الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

تجارب المعتقلين الفلسطينيين في رسائل ماجستير ودكتوراه

نشر بتاريخ: 30/03/2017 ( آخر تحديث: 30/03/2017 الساعة: 16:20 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

تجربة المعتقلين الفلسطينيين هي التجربة الأطول والأكثر زخماً وإنتاجاً معرفياً ثقافياً وإبداعياً وتنظيمياً وكفاحياً وتعليمياً "التعليم الذاتي"، وتربوياً وفي فن إدارة الصراع مع السجان، وهذا ليس توصيفاً شعاراتياً، بقدر ما يستند ذلك إلى الحصيلة الإنتاجية لهذه التجربة، عبر محطاتها وسيرورتها وصيرورتها. وبالنظر إلى العدد الكبير الذي تلظى على جمر الاعتقال ليصل إلى مليون فلسطيني وفلسطينية، وهي أعلى نسبة اعتقال على مستوى حركات التحرر العالمية، إذا أخذنا بعين الاعتبار التناسب مع التعداد الكلي للمواطنين الفلسطينيين.

وقد صدرت عن جوانب من التجربة، كتب وبحوث، قسم منها حكمته المبادرات الفردية العاطفية ولم يرتق إلى مستوى التجربة بابعادها وتجسيداتها المختلفة، فيما قسم لا بأس به، وبخاصة الاصدارات الحديثة تحرر من حماسة الانسياق خلف الاندفاع العاطفي، ليأخذ مساراً بحثياً إبداعياً أو منهجياً بقراءات معمقة وضعت التجربة في سياقاتها التاريخية والمعرفية وفق أدوات قياس واستخلاصات اعتمدت التحليل البحثي بأساليبه المتعددة، ولعل أهم ما صدر في هذا الإطار مؤخراً، العمل الموسوعي الذي يعكف على إصداره مركز أبو جهاد في شؤون الحركة الأسيرة ( وقد صدر منه جزءان حتى الآن).

لكن اللافت في توثيق وقراءة وتحليل ميادين تجربة المعتقلين، هو أن عدداً من الباحثين وفي رسائل جامعية محكمة، اختاروا أحد جوانب التجربة موضوعاً لرسائلهم، كما فعلت هديل القزاز في أطروحة الدكتوراه التي تقدمت بها قبل سنوات لإحدى الجامعات البريطانية "تجربة التعليم الذاتي للمعتقلين الفلسطينيين" وكذلك الحال بالنسبة إلى إسماعيل الناشف الذي بحث في التجربة الثقافية والإبداعية للمعتقلين الفلسطينيين ونال على رسالته درجة الدكتوراه من الجامعات الامريكية، وأيضاً طالبة الدكتوراه هديل طمش التي خصصت رسالتها في الجامعات الأمريكية للبحث في التجربة الثقافية للمعتقلين، وفهد أبو الحاج الذي تناول التجربة الديمقراطية للمعتقلين، وكاتب هذا المقال رسالته مستوى الماجستير حملت عنوان " الصحافة العبرية في تجربة المعتقلين الفلسطينيين"، وعيسى قراقع "الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية بعد أوسلو 1993-1999)، وأما فردوس عبد ربه العيسه، التي تناولت الآثار النفسية للمعتقلين القُصّر في رسالة نالت عليها شهادة الدكتوراه من الجامعات المصرية، وفيما حصل رأفت حمدونه على درجة الدكتوراه من الجامعات المصرية، حيث تعمق الباحث في التجربة الثقافية والإبداعية للمعتقلين، وكذلك الحال بالنسبة للدكتور والشاعر فايز أبو شماله، إلى جانب عدد آخر من رسائل الماجستير التي يجري الآن إعدادها في جامعات بيرزيت والقدس والنجاح، ونشير هنا إلى أن القائد الأسير مروان البرغوثي أشرف في اعتقاله على عدد من الرسائل المتخصصة في التجربة، في إطار جهده المميز في حَملِ لواء تجربة التعليم الجامعي في الأسر.

وأشير إلى انني تطرقت لعناوين ومواضيع عدد من الرسائل من باب الاستشهاد، وليس بهدف عرضها جميعها في مقال، لأن المجال لا يتسع هنا، حيث تحتاج عملية الإحاطة بكل الرسائل الأكاديمية استعراضاً وتحليلاً، إلى دراسة متكاملة، آمل أن يتسنى لي انجازها في المستقبل، وإنما هدفت إلى تسليط الضوْء على هذا التطور الأكاديمي الذي يسعى لمواكبة تجربة حيوية متفاعلة ومنتجة، غير أني وفي سياق تناول هذه القضية المهمة أحاول تسجيل بعض الاستنتاجات التي رأيت أن من شأن طرحها وتعميمها، لفت انتباه المعنيين إلى محاور، من المناسب العمل عليها اغناءً وتعميماً وتوسعة:-
أولاً: إن التنبه الاكاديمي لتجربة المعتقلين، وإنْ كان جاءَ متأخراً نسبياً، أخذ يشق طريقه نحو مزيد من العمل والإنجاز.
ثانياً: المنهج الأكاديمي في تناول التجربة، سيردم ثغرات الارتجال والعشوائية في التوثيق والتحليل.
ثالثاً: الاستفادة من طاقات وإمكانيات جامعاتنا في تأريخ وتحليل هذه التجربة، وتحفيز المستوى الأكاديمي بخاصة في الدراسات العليا على تناول جوانب أخرى منها.
رابعاً: ضمان وصول نسخ من الرسائل إلى الجامعات العربية ومراكز البحث ومؤسسات حقوق الإنسان.
خامساً: أن تبادر هيئة شؤون الأسرى والمحررين ووزارة الثقافة واتحاد الكتاب ومؤسسات أخرى، في نشر الرسائل الأكاديمية في كتب، والعمل على ضمان عرضها في معارف الكتب العربية، مع ترجمة ملخص عن الإصدار إلى اللغة الإنجليزية على الأقل.

وفي رأيي أن هناك مجالات تصلح لتناولها في رسائل أكاديمية متخصصة في الأدب وعلمي الاجتماع والنفس والعلوم السياسية ومنها على سبيل المثال لا الحصر، القصة القصيرة، الرسالة، الصحافة، الفن التشكيلي، العلاقات الوطنية، علاقة الفرد بالجامعة في تجربة الاعتقال، الصناديق الاعتقالية العامة، فن إدارة الصراع مع السجان، الإضرابات عن الطعام، التعليم الحواري في التجربة، الترجمة، البحث، النص المسرحي، الدراسة الجامعية، تأثير الاعتقال النفسي على المعتقل، الأمن، الديمقراطية الداخلية، القيادة، ......إلخ.

واعتقد أن الأسرى المحررين الذين التحقوا بالجامعات وبخاصة مستوى الدراسات العليا، قادرون على انتاج بحوث علمية، إذا توافرت لهم اشتراطات أكاديمية بحثية، تمكنهم من قياس جوانب التجربة استناداً إلى وسائل البحث الحديث، بعيداً عن استئثار اللغة العاطفية أو التعظيم الناتج عن الإنشداد للتجربة، لأن التوثيق والتحليل والاستنتاج يتطلب علماً رصياً وليس لغة خطابية تفريغية.