السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بكائيات لا مبرر لها

نشر بتاريخ: 21/05/2017 ( آخر تحديث: 21/05/2017 الساعة: 09:27 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

من يتابع ما تنشره وسائل الإعلام لمحللين سياسيين أو مسؤولين في مستويات مختلفة يتم استضافتهم، يجد أن الغالبية العظمى لمضون ما نسمع ونقرأ ونشاهد، مطلي بالسواد، الكل يسلط الضوء على السلبيات فقط، وكأننا شعب يعيش على الهامش في المجالات كافة، حيث يتناسى من يكتب ويحلل أن المتلقي هو إنسان، يتأثر بما تتناقله وسائل الإعلام، وأن الإفراط في إغراقه بالسلبيات، يقوده إلى القنوط والتشاؤم والانكسار.
صحيح أن المرحلة التي نعيش صعبة ومعقدة، وأن العالم العربي يواجه تحديات غير مسبوقة، إلا أن الأفق ليس مسدوداً ومغلقاً، وأن السلبي يقابله الإيجابي، ولو كنا بلا إيجابي ولو انعدمت فينا المبادرات والمآثر، لما استطعنا أن نبلور أنفسنا في العقود الأخيرة كشعب واحد نجح في الحفاظ على هويته وثقافته وعروبته، لهذا فمن يدعي أن الفلسطينيين يراوحون في المكان ذاته، ولا ينجزون ولا يحققون شيئاً، فإنه يكذب على نفسه وعلى الآخرين ويسوق لنا أفكاراً إحباطية مدمرة قاتلة.
أن نشير إلى السلبي بغية معالجته والانطلاق إلى الأمام، هذا موضوعي ومشروع، لكن أن نظل أسرى للسلبي، نجتره ونكرره ولا نرى سواه، فهذا يعني أننا نتيه في صحراء قاحلة وقد فقدنا الاتجاه بلا ماء أو طعام أو أمل!! فأن يُنكب شعب فذلك أعلى درجات الظلم والقهر والسلبية، بيد أن السلبي هنا لم يسلبنا تاريخياً الانتماء والأمل والسعي إلى تغيير الواقع بالتحرر والاستقلال.
سلسلة كبيرة من الفعل الإيجابي حققها الفلسطينيون منذ العام 1965 في مواجهة السلبي ومناهضته والتصدي له، حيث أنبرى الفلسطينيون يضمدون جراحهم ويجمعون شتاتهم بفعل جماعي وضع قضيتهم على رأس سلم القضايا العالمية، وفي ذلك فعل إيجابي كبير، حيث رافق هذا النهوض العام، تبلور ثم تطور في الوعي الشعبي نجم عنه تأسيس تجارب لافتة على مستوى النقابات والاتحادات الخاصة بالعمال والكتاب والصحفيين والحرفيين والمسرحيين والفنانيين، التشكيليين والمرأة والشباب والطلبة...إلخ".
لذلك نحن الآن لسنا منسيين في قعر التاريخ، لا سيما وإن لدينا كل مقومات الشعب الحديث، لدينا جامعات ومعاهد ومراكز بحثية، ووزارات وهيئات ومنظمات غير حكومية وشركات خاصة ولدينا مشافينا ومؤسساتنا الطبية، ولدينا حركتنا الثقافية بمكوناتها ورموزها، إضافة إلى إعلام كفؤ نجح في التفوق في أكثر من مرحلة، وحتى المعتقلات فقد تم تحويلها إلى مدارس وجامعات تخرج الكفاءات الثقافية والعلمية والقيادية السياسية.
فمن يدعي أننا على وشك أن يبتلعنا الحوت ونغيب تماماً عن الوجود، فهو إنسان يقتات على السلبي، ويلبس نظارات مطلية بالسواد، مع تأكيدنا أن نشخص السلبي في هذه المرحلة، أمر مطلوب وعلمي، شريطة ألا يطغى علينا السواد، بحيث نرى في المقابل الإيجابي ونعيشه ونتفاعل معه ونطوره ، لذلك أتمنى على محليينا وسياسينا أن يلتفتوا للإيجابي دائماً، لئلا يتخيل للناس أننا نغرق في بحر مضطرم مضطرب لا يحكمه سوى سواد في سواد!!
لا خوف على القضية الفلسطينية من الضياع أو البيع، في ظل الوعي العام بالوطن والقضية وحتى السياسة والدبلوماسية الفلسطينية الرسمية التي تتعامل مع واقع دولي تعصف به تناقضات وتجاذبات ومصالح، أصبحت قادرة على إحراز انتصارات دبلوماسية كبيرة في المحافل الدولية، وان الزمن الذي كانت فيه الدبلوماسية الإسرائيلية تصول وتجول وحدها على الساحات الدولية قد ولى، بخاصة وان الفلسطينيين يستندون بعد هذه السنوات إلى تجارب وخبراء وقدرة عالية على قراءة المتغيرات والمستجدات بلغة العلم ومفاتيح العصر. والذي أسوقه هنا ليس من خيال كاتب أو أديب وإنما تدعمه الانجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة، صحيح أننا نطمح لأداء أفضل وأنجع وأكثر جدوى، وهذا طموح مشروع، لكننا في حقيقة الأمر لا نتراجع إلى الخلف بل ولا نراوح في المكان ذاته، نتقدم ببطء على الصعد كافة، ما يحدث تراكمات يومية على الأرض لا بد وأن تفضي إلى نتائج، رغم السلبيات والمعوقات، فقضيتنا على مستوى العالم لها أنصارها ومؤيدوها والبرنامج المطروح الآن من الفصائل والفعاليات واقعي ومقبول عالمياً ويتلخص في إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس، وهو برنامج توافقي، وفي المضمون وبالقراءة، فإن ما جاء في وثيقة حماس الأخيرة، لا يبتعد عمّا تطرحه فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، إذا جردنا الأمور من الديباجات اللغوية واحتكمنا إلى المضمون. وأمام ذلك كله هل ستأتي الدولة المستقلة؟ الجواب قطعاً ستأتي، إلا أن التوقيت منوط بمستوى نضج وتطور العامل الذاتي الذي من شأنه أن يقرّب أو يبعد التوقيت.