الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الشهيد سبأ.. روح تصعد على غيمة وحجر

نشر بتاريخ: 13/05/2017 ( آخر تحديث: 13/05/2017 الساعة: 11:32 )

الكاتب: عيسى قراقع

سُلّم من روح تصعد من ازل لا يزال الى غيمة على حجر، وتشعل في العالمين السؤال، هنا وقد امطرت النكبة في ذكراها السبعين موتا، ونزف الاسرى في اضرابهم المفتوح دما، ليعلن الشهيد سبأ انه ولد في اليوم السادس والعشرين من الاضراب المفتوح عن الطعام على حلم يشتبك مع السجانين والجنود، لينهض على ايقاعه الاحياء فجرا، فيروا الشهيد الاول لإضراب الحرية و الكرامة يمر بين طبقات الرياح، يمر لا يطأ الارض ولا يغيب في السماء.
الشهيد سبأ، ينتشر في لقاح الشجر، رآه الناس مفتاح بيت يعود الى الذكريات والى المكان الاول، يفتح البيت والبرهان ويحرك كل من نام تحت الرماد وانفجر، ورآه الناس يقترب كثير من بوابات السجون، يلقي السلام على الاسرى ويلقي على السجانين حجر، ويموت كثيرا ليحيا الاسرى كثيرا ويستجيب لارادة الحياة القدر.
رصاصة في القلب، لايستريح الشهيد ولا الموت ولا المجزرة القائمة، وهو الذي استجاب لنداء الاسرى وجوعهم مؤكدا انه لم تزل في الوريد وجبة من ملح ودم جديد، لا تقرأوا الفاتحة قال سبأ، ما بعد الموت نصر يصوغ الحياة في زلازله الجامحة.
روح غضبت، وروح تكلمت وصعدت الى كل اللغات، روح تصول وتصرخ في كل الجهات، لا تسمحوا لهم ان يكسروا اضراب المعتقلين ويحولوا الزنازين الى مقابر، ولينهض الاحياء والشهداء والجماد، وليمنح الشهداء ملامحهم لكل من حجزوه خلف الظلمات، لنكسر القيود، ونفض حجاب الخوف والغياب.
روح سبأ غضبت، دخل مملكته، ونادى على الاحرار ليحطموا اوتاد المحتلين وليخرجوا من ثوب العبودية والإذلال، هي نبوءة الشهيد للارض والفصول وحق تقرير المصير، وهي الآيات الواضحات (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) ، وهو الحق الذي يصعد على روح الشهيد ، وهو كتاب الشهيد الفلسطيني لكل المؤمنين.
سبأ يسقط امام العالم، يحمل ذراعا من شجر الارض ويرفع موته الى جبهته طالعا من صمت الليل الى وضوح النهار، وسبأ يحاصر تل ابيب بعينين يتقدان ويشعان فوق الجدار ، وسبأ يمتد من قبره يجلجل في شرايينه ويمضي ، يعود حيا، ويعود اغنية وسنبلة وعرشا.
سبأ، ملح يذوب على عتبات السجون، نسغ آخر في الجسد الواقف امام دبابة الغزاة وسطوة المحتلين ، وسبأ شمس تطل على المعزولين في الزنازين، بهجة الشعب وصوت الحياة وصلاة العباد وصوت المنتفضين.
الشهيد سبأ صوت الخيام المغمورة بالمتظاهرين والمتضامنين ، صوت الحجر والطفل والغيمة الماطرة، يقول ارفضوا ميتة الذل، ان موتي احلى واغلى واعلى، انهضوا وارفضوا، جثتي صرختي المبشرة، جثتي نجمتي المقمرة.
سبأ يموت وموته قتال، والموت لا ينكسر ما دام جوع الاسرى يصير بشرى للقلب والشعب، الرصاصة في القلب، يتنفس الشهيد ليتحرك الهواء والشارع، يتنفس لتغلق الطرقات على المستوطنين ويختنق الاحتلال باحتلاله، يتنفس لا ليهرع العالم الى جنازة، بل الى زفاف الحرية يمتد من سجن النقب حتى سجن هداريم.
سبأ يموت، وموته يحرك الضمائر، يهز العروش والممالك والنصوص الميتة في قرارات الامم المتحدة ومباديء حقوق الانسان، ياخذ العالم معه الى حواجز الاحتلال ، يأخذ الجميع الى المعسكرات والسجون ويطلق من هناك زفير الحرية يندفع مع عمره الطويل.
الشهيد سبأ وجد أن المجتمع الدولي ظل صامتا، والمأساة تتوسع فجيعتها في السجون، فقال: هذي خطاي، وفي جسدي فقط الخطوة المقبلة، وما من طريق يكسر الصمت سواي.
اسمعوا هذا صهيل الخيل يهز الليل، على خطى عبد الرحيم محمود كان خطاب سبأ الأخير:
سأحمل روحي على راحتي
والقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدى