الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

حقائق كشفتها حقيقة

نشر بتاريخ: 14/03/2017 ( آخر تحديث: 14/03/2017 الساعة: 15:03 )

الكاتب: احمد عيسى

كنت قد نشرت مقالا صغيرا على صفحتي الخاصة على شبكة التواصل الاجتماعي، يوم الاحد الموافق 26/2/2017، تحت عنوان "تأملات في تجمع القاهرة الشبابي"، لغايات اثارة نقاش مجتمعي حول الجهة التي تقف خلف هذا النشاط باهض التكاليف، لمعرفة من هي هذه الجهة؟ وماذا تعمل؟ ولمصلحة من تعمل؟ وكانت فكرة هذا المقال، قد بنيت على حقيقة واحدة مفادها: أن اولى مهام مشروع التخلص من الزعيم الراحل ياسر عرفات، هذا المشروع الذي بدأ تنفيذه في صيف العام 2002، مباشرة بعد خطاب الرئيس بوش، والذي عرف ايضا باسم خطاب الرؤية "the Vision Speech"، كانت قد اسندت لجهة فلسطينية للأسف.
وتمثلت هذه المهمة في تنظيم مسيرة ضد الرئيس عرفات في مدينة غزة في حينه لا زالت مشاهدها حية في ذاكرة الشعب الفلسطيني، علاوة على ان ذكرها لا زال يؤرق كثيرين ممن شاركوا فيها خطأ او جهلا، وذلك استجابة لدعوة الرئيس بوش في الخطاب المذكور، الامر الذي جعل من حصار شارون للرئيس عرفات في مكتبه في رام الله فيما بعد، يبدو وكأنه عملا مباركا من جهة فلسطينية، ويبدو ان ذات الجهة تنفذ في هذه الايام نفس المهمة ضد الرئيس عباس تحت عناوين مختلفة، لكن غاياتها مكشوفة للغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني. وكانت هذه الجهة قد قدمت نفسها في حينه باسم "تيار التوجه"، وتطلق على نفسها الان زورا اسم التيار الاصلاحي الديمقراطي، وقد كشف هذا المقال جملة من الحقائق التي سيتناول هذا المقال اهمها.
اولى الحقائق التي كشفتها هذه المقالة تمثلت في هذا الحجم المنظم من ردود الفعل الخارجة عن ابسط قواعد الادب والاخلاق التي تميز بها مجتمعنا الفلسطيني، اذ بدل التصدي لمضمون المقال بالحجة والبرهان، كان هذا الكم من الهجوم المنظم الذي شاهده الناس بأم اعينهم على صفحات شبكة التواصل الاجتماعي بلغة والفاظ كشفت حقيقة، وطبيعة، واخلاق، وتربية، وغايات، واسس علاقات المنتفعين من هذا التيار بشعبهم، الامر الذي يقينا جعل من قلق الشعب على مستقبله ومستقبل ابنائه وقضيته امراٌ مشروعا، اذا ما ظلت هذه الفئة من الناس تتصدى لقضايا الاصلاح واعادة البناء، وترسيخ قيم الديمقراطية فيما تفتقد لأبسط شروطها كما بدى واضحا في ردودهم.
وعلى الرغم من معرفة الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني لحقيقة انقلاب وتمرد هذا التيار على الراحل عرفات، وادراكهم سواء بعقولهم، ام بقلوبهم واحاسيسهم لغايات ومقاصد هذا التيار في التآمر على القيادة الحالية، هذه المعرفة وهذا الادراك اللذان لا يمكن المحاججة ضدهما، اذ باتت مشاركتهم في تنفيذ مهمة التخلص من الرئيس عرفات كحجية الامر المقضي فيه، فلا زال هناك المزيد من القرائن والادلة التي تثبت تورط زعامة هذا التيار ليس فقط في التآمر والانقلاب على الراحل عرفات وكذلك الرئيس عباس، بل تثبت علاوة على ذلك تورطهم في نقش صورة نمطية بالغة السوء عن حركة فتح في ذهن العامة من الفتحاويين والفلسطينيين، لا سيما في قطاع غزة، هذه الصورة التي جعلت من رغبة الخلاص من نموذج فتح في الحكم غاية ومقصد عام، الامر الذي تحقق في انتخابات العام 2006.
أجزم هنا انه، ليس كل من شارك في تنفيذ تلك المهام "الجرائم" الوطنية التي لا تسقط بالتقادم، وفق قواعد الشريعة الاسلامية، والعرف السائد، علاوة على قواعد قوانين العقوبات النافذة في مناطق السلطة، وقواعد قانون العقوبات الثوري النافذ في المناطق الفلسطينية، كان على علم بالغايات والمقاصد الكامنة خلف هذه المهام "الجرائم".
