السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ريادة الأعمال أم ريادة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في واقعنا الفلسطيني

نشر بتاريخ: 27/03/2017 ( آخر تحديث: 27/03/2017 الساعة: 15:41 )

الكاتب: أ.صخر سالم المحاريق

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مفهوم جديد في عالم الإدارة والأعمال ألا وهو ريادة الأعمال, ولو عدنا للمعنى اللغوي لكلمة ريادة نرى أنها مشتقة من كلمة "رائد"، التي عرفها المعجم الوسيط بأنها: "الرَّوْدُ: مصدر فعل الرائد، والرائد: الشخص الذي يُرْسَل في التماس النُّجْعَة وطلب الكلأ، والجمع رُوَّاد مثل زائر وزُوَّار" . بمعنى آخر هو الشخص الذي يرسله القوم ليبصر لهم أماكن الكلأ والغيث؛ لحنكة ودراية لديه، واعتمادًا منهم على قدرته في ذلك.
كذلك الأمر فإننا ننعت كثيًار من الأشخاص بمسمى "رائد"، مثل: رائد الفضاء؛ لأنه ارتاد ووصل لمكان مميز ومختلف عن الآخرين ألا وهو " القمر". كما نسمع بها في الرتب العسكرية لتميز وحنكة ودراية في شخصية من يحمل هذه الرتبة. كذلك الأمر بالنسبة لاسم "رائد" المتعارف عليه في مجتمعنا الفلسطيني والعربي كغيره من الأسماء والمسميات.
لنجعل من ذلك مدخلاً نستند إليه في أصل ومعنى كلمة "رائد" لنصل سويًا بتدرج لمفهوم الريادة، ثم ريادة الأعمال, فالريادة -كمصطلح مجرد- هي مفهوم عام يعني التفرد والتميز في جانب معين، واذا ما أضيف لها اختصاص معين فتلقائيًا ستحوَّل لمفهوم خاص يُعنى بحدود ونطاق الشيء ذاته، فبمفهومها العام المجرد نستطيع أن نضيف إليها العديد من الاختصاصات، فهنالك الريادة الاجتماعية، والرياضية، والفنية، والعسكرية ... إلخ, وريادة الأعمال حديث هذا المقال.
وبالرجوع إلى عنوان المقال أعلاه دعنا عزيزي القارئ نركز على التفريق بين ريادة الأعمال وريادة المشروعات الصغيرة, فهنالك خطأ شائع في التفريق بينهما: فريادة الأعمال تعرف -وفق مراجع كثيرة وخصوصًا الأجنبية منها- أنها إنشاء عمل حرّ يتصف بالإبداع ويتسم بالمخاطرة. كون أصل المصطلح " ريادة الأعمال " أجنبي، ويعبر عنه بكلمة (Entrepreneurship)، وهي في الأصل كلمة فرنسية ويشتق منها مصطلح (Entrepreneur) الذي يعبر عن رائد الأعمال نفسه. وبالتالي فريادة الأعمال لها شروط وخصائص تميزها عن غيرها، ولا بد أن نشير إليها لتجنب اللغط والتداخل بين المفاهيم وسوء استخدامها.
ولكي تكون رائد أعمال فلا بد من توافر شروط عدّة بينها العلماء أمثال "بيتر دراكر":
أولها- مقدار خلق الثروات: فريادة الأعمال تتجاوز في أحلامها الدخول الصغيرة إلى الثروات الكبيرة، أما المشروعات الصغيرة فهدف صاحبها إيجاد دخل إضافي ومستمر يرضي صاحبه ويكون أفضل من الدخل التقليدي المتمثل في الإطار الوظيفي.
وثانيها- المدى الزمني لبناء تلك الثروة: فالفترة الزمنية -حسب الخبراء الاقتصاديين- اللازمة لبناء هذه الثروة الكبيرة يجب ألا تتجاوز خمس إلى عشر السنوات، بخلاف المشروعات الصغيرة التي يبنى المردود المالي لها طوال حياة صاحبها وعمر مشروعه.
وثالثها- أن ريادة الأعمال تتسم بنسبة كبيرة من المخاطرة المحسوبة التي تتجاوز نسبتها 800%: والمخاطرة هنا تعنى: الثمن الذي يجب أن يدفعه رائد الأعمال مقابل الحصول على ثروته هذه، أما على النقيض من ذلك فالمخاطرة في المشروعات الصغيرة تكون في حدودها الدنيا، وهذا ما يميز ريادة الأعمال عن غيرها.
وآخرها- شرط الإبداع والابتكار: الذي يعني الاتيان بشيء جديد ومتميز يحقق الميزة التنافسية والحصة السوقية، ويضيف قيمة إضافية للسلعة أو الخدمة المقدمة بمفهوم جديد؛ لتلبية حاجات ورغبات الناس.
من هنا نستطيع أن نضرب أمثلة على كلا المفهومين: فرواد الأعمال يمثلهم على المستوى العالمي -على سبيل المثال لا الحصر- "بيل غيتس" صاحب شركة ماكروسوفت الرائدة في مجال برامج الحاسوب التي تكاد أن تكون المنفردة في ذلك المجال بلا منازع عبر نظام ويندوز، كذلك "مارك روزربيرغ" صاحب فكرة الفيسبوك، وكلاهما ملياردير إذا ما تحدثنا عن حجم الثروة حسب تصنيف مجلة فوريبس العالمة السنوية لقائمة أغنياء العالم. وعلى المستوى العربي والوطني هنالك الراجحي صاحب مصارف الراجحي، ودجاج الوطنية، والفلسطيني فاروق الشامي صاحب مراكز ومصانع أدوات التجميل والمكياج العالمية، وقد كان له لقاء وفيلم وثائقي على وكالة معًا –مشكورة- يمكن الرجوع إليه للتعرف أكثر على موضوعنا هذا.
في الختام -وبحسب الإحصائيات العالمية والرسمية لنسبة رواد الأعمال في العالم- فتقدر ب (3-5%), وبالتالي فإنّ ما نعبر عنه من مشروعات صغيرة ومتوسطة في واقعنا العربي والفلسطيني على وجه الخصوص إن هو إلا ريادة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فلا يعقل أن نصف محلًا للملابس أو الإكسسوارات وغيرها في إحدى مدن وبلدات الوطن بريادة أعمال، فمصادر التمويل ورأس المال البادئ والمستثمر الداعم أو كما يسمى "الملاك" هي غير موجودة في واقعنا الفلسطيني والعربي، كذلك الفكرة الإبداعية ونسبة المخاطرة.