الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الصراحة راحة..

نشر بتاريخ: 26/02/2017 ( آخر تحديث: 26/02/2017 الساعة: 11:22 )

الكاتب: رامي مهداوي

" صراحة" هو تطبيق انتشر مؤخرا على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، يتيح هذا التطبيق كتابة رسائل لأحد مستخدمي فيس بوك بغرض عرض رأيهم فيه بصراحة وذكر مميزاته وعيوبه مع عدم إظهار هوية الراسل. سرعة انتشاره في الوطن العربي بشكل عام وفلسطين بشكل خاص؛ يبرهن بأننا شعوب وقبائل لا تتحدث مع بعضها البعض بصراحة، ونكتفي بالمجاملات والابتسامات التي تخفي بطياتها عكس المراد بها.
أصبحت الصراحة غالية الثمن، نخشى من ممارسها كفعل طبيعي بين البشر، نهرب منها وكأنها ستقودنا للهاوية في علاقاتنا الإجتماعية والسياسية والإقتصادية. نخشى على أنفسنا من ممارسة حق بسيط في التحدث مع من هم حولنا بتجرد وبساطة، وكأن الصراحة أداة من أدوات الحروب الإنسانية بين بعضهم، مما جعلنا نستخدم المثل القائل" لسانك حصانك إن صنته صانك" بغير مكانه، نبرر به عدم حديثنا بشفافية وتسمية الأشياء بمسمياتها، مع الأخذ بعين الإعتبار بأن لهذا المثل دلالات أخرى عكس ما يتم تفسيره والإختباء خلفه!
أستطيع أن أستنتج بعد ما قرأته من خلال متابعتي لمن اشترك في هذا التطبيق وما ينشر على الفيسبوك، بأن المواجهة كفعل أولي للصراحة لا نستطيع أن نقوم بها، نهرب وكأننا لا نريد أن نخسر من حولنا اذا ما واجهنا بعضنا البعض وتحدثنا بأريحية، أن يواجه الصديق صديقه أو صديقته بموضوع ما محدد مع فنجان قهوة!! وكما قالت لي صديقة إيطالية من مناصرين قضيتنا يوما ما " أنتم العرب تخسرون صداقاتكم لأنكم لا تتحدثون بصراحة خوفاً على خسارتها!!"
وربما أظهر "صراحة" كمية عالية من الحقد و "الغيرة/الحسد" ربما يعتبرها البعض طبيعية منذ البدايات وأكبر دليل هابيل وقابيل، أو ما احتواه الشعر العربي زمن الجاهلية من مدلولات ومعاني، لكن هنا يطرح عدد من الأسئلة: هل الزمن تغيرت أدواته في التعبير عن عواطفنا؟ وهل أدوات التواصل الإجتماعي أصبحت ملجأ للأحقاد والتصيد في المياه العكره؟ مع أنه بالماضي كنّا نعبر عن الحب برسائل مكتوبة على الورق، وننتظر الرسائل أن تصل بالبريد ونشّم عطر الحبيب من خلال الرسائل التي كتبها بحبر الشوق والغرام، وكانت الصحف اليومية مليئة بالمواجهات الفكرية بين الأقطاب الفكرية لكن دون أحقاد وحروب؟!
صراحة، قام بتعريتنا أمام أمراضنا المجتمعية المختلفة لدرجة جعلتني أطالب مؤسس الفيسبوك مارك زوكربيرغ بدراسة حالنا الإفتراضية من قبل علماء النفس على نفقته الخاصة لأنه يتحمل مأساة الحقيقة التي وصلنا لها، وهنا تولد أسئلة جديدة: هل الغرب يتعامل مع أدوات التواصل الإجتماعي كما نحن_العرب_ نتعامل معها؟ وهل أمراضنا الإفتراضية كما هي أمراضهم؟!
الصراحة راحة هكذا قيل، لكن علينا أن نختار كلماتنا بعناية حتى لا يتم اساءة الفهم، الصراحة وجه لوجه أفضل من المواجهة غير المباشرة من خلال أدوات تسبب سوء الفهم من الأساس، التواصل المباشر ودون وسائط تجعل من علاقاتنا بمختلف مستوياتها أفضل من أي تطبيقات كانت.