السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نفشل إذا بقي التناحر سيد الموقف

نشر بتاريخ: 16/03/2017 ( آخر تحديث: 16/03/2017 الساعة: 10:37 )

الكاتب: بهاء رحال

عندما يصبح الشعب مثل دمى تحركها أيدي خفية، يكون الكل (مسكين)، خاصة حين يظن في الوقت ذاته أنه صاحب القرار، وأنه يمتلك زمام المبادرة، وأنه الطليعي الثائر كالبركان في وجه الطغيان المجهول وسط إنحراف البوصلة وغموض إتجاهها، وأنه المفدى والملهم والحريص الوحيد على الوطن، وهذا دليل واضح على قلة الوعي العام، وثِقَل الهم الوطني وسط ضبابية مشهد غامق، وهذا بسبب الشعور بالعجز أمام القضايا التي تحتاج إلى معالجات وفق سياسات وخطط محكومة بضوابط راشدة، قائمة على إستراتيجية واضحة يؤدي فيها كل شخص دوره الذي يتكامل مع الآخرين لبلوغ الهدف، وأن لا نبقى ندور في فلك العنتريات التي تخلو من التخطيط الجيد والسياسات الواضحة التي تؤدي بنا إلى المزيد من الإحباط والتخبط، وهذا يستلزم وضع منهج عام اجتماعي واقتصادي وسياسي وأخلاقي، يمكننا من الخروج من حالة الإجتهاد الفردي، إلى مراحل العمل الجماعي الواعي والمدرك لمخاطر تحيط بنا، أهم تلك المخاطر ما يخطط له الإحتلال، وما يقوم بتنفيذه، وما ينوي القيام به ويسعى لتحقيقه عبر حالات الشرذمة التي تصيبنا بين الفينة والأخرى، فنفشل في قسمتنا، ونفشل إذا بقينا في دوائر التخوين والتكفير، ونضيع إذا بقي هذا التناحر سيد الموقف.
المشهد في الأيام الأخيرة كان مؤلم، والصورة مخيفة إذا ما بقيت دون علاجاً حقيقياً وجاداً ومسؤولاً، وأن لا نبقى ندور في فلك المعالجات المؤقتة القائمة على الإجتهاد الفردي، وإن ما رأيناه يحتاج إلى مراجعات من قبل السلطة والفصائل والأحزاب، وفي مختلف الدوائر السياسية والإجتماعية، لأنه ينذر بمخاطر تتهدد مستقبل النسيج الإجتماعي الفلسطيني، هذا النسيج الذي هو في مختلف مراحل الصراع مع الإحتلال كان صمام الأمان الذي يرتكز عليه الكل الفلسطيني، وكان الحصن الذي لم يسقط رغم كثرة المؤامرات والتحديات، ولكن السؤال الأهم كيف يمكن الحفاظ على هذا الحصن؟ وما شاهدناه في الأيام الأخيرة ينذر بأنه على حافة التصدع، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي تتعرض له الهوية الوطنية الفلسطينية، في سجالات الإتهام والإتهام المقابل.
وفي ظل ما جرى ويجري فإننا بحاجة ماسة إلى المكاشفة الواضحة، وإلى النظر للمشهد بعين كاملة وأن لا نبقى ننظر للأمور من زوايا الإنحياز الضيق، وأن لا نبقى نعالج القضايا بناءً على وشوشات هنا، ووشوشات هناك، فلنخرج من زوايا الوشوشة لأن ما يتهددنا كبير، وما يحاك ضدنا ليس بالأمر السهل، خاصة في ظل واقع سياسي معقد التفاصيل، فلنحذر من السقوط في المربع الذي يريده الأعداء لنا، ذلك المربع المسيج بحدود الفتنة والاقتتال والفوضى، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يجب على الجميع الإنتباه له، وعدم الإنجرار لتلك الهاوية التي ستؤدي بنا إلى الهلاك والسقوط في مستنقعات الخراب.
هذه ليست شكوى، بل ناقوس خطر وسط واقع ملئ بالتناقضات، بالحمل السياسي الثقيل الذي يجد كل الطرق مقفلة في وجهه، وبالمعارضة التي تجد نفسها عاجزة عن تقديم حلول حقيقية في شتى المجالات، وفي المنتصف يقف المواطن الذي يعاني من الكذب والتضليل والتحايل عليه من جهة، ومن جهة أخرى يعاني من واقع اقتصادي صعب ومتدهور، وواقع سياسي صعب لا أفق فيه، وكلها تلقي بظلالها على الواقع الإجتماعي الذي بات في خطر حقيقي، وهنا نسأل ونحن وسط إشتباك السلطة والمعارضة وتراشق الإتهامات فيما بينها عن دور المثقف الحقيقي، دور المفكر الذي عليه أن يكون المنقذ لتدهور الحالة، نسأل عن دور الصحفي المحايد، والكاتب المحايد، والمبدع المحايد، نسأل عن دور المدرسة والجامعة بالأساس، المعلم الذي تقع عليه بالدرجة الأولى تربية الأجيال، ليساهم في خلق جيل واع وقادر على المشاركة الفعالية في البناء لا في الهدم والخراب.