الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
مصادر عبرية: اصابة مستوطن بعملية طعن واطلاق النار على المنفذ قرب الرملة

الثقافة...من جديد

نشر بتاريخ: 13/03/2017 ( آخر تحديث: 13/03/2017 الساعة: 22:40 )

الكاتب: صادق الخضور

الثالث عشر من آذار، اليوم الوطني للثقافة، وبتزامن مع ذكرى ميلاد الراحل محمود درويش رحمه الله؛ تنبري الثقافة محاولة استعادة بعض بريقها الذي تلاشى أو كان، ومطالبون نحن بإعادة الاعتبار للثقافة الوطنية خاصة مع مرور مئة عام على الوعد المشؤوم؛ وعد بلفور، الذي استهدف فيما استهدف شطب ثقافة ظلّت ولمّا تزل عصيّة على التلاشي، رغم مرور عقود وعقود، إلا أن فرسان الثقافة الوطنيّة عمدّوا مسيرهم بإعلاء صوت الإبداع المقترن بمصيرهم، فكان أن اضظلعت الثقافة الفلسطينية بدور مقاوم اكتست فيه الكلمات ملامح الشموخ لملاحم الوفاء لفلسطين.

هي الثقافة، إذ تعود، وتعاود الإطلالة، وكلّما كان الحديث عن الثقافة، برز الحديث عن دورها في تشكيل انعطافة، ولا زالت الجهود للتوثيق وللاحتفاء بالمثقفين قاصرة، وهي متناثرة هنا وهناك، لا خيط ناظم يربطها، فما أحوجنا إلى التأسيس لجهد ممنهج على هذا الصعيد! الممكن كثير، والحراك الدائر مؤخرا سيظل مبتورا ما لم يحظ بإسناد كل واحد فينا وقناعاته.
في يوم الثقافة؛ وبجرد حساب سريع، نجد أن كثيرا من فرسان الثقافة غادرونا، لكن نتاجهم باق لا يبارح، وأحوج ما نكون إلى الابتعاد عن منطق التعاطي بمنطق الهبّات الموسمية مع نتاج من كان إبداعهم ذاكرة وطن.

يطلّ علينا محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وأبو لغد، وإدوارد سعيد، وحسين البرغوثي، ومعين بسيسو، ويوسف الخطيب، والقائمة تطول، ممن غادرونا لكنهم لا زالوا بيننا، ولا زلنا بانتظار تقديم جهد جامع مانع لمن شكّل إبداعهم درعا، ومن بين سحب الذاكرة تطلّ فدوى طوقان، وسميرة عزام، وسحر خليفة، وغيرهن من المبدعات اللواتي كتبن في عزّ الصمت، فبات لزاما على المنظومة الثقافية إعادة النظر في المنهجيات والطرائق.
في كنف اليوم الوطني للثقافة، وجبت الإشادة بما تقوم به وزارة الثقافة حاليا بقيادة المبدع د.إيهاب بسيسو من جهود تحاول استنهاض همّة فترت، وهو جهدٌ يندرج في إطار ترميم جدران الذاكرة، وإعادة الحراك لأرض الثقافة التي باتت تعاني من يباب الاهتمام، ورغم ذلك لا زال المطلوب كثيرا، فالقطاع الخاص لا يزال يشيح بوجهه عن رعاية الفعاليات الثقافية مع استثناءات بسيطة هنا وهناك، والمشهد ورغم ما يحويه مؤخرا من تجديد لم يلغ حالة ارتباك- أو بالأحرى عدم وضوح- تلقي بظلالها على آليات التعاطي مع المعطى الثقافة رغم دوره الحاسم في تشكيل الوعي الجماعي والذائقة النقديّة.

في اليوم الوطني للثقافة، تحاول الثقافة استجماع قواها، واسترجاع جزء من كبريائها، والجميع مطالب بحالة استنهاض، وفي خضم ما يدور على أكثر من صعيد، وجب التنبّه إلى إعادة استجلاب ثقافة شعبيّة، غدا كثير من مكوناتها ملقى على قارعة طريق، والاهتمام بالموروث بات جزءا من ماضٍ مع أن الماضي هو الذي أسس للحاضر، وما أحوجنا إلى العودة إلى حيث البدابيات الإبداعية التي أصلّت لإبداع لم يفقد تداعيات ما فيه من تميّز رغم توالي السنوات والعقود.

نوح إبراهيم، وراشد حسين، وإبراهيم طوقان، وغيرهم ممن صدحوا ذات يوم، هم تواروا- وهذه سنّة الحياة-، أمّا أن يتوارى إبداعهم، فهذا مما يثير الكثير من علامات الاستغراب، وحريٌّ بأن يكونوا وغيرهم من روّاد المشهد حاضرين دوما عبر فعاليات وفعاليات، تتوقف مليّا عند ما جادوا به قرائهحم من إبداعٍ شكّل في حينه سلاحا داوى جراحا، وكان أبلغ ردّ على أن جذورنا في رحم هذه الأرض ممتدة إلى ما حدّ.

لقد شكّل الشعور الاغتراب محورا من المحاور التي حضرت وبقوّة في الشعر الفلسطيني، وتحوّل الاغتراب شيئا فشيئا من المبدعين إلى الثقافة برمتّها، وكأنّ مبدعينا استشرفوا ذات يوم الحالة التي ستعتري الثقافة، وما بين رمزية التعبير التي كانت ملمحا، جاءت واقعيّة اللامبالاة لتكون معضلة بكل ما للكلمة من معنى، وترافق ذلك كلّه مع حالة انكماش للنشاط النقدي.

في يومها الوطني؛ تحاول الثقافة الانبعاث لتنفض من على كاهلها رماد النسيان، وتقترن في يومها بمحمود درويش رحمه الله، فتعود لتعاود تذكيرنا بواجب تجاه فرسان الكلمة والواجب، فهم فرسان الواجب، ولهذا فإن الاحتفاء بإبداعهم يندرج في إطار الواجب، أي جهد ثقافي يجب أن يحظى بالإسناد، فالثقافة الفلسطينية ظلّت على الدوام حرصة على القيام بدورها الرائد عبر روّاد المشهد.