السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

شدّة وبتزول

نشر بتاريخ: 03/03/2017 ( آخر تحديث: 03/03/2017 الساعة: 15:32 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

استنفذ شعب الارض المحتلة كل الممكن في خلق انتفاضات حضارية شريفة وطاهرة تقاوم الاحتلال من دون أن تتلوث أو تفقد طهارة السلاح. ومنذ ثورة 1936-1939 ومرورا بكل الانتفاضات ووصولا الى انتفاضة القدس ظلت الارض المحتلة مصدر الهام لكل الشرفاء، ولا يزال هذا الشعب الصابر المؤمن يقدّم نماذج العطاء والبذل والاخلاص ويحاول جاهدا أن يعيش قبل أن يقتل، أن يعمل قبل أن يتمرد، ان يطيع الله قبل أن يعصي الاحتلال. ولكن الاحتلال والمتطرفون الارهابيون أفشلوا كل الفرص وعاثوا فسادا في الارض لدرجة لم يعد هذا الشعب يتحمل أن ينتظر أكثر، او يصبر أكثر.
وفي قراءة مستنيرة للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتنظيمية والادارية سنجد ان مؤشر الحياة في الارض المحتلة قد تعرّض لحملة غير مسبوقة من القهر والافلاس والافقار والاحباط، وان ما جرى لنا منذ توقيع اتفاقية اوسلو لم يكن صدفة وانما كان ثمرة شيطانية لخطط المجحوم شمعون بيريس الذي قال في العام 1995 ان الفلسطينيين في هذه الارض يريدون مساواة انفسهم ومستوى حياتهم مع اليهود في تل ابيب وهو ما ستعمل اسرائيل على تغييره ليصبح طموح الفلسطيني في الارض المحتلة ان يعيش بمستوى دخل وخدمات تشبه الفلسطينيين في الاردن او سوريا او لبنان.
وبالفعل قامت اسرائيل بادئ الامر بضرب الطبقة العاملة وعملت على تحطيمها وافلاسها، ولمن يذكر جيدا فقد كان دخل كل اسرة فلسطينية بها اربعة عمال يساوي عشرة الاف دولار شهريا اما اليوم فيساوي دخلها صفر.
وكان مستوى دخل كل اسرة بها اربعة جامعيين او اطباء ومهندسين يصل الى 20 الف دولار شهري اما اليوم فلا يصل دخلها الى 200 دولار شهري او عاطلين عن العمل يبشكل كامل. وأدى ذلك على الفور الى ضرب القيمة الاجتماعية للتعليم العالي، وانعكس فورا على التجارة والصحة وقوة تأثير الاسرة والمدرسة، فاهتزت القيمة المعنوية للمعلم والاب وتزامن ذلك مع انتقال سكان الارض للعيش في قارة الفيسبوك والانتقال التدريجي من واقع الحال الى العالم الافتراضي.
عدد العاطلين عن العمل، مع حساب عدد الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل، وانقلاب الهرم الاجتماعي بشكل واضح ( مقابل كل مسّاح هناك عشرة مهندسين) سيؤثر بشكل كامل على الاداء الوظيفي للفرد واللجماعة وللمجتمع بشكل عام، ويؤدي الى صراع وظيفي هائل لا يمكن حسمه او وقفه الا من خلال اعادة تنظيم المجتمع وتوزيع مهامه على اساس خلق فرص عمل تلبي كرامة العيش والحكم الرشيد وتوزيع عادل للثروات.
ما تفعله الادارة المدنية للاحتلال وما تنشره مؤخرا يؤكد ان المجتمع الفلسطيني يتحول رويدا رويدا الى منطقة منكوبة اقتصاديا واجتماعيا وسايكولوجيا وخدماتيا، وتتحول السلطة رويدا رويدا الى دولة فاشلة بالمفهوم السياسي ( لا تسيطر على مواردها ولا على حدودها ولا على امنها ولا على خططها ومناطقها الجغرافية والديموغرافية).
وخلال هذه الازمة يمكن تقسيم المجتمع الفلسطيني الى عدة اقسام ( اللاجئون الى الغرب - الضفة الغربية - داخل الخط الاخضر - اللاجئون الى الدول العربية - قطاع غزة ) . ومن ناحية اعلامية نتجرأ على القول ان السنوات الماضية حوّلت اللاجئين في الدول العربية الى اسفل الهرم لان ظروفهم صارت الاسوأ والاكثر خطورة لا سيما بعدما حدث في سوريا والعراق وما يحدث في لبنان، وبعدها من ناحية سوء الاوضاع يأتي قطاع غزة المحاصر، ثم الضفة الغربية ويليها اللاجئون الى الغرب واخيرا من ناحية السوء تأتي اوضاع الفلسطينين داخل الخط الاخضر. وهذا لا يعني ان اسرائيل تمنح الفلسطينيين أفضل حياة بل يؤكد على ان عدم خروج الفلسطينيين من منازلهم هو أفضل حل.
ان مستقبل الفلسطينيين في الارض المحتلة خلال السنوات العاشرة سيعتمد على عوامل عدة أهمها: توضيح الشعار السياسي، حل المشاكل الاقتصادية من خلال خطة طوارئ دولية، عودة فورية للاجئي لبنان وسوريا الى الضفة الغربية.
دون ذلك، مجرد شعارات واهية لا قيمة لها ولا تقنع سوى صاحبها.