فمنهم من شارك عامداٌ متعمدا، ومنهم من شارك خطأ، ومنهم من كانت مشاركته جهلا، وعلى الرغم من ان النتيجة واحدة في كل الحالات، الا ان طرق معالجة واصلاح ما فسد تختلف من حالة الى حالة اخرى، كما يقول خبير العلوم الادارية والاستراتيجية المصري "مصطفى حجازي". فالمشاركون عمداً ... يؤثمون... ويُعاقبون... والمشاركون جهلا... يُستتابون... ويُعلمون... ويُحتوون... يُقادون ولا يقودون... اما المشاركون خطأ فيُبصرون... حتى يندموا على مشاركتهم... ويعودوا الى دعم اصل الفكرة.
ويقينا ان الغالبية العظمى من المشاركين في تلك المهام تنتمي لفئتي المشاركة جهلا، وخطأ. ولما كان ميدان المعركة الاستراتيجي بين الفلسطينيين من جهة والاحتلال وادواته من جهة اخرى، قد حدد في المرحلة الحالية حول عقول وقلوب الفلسطينيين، فهناك ضرورة وطنية لنصح، بل وللعمل مع، ولأجل، هذه الفئات من الشباب الفلسطيني قبل فوات الاوان وتحولهم دون ادراك منهم الى فئة المشاركة العمد.
اما الحقيقة الثانية التي كشفها المقال فتكمن في الردود، والردود المضادة، اذ تكشف هذه الردود لكل مكونات المجتمع الفلسطيني ابتداء، حجم التهديدات الداخلية المقبلون عليها اذا ما استمر هذا التيار يعبث في الجبهة الداخلية مستغلا حاجات الناس وما اكثرها لا سيما في قطاع غزة، معتمدا على المال السياسي الذي يقدم له وما اكثره من جهات كثيرة منها الظاهر ومنها المستتر. وذلك وفق قاعدة قالها حكماؤنا قديما "من له ثمن لا يؤتمن"، ومن لا يؤتمن لا يهمه مصير الشعب حتى لو كان على حافة الاحتراب الداخلي، المهم ان يرضي الدافعين.
كما وتكشف هذه الردود للجهات الداعمة والممولة لزعامة هذا التيار انتهاء، لاسيما الجهات العربية منها، التي يقينا تدرك مؤسسات التقدير الاستراتيجي فيها، انها باستمرار دعمها لهذه الفئة، فهي تغذي بذلك حكما قابلية دفع الفلسطينيين الى صراعا دمويا "لا قدر الله"، خاصة وان هذه الفئة قد عرفت من قبل غالبية الفلسطينيين، بفسادها وطغيانها وادعائها بما ليس فيها من طهر وصلاح، الامر الذي يستبعد اصغر الفلسطينيين سنا ان يكون ذلك من غايات ومقاصد العرب والمسلمين، تأسيسا على حقيقة مفادها ان فلسطين واهلها مكون اساسي واصيل من مكونات الوجدان العربي والاسلامي الذي لا يمكن ان تتجاوزه مصالح دولهم.
وثالت هذه الحقائق يدور حول طرق ووسائل معالجة هكذا اختراقات للمجتمع الفلسطيني وبنيته الوطنية من قبل قيادته الوطنية، اذ ثبت بالمطلق عدم نجاعة الاعتماد فقط على المعالجة الامنية لهكذا اختراقات، بل ثبت ان هذه المعالجة تأتي في معظم الاحيان بنتائج عكسية.
وتأسيسا على ذلك هناك حاجة وضرورة لتفعيل روافع اقتصادية، واجتماعية، ونفسية، واعلامية، وسياسية الى جانب الرافعة الامنية لبناء بيئة سليمة معافاة قادرة على صد ولفظ كل محاولات الاختراق للمجتمع الفلسطيني الذي كان دائما عصيا ومنيعا امام كل محاولات التحطيم من الداخل. الامر الذي يتطلب وضع خطة عمل شاملة تعمل من خلالها كل الروافع المشار اليها كماكنة واحدة منسجمة، خاصة وان من يسعى لاختراق المجتمع من داخله يعمل وفق خطط منظمة بعيدة عن الارتجال.
واخر هذه الحقائق يتعلق بغزة وأهلها وظروفهم الانسانية التي لا يتسع هذا المقال للوقوق عندها، اذ سيكتفي هذا المقال بالتأكيد على ان ما آلت اليه ظروف غزة الان هو نتاج لخطط مسبقة كان قد صممها واشرف على تنفيذها الاحتلال، وكان من بين اهدافها جعلها قاعدة للاختراق الداخلي لتسهيل اعادة صياغة وعي اهلها المقاوم بطبيعته، ومن جهة اخرى لتسهيل عملية الاستفراد بالضفة الغربية بما فيها القدس من قبل قيادة المشروع الصهيوني، الامر الذي يتطلب من القيادة الفلسطينية قطع الطريق امام كل محاولات الاستفراد بغزة واهلها وتفكيك ملفاتها المعقدة بدء بملف المصالحة وانتهاء بملف اعادة الاعمار ومرورا بملفات البطالة، ومتفرغي العام 2005، وشهداء الحروب على غزة، وقبل كل شيء ملف اعادة بناء تنظيم حركة فتح وفق اسس ومعايير مخرجات المؤتمر السابع للحركة