الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

عمر البرغوثي وال"بي دي أس"

نشر بتاريخ: 30/03/2017 ( آخر تحديث: 30/03/2017 الساعة: 15:03 )

الكاتب: حيدر عيد

قبل عام بالضبط تم عقد مؤتمر نظمته الجريدة اليمينية يديعوت أحرونوت بعنوان "أوقفوا المقاطعة" بحضور رئيس الدولة و العديد من الوزراء. هدف المؤتمر كان واضحاً: توفير الدعم والإسناد للحكومة الإسرائيلية في الحرب "الملحّة" ضد حركة المقاطعة العالمية, بي دي أس, ذات القيادة الفلسطينية ومدّها بالأدوات التي تمكنها من هزيمة الحركة. و ها نحن نرى المحاولات المستميتة (الفاشلة) للحكومة الإسرائيلية و مسانديها ضد نشطاء المقاطعة الفلسطينيين و العالميين..
إن ما تقوم به وزارة الشئون الاستراتيجية الاسرائيلية يأتي في إطار العمل على تشويه السمعة الشخصية لنشطاء المقاطعة كجزء من "التصفية المدنية" لهم. وها هي تبدأ بأبرز مؤسسي الحركة حيث قامت بالتعاون مع وسائل الإعلام الإسرائيلية بالادعاء أن عمر البرغوثي يملك مبلغاً كبيراً من المال ويتهرب من دفع الضرائب. المحزن والمقلق في نفس الوقت هو مشاركة وسائل إعلام فلسطينية بالنقل الحرفي لما تناقلته وسائل الاعلام الاسرائيلية، تلبية لتوجيهات وزارة الشئون الاستراتيجية.
تأتي هذه الحملة المسعورة بعد عدة تهديدات أطلقها وزراء إسرائيليون يمينون يميلون للفاشية، ولكن هذا الموقف أيضاً يعبر عن هستيريا عامة من حركة المقاطعة التي باتت تشكل "خطراً استراتيجياً" و "جودياً" استدعى إقامة عدة مؤتمرات لمواجهتها، و تدخل مباشر من أعلى رأس في السلطة الحاكمة.
هذا وقد قامت صحيفة هآرتس مؤخراً بالكشف عن فعاليات سرية تقوم بها وزارة الشئون الاستراتيجية تستهدف نشطاء حركة المقاطعة والبدء بإقامة قاعدة بيانات ومعلومات تتعلق بنشاط الحركة والفاعلين/ات بها. كل ذلك يأتي بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون يحظر دخول الأجانب الذين يدعون لمقاطعة إسرائيل والمستوطنات.
واللافت للنظر هو السعي الدؤوب لآلة البروباجندا الإسرائيلية من خلال العمل على "عدم ربط العالم بين إسرائيل والأبارثهيد" كما قالت المديرة العامة لوزارة الشئون الاستراتيجية سيما اكونيان- غيل.
ويأتي التحقيق مع عمر البرغوثي لمنعه من السفر حيث انه من المقرر أن يقوم بالتوجه للولايات للحصول على جائزة غاندي للسلام في حفل في جامعة ييل المرموقة. وهذا بدوره يساهم بشكل كبير في كشف الوجه العنصري القبيح للمؤسسة الحاكمة في إسرائيل، ومخالفاتها المتكررة للقانون الدولي. وما تقرير الإسكوا الأخير، الذي قام بصياغته خبيران قانونيان لا غبار على خبرتهما، إلا دليل قاطع على مدة تغلغل الأيديولوجيا العنصرية في البنية المؤسساتية الإسرائيلية.
وعليه فإنه يمكن فهم الحملة على عمر في إطار السلسلة الطويلة من التحريضات على الحركة الساعية إلى "القضاء" عليها باستخدام أبشع الوسائل خوفاً من تحقيق أهدافها من حرية و عدالة و مساواة! فما هذه الشعارات إلا النقيض الوجودي لأي كيان عنصري، بالضبط كما كانت ضد نظام الأبارثهيد الجنوب أفريقي.
إن ما تقوم به إسرائيل ضد عمر وباقي النشطاء ما هو إلا دليل على فشلها الذريع في مواجهة تسونامي البي دي أس. هل تتصور المؤسسة الأمنية الصهيونية أن تهديداتها سترهب نشطاء الحركة؟! أو أن عمر البرغوثي سيصبح منبوذاً لأن دولة الأبارثهيد تقول أنه يتهرب من دفع ضرائب لها؟
ما حركة ال بي دي اس التي يتطوع عمر ضمن صفوفها، مثل غيره من الشباب والشابات، إلّا ذلك الصوت الفلسطيني الجديد الذي لم تتعود إسرائيل على سماعه، الصوت المستقل الأصيل الذي يعبر عن إرادة صلبة وإصرار غير مسبوق على تحقيق الحرية و العدالة والمساواة. فإسرائيل لا تريد أن تجد نفسها في غرفة المفاوضات مع أمثال عمر لأن النتيجة معروفة وواضحة وضوح الشمس: إنهاء النظام الإضطهادي المركب من احتلال وأبارثهيد و استعمار استيطاني.
ولكن هذه الهجمة تتوافق أيضاً مع بروز "المثقفين" ما-بعد-الأوسلويين. فمن مواقف الشهيد المثقف-المشتبك باسل الأعرج، إلى المواقف التي لا تنحني لريما خلف، الأمينة العامة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية و الاجتماعية لغلاب آسيا، إلى عمر البرغوثي، و ما يمثله من ريادة و التزام لا يلين بالحقوق الأساسية لأبناء شعبنا في الداخل و الشتات، تعلم إسرائيل جيداً أننا قد شارفنا على لحظتنا الجنوب أفريقية, لحظة تتخطى أوسلو و مخلفاتها, و تفتح أفاقاً جديدة لمستقبل ممكن التحقيق. و ما صمود هؤلاء المثقفين/ات إلا درس تاريخي يعيد الاعتبار للمثقف/ة الملتزم/ة و دوره/ا في قول الحق في وجه سلطة جائرة، متكبرة، متغطرسة، و الالتزام بالحقيقة دفاعاً عن موقف إنساني أخلاقي متقدم. ما ميز النضال الجنوبأفريقي هو بالضبط ما يميز الخط النضالي الذي يتبعه عمر، وكل حركة المقاطعة "بي دي أس": الأرضية الأخلاقية العليا نقيض الإضطهاد العنصري.