الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مكافحة التبغ.. مسألة عالمية تنتظر إجابة صادقة من أجل تحرك فاعل

نشر بتاريخ: 13/03/2017 ( آخر تحديث: 13/03/2017 الساعة: 13:27 )
نقلا عن "فاينينشيل تايمز" البريطانية
على الرغم من النصيب الكبير الذي تستحوذ عليه مسألة مكافحة التبغ من اهتمام المشرّعين وصنّاع القرار ومنظمات وهيئات الصحة وحركات مكافحته العالمية، باعتبار ذلك أولوية على طريق الحفاظ على الصحة العامة واستدامتها، إلا أن الجهود المبذولة قد تكون ضلت طريقها، ما أعاقها من الوصول لحلول أكثر فعالية من تلك القائمة.
الباحث في الموضوع سيلحظ حقيقة أن القوانين والإجراءات العالمية التي ما زال يُسن المزيد منها لحظر استهلاك التبغ، والحملات التوعوية التي ما زالت تنطلق من هنا وهناك، لم تُجدِ نفعاً في تقليص أعداد المدخنين، على العكس من ذلك تماماً فإنها إن لم ترتفع ولو بنسبة طفيفة، فقد ظلت على أدنى تقدير ثابتة، وهو الأمر الذي أكدته دراسة قدمتها جامعة ستيرلينغ ونشرتها في مجلة "توباكو كونترول Tobacco Control" في وقت سابق.
ولإصابة كبد الحقيقة على نحو أدق وأصرح، فإن هذه القوانين والإجراءات لن تجدي النفع المطلوب؛ ذلك أن جلها بُنِيت وصيغت وفقاً لأخطاء مفاهيمية أساسية حول العديد من القضايا ذات العلاقة ومن أبرزها المخاطر الصحية، وآليات الحفاظ على الصحة والتشجيع على ذلك، والمسؤولية وحدودها، مع المغالاة في التشريع والامتثال، كما بُنِيت وصيغت بناءً على أرقام غير دقيقة تماماً، وعلى أهداف غير منطقية حين تمّ وضْعها، فضلاً عن بنائها وصياغتها بدافع من مشاعر سلبية عامة تجاه التبغ أكثر من بنائها وصياغتها بدافع من دراسات معمقة وشمولية تتطرق لاتجاهات الاستهلاك والعوامل النفسية السلوكية المحفزة على تغييرها.
هذه المرتكزات التي تم الاعتماد عليها في مكافحة التبغ كأساس تنطلق منه أغلب القوانين والإجراءات والحملات والاستراتيجيات التنظيمية المكافِحة للتبغ، لم تأتِ بالنتائج المطلوبة، وإن لم يكن ذلك مقصوداً؛ كونها باتت تؤدي دوراً معاكساً لما يفترض بها تأديته، فبدلاً من مساهمتها في تعزيز حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، باتت تسهم في معارضة هذا الهدف بشكل أو بآخر.
إن الإفراط في التنظيم وتشديد القوانين ومواصلة فرض الضرائب بهدف تقليص تداول التبغ، والذي ترافق مع إفراط من الجانب الآخر في الامتثال، قد أسفر حسب ما بيّنه المستشار الحكومي والموظف السابق في وحدة التحليل الاستراتيجي لرئاسة الوزراء البريطانية ومالك شركة Counterfactual الاستشارية حالياً، كليف بيتس، ضمن مقالة تحليلية نشرت في الفاينانشال تايمز، عن التحريض غير المباشر وغير المتعمّد للمستهلكين للأخذ بقاعدة "كل ممنوع مرغوب"، كما أسفر عن التفريط في الالتفات لمسائل تُعتبر أكثر إضراراً بالصحة العامة مقابل المبالغة في الالتفات لمسألة مكافحة التبغ بنظريات وآليات وأدوات لا تسترعي التوجهات السلوكية النفسية، متسببة بقائمة طويلة من الآثار السلبية التي كان من أبرزها فتح الباب أمام التجارة غير المشروعة والتي ترتب عليها المخاطرة بالصحة العامة لتداول المنتجات التقليدية المزورة والمقلدة، مع المزيد من الفواقد الضريبية، هذا إلى جانب ما أفرزه ذلك من تعليمات وتشريعات تثبط الابتكار وما قد ينطوي عليه من حلول حقيقية ومستدامة للمسألة الأساسية.
من يريد قراءة المسألة بعين ناقدة ومن زاوية نظر مختلفة، سيرى المفارقة عند التمعن بالآثار الإيجابية التي يحملها الجيل المُطَوّر من السجائر الإلكترونية كما المنتجات التي تعتمد على عملية تسخين التبغ بالطاقة الكهربائية بدلاً من عملية الحرق المسببة للأمراض، وعلى مركبات ومواد مكونة أقل تُنتِج هباء جوياً "رذاذاً" بدلاً من الدخان الناتج عن الاحتراق، إلى جانب النيكوتين الذي اتفق الخبراء على كونه لا يشكل عاملاً رئيسياً للأمراض المرتبطة بالتدخين. هذا وكانت العديد من الدراسات الحديثة قد بيّنت التأثيرات الإيجابية لهذه المنتجات المبتكرة على الصحة العامة باعتبارها أقل ضرراً وأكثر أماناً من منتجات التبغ التقليدية، ما يجعلها بديلاً صالحاً عن المنتجات القابلة للاحتراق.
وفي سياق هذا الموضوع بشكل عام، كتب بروفيسور القانون في جامعة أوتاوا، ديفيد سوينور، مقالة حديثة له عن مستقبل التشريعات، نشرت في صحيفة الفاينانشال تايمز أيضاً، حول التشريعات المتعلقة بالتبغ والنيكوتين، وحول فوائد البدائل المبتكرة، مدعّماً ما كتبه بعدد من المقالات والدراسات التوضيحية.
من هنا، فإن الحكمة تكمن في الاستفادة من التجربة الواقعية لإيجاد أرضية مشتركة تسهم في إيجاد الحلول المنشودة.