الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

عن التطبيع القميء!

نشر بتاريخ: 26/04/2017 ( آخر تحديث: 26/04/2017 الساعة: 11:15 )

الكاتب: حيدر عيد

لا يتورع المطبعون عن مفاجأتنا بأشكال جديدة من التطبيع في كل مرة نتوقع أنهم إما اختفوا عن الأنظار, أو تراجعوا عن ممارساتهم التطبيعية بسبب فشل نهجهم أو بسبب حجم الجرائم التي ترتكبها اسرائيل, و اخرها قتل أكثر من 2200 مدني من بينهم 580 طفل و جرح أكثر من 12000 امرأة و طفل, و تدمير ما يزيد على 100.000 منزل و مؤسسة. أي زيارة سريعة لحي الشجاعية, أو قرية خزاعة, أو بيت حانون, أو الزنة في قطاع غزة لابد أن تظهر مدى الحجم الهائل لجرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل بحق السكان الآمنين!
و لكن من الواضح أن نهج التطبيع يعتمد على الذاكرة الضعيفة. فأنت تستطيع أن تنسى, أو بالأحرى تتناسى, هذه الجرائم في سبيل إما مصلحة شخصية, أو مصلحة طبقية يتم التعبير عنها من خلال شعارات وطنية أصبحت مستهلكة, أو حتى ادعاء تمثيلك لنهج مقاوم يتراوح بين ما يُطلق عليه جزافاً "انتفاضة دبلوماسية" أو تصغيرك لأشكال المقاومة التي لا تتناسب مع حجم عباءتك الأيديولوجية.
ما الذي حصل للوعي الفلسطيني المقاوم؟!
فقد تم الأسبوع المنصرم الكشف عن أن وفداً من رجال الأعمال الفلسطينيين شارك في لقاء بالقنصلية الأمريكية، مع رجال اعمال اسرائيليين بالاتصال عبر تقنية "الفيديو كونفرس" بمسؤولين أمريكيين. وكانت القنصلية الأمريكية بالقدس المحتلة، نشرت يوم الخميس 20 ابريل (نيسان) بيانا عن لقاءٍ عبر (الفيديو كونفرس) بين مسؤولين أمريكيين وقادة من القطاع الخاص الإسرائيلي والفلسطيني، وممثلين عن الحكومة الإسرائيلية.
وكان في اليومين الماضيين قد تم تداول فيديو لاحد المستوطنين وهو يعزف في عرس فلسطيني، وبحسب المواقع العبرية التي اوردت النبأ فان المستوطن يدعى يوني شارون يسكن في مستوطنة في قرية إلداد . واظهر مقطع الفيديو شارون وهو يعزف على الطبلة في فرح بقرية الفرديس حيث ظهر الى جانبه بعض الشبان الفلسطينيين الذين كانوا في حالة انسجام.
من المحزن أن هذه الفعاليات التطبيعية تأتي كلها في سياق مناقض تماماً لما أنجزته حركة المقاطعة العالمية ذات القيادة الفلسطينية و التي أرقت مضاجع القيادة الاسرائيلية كما توضح كل التقارير العبرية التي أصبحت تشكل المصدر الرئيس للإعلام الفلسطيني في معظم ما يتعلق بإنجازات البي دي أس.
إن الفلسطيني, سواء كان من سكان مناطق ال67 أو ال 48 أو المنافي, في حالة اشتباك متواصل مع أشكال الاضطهاد المتعددة التي تمارسها اسرائيل. وما يميز حركة المقاطعة هو وعيها التام أنها تخوض معركة تشكيل الوعي الفلسطيني كمشروع تحرري لا يرى في تحسين شروط الاضطهاد والقمع أي شكل من أشكال الحرية. فالمقاطعة مشروع مقاوم يعتبر تحرير العقل مقدمة ضرورية لتحرير الأرض والانسان، مشروع لا يتنكر بأي شكل من الأشكال لدماء الشهداء وأنين الجرحى، لا يختزل المقاومة بشكل إقصائي، ولا يتبع سياسة انهزامية على حساب الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني من أجل مكاسب آنية. وهذا بالضبط ما يسعى له المطبعون، أي ضرب المنظومة الأخلاقية الوطنية لدرجة أن بديهية عدم التعامل مع الاحتلال أصبحت تحتاج الى مناظرات وجدال ومحاولات إقناع على الرغم من وجود شبه إجماع وطني على تعريف التطبيع الذي صدر عام 2007 ,وأن كل الأمثلة التي تم طرحها في هذا المقال تعتبر تعديا صارخا على معايير المقاطعة. فهل لم تصل هذه المعايير الى شاشات اللاب توب التابعة لمن يقوض الاجماع الوطني، على الرغم من أنها وصلت الى الفيزيائي الشهير ستيفن هوكنجز, و الرئيس البوليفي إيفو موراليس, و الأسقف دزموند توتو, و مغني الروك روجر ووترز, و المفكرة جوديث بتلر, و أعضاء 9جمعيات أكاديمية أمريكية, و الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا, وبلدية برشلونة و غيرها من المدن الأسبانية و الفرنسية, وأكثر من 200 مدينة عالمية أقامت فعاليات أسبوع مناهضة الأبارتهيد و الاستعمار الإسرائيلي؟!
ألا يعلم المطبعون أنه تبعا للقانون الدولي فإنه يوجد مسؤولية جنائية فردية على عاتق ليس فقط الذين ينفذون جريمة الفصل العنصري، بل أيضاً الذين يعينون عليها؟!