الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

قمة البحر الميت.. هل ستكون ميتة كبحرها؟

نشر بتاريخ: 30/03/2017 ( آخر تحديث: 30/03/2017 الساعة: 11:11 )

الكاتب: د. وليد القططي

ليس من الغريب أن يعقد العرب مؤتمرهم على مستوى القمة في القاع الأكثر انخفاضاً عن سطح البحر في العالم على ضفاف البحر الميت، ليكون خير مُعبّرٍ عن القاع الذي انحدرت إليه الأوضاع العربية المتردية على مختلف المجالات. وليس من الغريب أيضاً أن تُسمى هذه القمة باسم البحر الميت ليكون لها من أسمها نصيب، فتُعبّر حقاً عن الروح العربية الميتة منذ زمن طويل بعد أن فقد العرب مشروعهم القومي، ومن قبل ذلك تخلّوا عن رسالتهم الحضارية المتمثلة برسالة الإسلام الإنسانية للبشرية جمعاء. والسؤال المطروح في ضوء قمة البحر الميت الحالية في عمان، هل سيكون لها من إسمها نصيب. أي هل ستكون ميتة كبحرها؟!
تأتي قمة البحر الميت الحالية بعد ما يُقرب من (44) اجتماع قمة عربية بعد إنشاء جامعة الدول العربية عام1945، وكان أولها في قصر إنشاصي بالإسكندرية بدعوة من الملك فاروق 1946 لمناقشة القضية الفلسطينية التي سماها المؤتمر (قلب القضايا القومية) وحضرها زعماء الدول العربية المؤسسة للجامعة وهي: مصر والأردن والسعودية واليمن والعراق وسوريا ولبنان وآخرها هو مؤتمر قمة نواكشوط 2016 الذي أطلق شعار (عام 2017 عام إنهاء الاحتلال الإسرائيلي)، وما بين هذين المؤتمرين عُقد العديد من مؤتمرات القمة العادية والطارئة والاقتصادية والخاصة، جميعها كانت القضية الفلسطينية على سُلّم أولوياتها وفي مقدمة قضاياها، حتى جاءت قمة البحر الميت لنُعيد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية للعرب في مؤتمرات القمة فقط، ولكن من الناحية العملية القضية الفلسطينية تتراجع على أكثر من مستوى.
فعلى مستوى القمة العربية نفسها، فقد تراجعت فلسطين بعد المطالبة بتحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر، وبعد اللاءات العربية الثلاث: لا للاعتراف بإسرائيل، ولا للتفاوض معها، ولا للصلح معها التي أُقرت في قمة الخرطوم عقب نكسة حزيران عام 1967. تراجع العرب ابتداء من مؤتمر الجزائر عقب حرب أكتوبر عام 1967 ثم مؤتمر الرباط عام 1974 للمطالبة باسترجاع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وتجسّد هذا التراجع بالاعتراف ضمنياً بدولة (إسرائيل) في قمة فاس عام 1982 عندما تبنى العرب مشروع السعودية للسلام والتطبيع مع (إسرائيل) الذي أصبح المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت عام 2002، ولم يتوقف الأمر عن ذلك الحد فقد سعت (إسرائيل) لتغيير المبادرة لتناسب المقياس الإسرائيلي لجعل السلام والتطبيع بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية يسبق حل القضية الفلسطينية، بل قد يكون بدون حل القضية الفلسطينية إذا ما استمرت صخرة الانهيار العربية تتدحرج إلى القاع الذي ربما يٌعبّر عنه مؤتمر البحر الميت رغم ضجيج الوفاق الكاذب والاتفاق الوهمي الذي يشير إليه عنوان القمة.
وعلى مستوى آخر لم تتراجع القضية الفلسطينية في مؤتمرات القمة العربية فقط كقضية أولى مركزية للعرب، فقد تراجع معها المشروع العربي المشترك الذي أرساه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كمشروع قومي يسعى إلى توحيد العرب والنهضة بهم وتحقيق استقلالهم الحقيقي، إلا أنه سقط تحت ضربات الاستعمار من جهة، وبالسقوط الذاتي بعد فقدان الثقة بمشروع أقام نظاماً جوهرة الاستبداد وطابعه الفساد، ليفقد العرب مشروعهم القومي بعد أن فقدوا منذ قرون دورهم الريادي بفقدانهم رسالتهم الحضارية التي كانت جوهر الدين الإسلامي للبشرية جمعاء. ولم يقتصر الأمر عند ذلك الحد من فقدانهم للمشروع الجامع، بل منذ مؤتمر قمة بغداد 1978 عقب توقيع مصر لاتفاقيات كامب ديفيد المنفردة مع الكيان الصهيوني لم يعدُ الجامعة العربية تعبّر عن نظام عربي موّحد، وزاد الطين بله اندلاع ثورات ما يُسمى بالربيع العربي عام 2011 حيث اتخذت الجامعة العربية قرارات ومواقف تناقض الأمن القومي العربي بدعوتها للتدخل العسكري الأجنبي في كل من ليبيا وسوريا، وتأجيجها للصراعات العرقية والمذهبية والطائفية في البلدان التي ضربتها لعنة الربيع العربي.
والخلاصة أن مؤتمر البحر الميت، لن يكون بدعاً من المؤتمرات، فهو كغيره من المؤتمرات السابقة وكذلك اللاحقة، لن يكون سوى مؤتمر يُجسّد الحالة العربية الراهنة المتردية، ولن تخرج قراراته عن الإطار العام الذي تريده الدول الراشية، والذي تسكت عنه الدول المرتشية، وسيكون البيان الختامي له فاقداً للروح والمعنى، والقيمة حتى لو جعل القضية الفلسطينية في مقدمة قراراته، فلن تتجاوز ذلك الإطار النظري إلى الإطار العملي قيد أُنملة، ولذلك ستوّلد تلك القرارات ميتة من رحم المؤتمر، فيكون له من أسمه نصيب، قمة ميتة كبحرها.