الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

احراق الاطارات.. استعادة مشاهد الانتفاضة

نشر بتاريخ: 26/05/2017 ( آخر تحديث: 27/05/2017 الساعة: 09:27 )
احراق الاطارات.. استعادة مشاهد الانتفاضة
رام الله - خاص معا - تدق الساعة السادسة صباحا مع نغمة هاتف سامر "اسم مستعار".. "إني اخترتك يا وطني" لإيقاظه باكرا، أنها مكالمة من صديقه سعيد قال فيها "يلا جيب العجال، وخالد يجيب البنزين"، ينطلق سامر إلى كراج تصليح سيارات قريب لمنزله يلملم اطارات السيارات البالية، وينتظر "البنزين المجاني" ليعلنوها منطقة مغلقة، وعلى جانبهم يصدح صوت "يا نبض الضفة لا تهدأ، اعلنها ثورة" في المحال التجاربة على طول الطريق، كل هذه الطقوس تبدو طبيعية قبل 30 عاما من الآن، حتى الاغاني الوطنية التي كانت خلفية لثورتهم حينها ما زالت هي نفسها لاحمد قعبور.
كاوشوك محترق
مع الحالة السياسية الراهنة... اختلفت توجهات بعض المواطنين بين تأييد وشجب اغلاق الشبان للطرق الداخلية والخارجية في محافظات الضفة التي تكون اعلانا أو رسالة لاعلان التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام... سامر (18عاما) من رام الله دائم الانبطاح في شارع مدخل قلنديا شمالي القدس لمنع المرور واغلاق الشارع كواحدة من عدة فعاليات ونشاطات تضامنية مع الاسرى... وفي الجانب الاخر لسامر تتواجد آلية عسكرية مدججة بالسلاح والعتاد الحربي لا يفصلها عنه سوى "كاوشوك محترق".
وبعيدا عن استخدام المصطلحات في توصيف الفعل النضالي وتناقضاته والبحث في الدوافع النفسية والعاطفية التي لجأت اليها بعض وسائل الاعلام في وصف سامر وزملائه بـ "الشبان الغاضبين" حيث كان وصفهم إبان الانتفاضة "مقاومين" نظرا لحقيقة أن الأولوية دائما في تفسير الأفعال السياسية للدوافع السياسية لا النفسيّة، قد يكون هناك دور للدوافع النفسية، لكن الدوافع السياسية ومصالح الفاعلين السياسيين لها الأسبقية في التحليل، ولكن حتى "الغاضبين" هم غاضبون على واقع مرير وغاضبون على حال الاسرى وغاضبون على استمرار اضرابهم دون حلول في الافق.
سياسيا
لا يرى الصحفي عبد الحفيظ جعوان المشهد غريبا على كاميراته التي كانت تلتقط ذات المشاهد إبان الانتفاضة الأولى ويقول "إن القوى الوطنية كانت تجبر المحال التجارية في رام الله على إغلاق أبوابها بعد الساعة 12 ظهرا، ولم يكن هذا الفعل مكروها ابدا بل كانوا يغلقون محالهم للمشاركة في الانتفاضة، وفي القرى كنا نغلق الشوارع بهذا الشكل في كل مناسبة وطنية أو إضراب، ولو لم يحدث ذلك في حينه، لما حققت الانتفاضة الأولى ما حققته".
ويضيف جعوان "إن القلة الثائرة في ذلك الزمن، أجبرت العامة على الانخراط في الحالة النضالية، والعامة لم يكن لديهم خيار آخر، رغم أن البشر بطبيعتهم يميلون نحو الاستقرار والأمن وتوفير الدخل".
فعل مطلوب لذاته
وكون دوافع سامر السياسية بإحراق الإطارات لا تتجاوز "فعل شيء من لاشيء" على حد قوله، فانها بصورتها البسيطة لا تمكنه من الرهان على النتيجة على حد قول المنتقدين، ويمكن ان تخرب على نهج التضامن أكثر من اثماره.
الحراك يجب الا يكون مجرد رغبة
ويرى الباحث في الفلسفة والفكر همام يحيى أنه من الخطير أن يكون الحراك أو السلوك مجرد رغبة في التحريك، أو فعل شيء، وهذا يحصل سيكولوجيا مع الفرد أو الجماعة عند عدم وجود أفق للفعل المثمر والمخطّط له، فيصبح مجرد الفعل في أي اتجاه مطلوبا لذاته.
ويكمل "ربما يكون ايضا رغبة في استعادة مشهد ذا حضور قوي في الخيال الفلسطيني هو مشهد الانتفاضة الأولى، فالانتفاضة الثانية والهبة الجماهيرية الاخيرة ظلت تحمل جميعها صور ومظاهر ومشاعر الانتفاضة الاولى، حتى ولو كان الزمن قد تجاوز تلك الانتفاضة ووسائلها، وحتى في غياب جدوى عملية من تكرار بعض هذه المظاهر، وان تعامله بتلك المعطيات قد يكون شعورا بالعجز والتقصير من خلال استدعاء المعاناة ومحاكاة معاناة الأسرى، فإذا كان الأسرى يعانون وليس لدي القدرة على عونهم، فأقلّ ما أفعله هو أن أعاني معهم.
وان الفعل غير محسوب النتائج الذي تحدث عنه همام في تحليله، على الرغم من كون الفعل نبيل المصدر إلا أنه ينطوي على أمور مقلقة، وتفضيل المعاناة السلبية محدودة العواقب ومحسوبة التكاليف على المعاناة غير المحسوبة التي يمكن أن تنتج عن أفعال مختلفة.
كيف ترى الاحزاب هذه المظاهر
وإن الاحزاب الفاعلة في المنطقة لا ترى مشهد الاحراق واغلاق الطرق بصورة مجردة، بل تنظر اليه بارتباطاته وتفاعلاته مع عناصر النضال الأخرى العالقة في ذهنهم والمتفاعلة بشكل جذري بوسائل النضال قبل قدوم السلطة الفلسطينية، "الفتحاويون مثالا"، حيث يقول النائب في المجلس التشريعي وعضو المجلس الثوري في حركة فتح جمال حويل أن اشعال الاطارات هو وسيلة تعبير عن غضب ورفض للواقع واقع الاحتلال وعن حالة التردي التي نمر بها خاصة وان الاسرى هم الان في حالة الخطر الجدي والحقيقي وقد يسقط شهيد في اية لحظة".
يرى حويل أن استثنائية الحالة تبرر استثنائية الفعل، ولا يجب القاء اللوم على الشبان بقدر توجيههم إلى طرق النضال الفاعلة لتحقيق سبل التحرير.
يغادر سامر وزملاءه مكانهم عند تمام الساعة الثانية ظهرا بعد الاختناقات المرورية، تتقاذفه بعض الشتائم من قلة قليلة من الشعب "لعنه الله عليكم يا زعران"، "خربتوا البلد"، هل يا ترى انتبهوا لجملة كتبت على الحائط على يمينهم "لا يمكن أن نطلب من شعب مضطهد أن يتصرف بلباقة".

تقرير: مجد حثناوي