الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الدور الثقافي والإبداعي للجامعات والكليات الفلسطينية (العصرية الجامعية

نشر بتاريخ: 21/03/2017 ( آخر تحديث: 21/03/2017 الساعة: 13:14 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

أضطلعت الجامعات والكليات الفلسطينية في السبعينيات والثمانينيات ووصولاً إلى التسعينيات من القرن الماضي، بدور ثقافي وإبداعي لافت، من خلال مجموع الأنشطة والفعاليات التي كانت تقوم بها على هذا الصعيد، ونشير إلى الدور الريادي لمجالس الطلبة في تسليط الضوْء على النتاجات الثقافية والإبداعية الفلسطينية والعربية والعالمية، بغية التعريف بها وتعميمها، وتوظيفها كروافع ثقافية ومعرفية ترتقي بوعي وذائقة الطالب الجامعي وبالتالي المجتمع الفلسطيني عامة.
وقد تراجع هذا الدور لأسباب ذاتية وموضوعية، تناولتها وأسهبت في توضيحها، في مقالات سابقة، كتبتها من باب الاجتهاد والفردي والاسهام المتواضع في الحث على تخطيها وتجاوزها على طريق استعادة الدور الثقافي لجامعاتنا وكلياتنا ومعاهدنا، لأنها تشكل رافداً ثقافياً وإبداعياً ومعرفياً، يتوجب علينا جميعاً تنشيطه وتفعيله وضخ الدماء في عروقه.

إلا أن عوامل الدفع الفردية والمؤسساتية لتفعيل هذا الدور ما زالت محدودة ولم تحقق النتائج المرجوة، على اعتبار أن القضية بحاجة إلى مزيد من الجهد والحث والتخطيط والمبادرات من الجامعات ذاتها ومن خارجها أيضاً.

ولا أدعي أن الدعوات بهذا الخصوص تطرق باب المستحيل بل إنها عملت على إحداث حراك جزئي، نتطلع إلى توسيعه وتعميمه، من خلال عمل مبرمج، ولا يمكن بالطبع تحقيق الهدف والوصول إلى المراد، بمعزل عن قناعة إدارات الجامعات وهيئاتها ودوائرها الأكاديمية أو بمعزل عن مجالس الطلبة التي يفترض أن ينبثق عنها لجان ثقافية وإبداعية، تأخذ على عاتقها العمل في هذا الاتجاه.

والحقيقة أن أول ما يتبادر إلى الذهن، هو إرادة القرار، أو قرار الإرادة من إدارات مؤسسات التعليم العالي، بحيث يدرك القائمون على هذه المؤسسات، أن مهمتهم لا تقتصر على الجانب الأكاديمي فحسب، وإنما من أجل إسناد الأكاديمي لا بد من دعمه بالثقافي والإبداعي، حتى يكون حيوياً قادراً، لا يسير وفق النمطية الأحادية، وإنما يتكامل مع جهد إبداعي ثقافي، يغذيه ويدعمه ويوسع آفاقه ويثري مفاهيمه ويعمقها، ويرفع من مستوى ذائقة الطالب الأكاديمي، ويرتقي بها، حيث إن ذلك يسهم تلقائياً في الارتقاء بالذائقة المجتمعية بشكل عام، لا سيما وأن طلبة الجامعات هم من شرائح مختلفة ومن أصول طبقية تعبر عن الكل الطبقي والشرائحي المجتمعي.


أدركت إدارة الكلية العصرية الجامعية منذ بضع سنوات، بعد نقاشات طويلة ومستفيضة، أهمية الدور الثقافي والإبداعي في التكامل مع الأكاديمي والتعليمي والمهني التطبيقي، وقررت وعلى الرغم من أنها مؤسسة تعليم عالٍ خاصة، محدودة الموارد المالية، في ظل اعتمادها على قدراتها الذاتية المحضة، أن تؤسس لتجربة تتيح امكانية التلاقح المستمر بين الأكاديمي والثقافي، لتنتج حالة تعليمية ثقافية تستحق التعميم، يتداخل فيها بإبداع الأكاديمي والثقافي، يغذيان ويدعمان بعضهما بعضا، لتكون الخلاصة في المحصلة النهائية، تحقيق فائدة لطلبتها والمجتمع المحلي تمثلت في الخطوط العريضة التالية:-
تأسيس منتدى العصرية الإبداعي الذي أخذ على عاتقه مهمة ترسيخ وتعميق وتعميم ثقافة وطنية وإنسانية، من خلال عقد الندوات واستضافة المحاضرين واطلاق الكتب وتشجيع المبادرات الثقافية والإبداعية الطلابية والمجتمعية، فتم إحياء الذكرى المئوية لميلاد الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود ومئوية الشاعر مطلق عبد الخالق، وإقامة مهرجان تكريمي لما قدمه وأبدعه الشاعر الراحل سميح القاسم، إضافة إلى إقامة مهرجان خاص تكريماً للراحل الكاتب والناقد محمد البطراوي، واطلقت العصرية الجامعية مجموعة من الكتب والإصدارات ونذكر على سبيل المثال الكتب التي أصدرها كل من: عيسى قراقع وميسون الوحيدي وحسن عبدالله وفهد أبو الحاج وحافظ أبو عباية ومحمد البيروتي وناصر اللحام وجهاد صالح ودعاء محمود، جبناً إلى جنب مع إطلاق كتبها الخاصة التي أنتجها باحثوها ونذكر منها كمثال الإصدارات البحثية الأكاديمية للدكتور أسامة دراج والأستاذة سلمى سليمان والدكتور حسين العيسة. استضافت العصرية عدداً من مؤتمرات " إبداعات انتصرت على القيد" التي يعقدها سنوياً مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة، ونظمت نشاطات وفعاليات ثقافية بالتعاون والتنسيق مع اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة ورابطة الكتاب الأردنيين.

وتأتي هذه النشاطات بمجملها لتعزيز حضور المشهد الثقافي في هذه المؤسسة التعليمية، في مرحلة تشهد فيها الحالة الثقافية تراجعاً، لتعيد إلى أذهاننا ما قدمته على هذا الصعيد في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي جامعات بيرزيت وبيت لحم والنجاح.

وإذ أتينا بالعصرية كأنموذج ليس من باب الدعاية أو الاستعراض، بقدر ما نسعى إلى تعميم النماذج الإيجابية، مع الإشارة إلى أن جامعات وكليات أخرى تسهم في هذا الميدان بين الفترة والأخرى، لكننا نطمح لرؤية أنشطة وفعاليات ثقافية وإبداعية تنظم وفق برامج قصيرة وبعيدة الأمد، لأن الفعاليات الموسمية والمتقطعة، لا يمكن لها أن تحمل المشهد الثقافي وترفعه إلى مستوى الطموح. وإنني أجد في هذا المقال مناسبة لإطلاق دعوة إلى مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية لتنظيم نشاطات وفعاليات ثقافية مشتركة، وتبني مسابقات إبداعية على مستوى الوطن، في الشعر والقصة والرواية والفن التشكيلي والمسرح، بموازاة مسابقات خاصة بالطلبة الجامعيين في المجالات سالفة الذكر وغيرها، لكي تسهم هذه المؤسسات في استنهاض الحالة الثقافية، بخاصة وأن التميز الفلسطيني الإبداعي الفردي الذي نشهده باستمرار، يجب أن يجد حاضنة مؤسساتية، والجامعات والكليات من المفروض أن تكون مكوّن مهم في ذلك.