه هو الذي جعلها حيّة". يوضح يامن لـ معا كيف بدأ بالكتابة.
علاقة يامن باللوز والميرمية
يامن الذي ولد وعاش في قرية تكبر فيها أشجار اللّوز مع أطفالها، انتقل تعلّقه بها إلى كتبه الثلاثة التي ذُكر فيها بشكل قويّ، حتى أنه تعوّد حينما يذهب لمكان خارج مدينته، لزيارة صديق أو توقيع مجموعة كتبه، أن يحمل في حقيبته الكثير من الأقلام والميرمية وزهر اللوز، صارحنا بأن موعد إصدار الرواية الذي جاء مع إزهار نوّار اللوز لم يكن صدفة.
يقول: اللون الأبيض مريح نفسيا، وغالبيتنا يفرح حينما ينزل الثلج، ولذلك اختاروه للأفراح، وأنا كذلك لا أرى أنقى من درجته الموجودة في نوار اللوز.
في "المسافة بيننا شهيد" كباقي كتبه بشكل أعمق، أثبت يامن تعلّقه بالاحداث الوطنية كالانتفاضة الاولى والحجر، والتنظيم في القرى والإصلاح، وكيف كانت التنظيمات لها هيبتها ومكانتها بين الشّعب.
ويؤكد يامن تعلّقه بالانتفاضه:" في الانتفاضة الأولى كان من سبقونا يرفعون الأعلام على المآذن والبيوت، الآن بقيت العصي التي كانت تحملها، وكأنها تنادينا نحن الجيل الجديد، لنعيد وضع الأعلام على العصي، تذكّرنا بأن العلم الفلسطيني يجب أن يُرفع من جديد".
وعندما كان يكتب عن الشهداء، قصد أن يزور منازلهم، ويختلي بحاجياتهم، يقول يامن:" كنت أحاول دائما أن أتشرب الموقف والمشهد ليتحول من نص عادي إلى أدبي".
أما الهبة الجماهيرية فكان تواجدها شحيحا في الكتاب، يقول يامن: أستطيع الكتابة عنها، لكن لم أكن راضيا عن المرحلة الحالية، عاطفيا فكريا أو حتى جغرافيا.
لكنّه ذكر من الهبة الجماهيرية مثلا "سيتذكر الأطفال غدًا أسماء من دافعوا عنهم، سيقولون: كان على جيلنا مهند الحلبي". لافتا إلى أنّه طبّق ما نتبادله بين أصدقائنا "جرب انت أول" فخرج من صمتِ المجتمع وصّوب كفّي الوطن.
وصلت الرواية إلى جميع مناطق فلسطين تقريباً غير آبهة للحدود، سافرت إلى الأردن، وحلّقت إلى بلادٍ أخرى، لكنّ القضية بقيت واحدة، وظلّت المسافة تقصُر كُلّما قُرئت "المسافة بيننا شهيد" بشغف في مدينة أو بلد جديد.