الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

أبو صالح.. عاد شهيداً

نشر بتاريخ: 25/03/2017 ( آخر تحديث: 25/03/2017 الساعة: 14:28 )
أبو صالح.. عاد شهيداً
رام الله- فراس طنينة- تقرير معا- لم تكن أم محمد تتوقع أن يكون رفضها إعطاء أبنها الذكر الوحيد في العائلة محمد مبلغاً من المال، الحوار الأخير بينهما، فهي تسعى لأن يعود ابنها مبكراً، فيما كانت تهم بالذهاب للمشاركة في عزاء أحد المعارف.
غادرت أم محمد منزلها في مخيم من الجلزون، وطلبت من ابنها أن يعود مبكراً، ليتناول طعام العشاء مع العائلة، وليواصل دراسته، وما أن غادرت المنزل حتى خرج محمد بعدها بدقائق فقط.
عندما جاءها خبر استشهاد وحيدها، الملقب بـ "أبو صالح"، ركضت إلى العتبة، ركضـت كثيراً وركض البيت معها، فيما كان أصدقائه يحملونه ويهتفون "يا أم الشهيد زغردي كل الشباب أولادكي"، وتقول في نفسها: كلكـم أبنائي لكن ليـس كمحمد، كان جميلاً كملاك، مغطى بالورد والياسمين.
أُم محمد، الذي أتعبها وآلمها رحيل فلذة كبدها، الذي رحل وترك ابتسامة خافتة تعل القلب، ما زالت تنتظر دخوله إلى البيت ليطبع على يدها ورأسها قبلته الدافئة المعتادة، كما كان يفعل دوماً، وما زالت تنتـظر الورود الذي وعدها بها.
ارتقى أبو صالح شهيداً، مثلما طلب وتمنى مراراً، وأبو صالح هو اللقب الذي يطلقه أهالي مخيم الجلزون شمالي رام الله على الفتى محمد محمود إبراهيم (17 عاماً)، والذي ارتقى شهيداً مساء يوم الخميس برصاص قوات الاحتلال.

أبو صالح حصل على لقبه هذا تيمناً بأبي صالح، بطل مسلسل التغريبة الفلسطينية، والذي جسده الفنان السوري جمال سليمان، والذي كان أحد أبطال المسلسل وأكثرهم وطنية، وشهامة، ودفاعاً عن فلسطين.
كان والدا الشهيد ينتظران تحويل الساحات المحيطة بمنزلهم في مخيم الجلزون إلى صالة أفراح عقب نجاحه في امتحان الثانوية العامة، وهو وحيد والديه من الذكور، وله شقيقتان إحداهما تكبره والثانية تصغره، لكن رصاصات الاحتلال أصرت أن تحول تلك الساحات إلى مساحات للصدمة والحزن على فقدانه في دقائق.
أبو صالح "الجلزوني" كان فتى صغيراً، لكنه كان شهماً يساعد جميع أبناء المخيم، وهو صديق للجزء الأكبر من شباب وفتية المخيم، وحتى مع كبار السن، فكان يقدم خدماته للجميع، فكان نشيطاً جداً، مشاركاً أساسياً في الفعاليات الاجتماعية والشعبية والوطنية والمسيرات في المخيم ومحيطه.
ورغم صغر سنه، إلا أنه لا يزال يتمسك بالقرية التي شردت عائلته منها، وهي قرية عنابة التابعة للرملة، فرغم أنه ووالده ووالدته ولدوا في مخيم الجلزون، إلا أنه لم ينس يوماً قرية عنابة التي هجرتها "العصابات الصهيونية" وقتلت جزءاً كبيراً من أهاليها.
استشهد أبو صالح، برصاص قوات الاحتلال في عملية اغتيال، بتهمة إلقاء زجاجات حارقة على مستعمرة "بيت إيل"، فيما أصيب 3 آخرين كانوا معه في السيارة، التي أمطرها الاحتلال بالرصاص، وأصيب ابن عمه معه محمد حطاب بجراح حرجة، فيما يمضي عمه حكماً بالسجن 40 عاماً في سجون الاحتلال.
وكان آخر ما كتبه الشهيد على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي في عيد الأم: "أقسم لك يا أمي، لو لم يكن السجود لله وحده، لركعت لك حباً".
كما وقع على حسابه: "والروح للوطن هدية"، كما كتب أيضاً: "ولتحفروا قبري عميقاً، وادفنوني واقفاً، حتى أظل أصيح بين الناس: لا تحنوا الجباه، موتوا وقوفاً لا تموتوا تحت أقدام الطغاة"، وقال: "عشقنا الموت خوفاً من أن تعشقنا الحياة، فدخلنا مدارس المخيمات، لنتعلم كيف نعيش شرفاء، وكيف نموت شهداء".
أبو صالح الطالب في الثانوية العامة في مدرسة الأمير حسن في بلدة بيرزيت، وعد والدته الأربعينية بالنجاح والتفوق في امتحان الثانوية العامة، ليحقق حلمها في الدراسة الجامعية.
ارتقى أبو صالح شهيداً، والتحق بصديقه الشهيد ليث فضل الخالدي صديقة وزميله في الدراسة في مدارس مخيم الجلزون، ثم مدرسة الأمير حسن في بلدة بيرزيت، والذي ارتقى شهيداً قبله بسنة وبضعه أشهر.