الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإرهاب حكاية ظلام والحوار حكاية أمل

نشر بتاريخ: 28/05/2017 ( آخر تحديث: 28/05/2017 الساعة: 10:56 )

الكاتب: زهير الشاعر

مما لا شك فيه بأن العملية الانتحارية الجبانة التي وقعت قبل يومين خلال حفل موسيقي كانت نجمة البوب الأمريكية الشهيرة جراندي تحييه ، وذلك في أكبر صالة مغلقة في أوروبا وهي "مانشستر أرينا" التي تقع في إنجلترا ، قد أوجعت قلب كل إنسان حر لديه ضمير حي، بغض النظر عن دينه وثقافته، حيث أن هذه العملية الإرهابية المدانة إنسانياً ودينياً وثقافياً استهدفت أرواح أناس أبرياء بما فيهم أطفال ونساء كانوا يقضون وقتهم في لحظات سعادة .
نتساءل ماذا استفاد هذا الوحش الغادر الذي استباح إنسانيتهم وحياتهم وأهدر حياته من خلال انتحارٍ رخيصٍ بلا ثمن!!. لا بل أساء لنفسه وأساء لدينه وأساء لأهله ، كما أنه لم يجد هناك عاقلاً من الممكن أن يتعاطف مع فعلته المشينة هذه ، لذلك فإنني أجد في هذا الأمر تحدٍ للإنسانية لابد من مواجهته فكرياً وإنسانياً واجتماعيا ، وذلك بالتثقيف الواعي لجيل الشباب الناشئ وتعريفهم بمخاطر مثل هذه الأفعال القذرة التي تتعدى على حياة الآمنين بهمجية وبدون أي ذنب لهم.
هنا لابد من الإشارة إلى أنه من الصعوبة أن يتم منع مجنون ذاهب ليقتل نفسه ويؤذي الآخرين خاصة في ظل توافر نية القتل والموت الذي تغذيه عصابات الفكر المتطرف من المجرمين والإرهابيين، وفي ظل تطور تكنولوجيا السلاح والقتل، ولكن بالتوعية الذاتية والأسرية والانفتاح في الحوار بين مختلف الثقافات والأديان لمواجهة هذه المخاطر التي تنجم عن هذا السلوك العدواني البائس ، الذي يدفع الفاعل لكي يكون ضحية سهلة لأفكار متطرفة يستخدمها الإرهابيين لتحقيق أهداف قذرة تحت غطاء ديني لا أساس له، لا في دين ولا في عقيدة ولا في أخلاق ، بالإمكان محاصرة هؤلاء الأوغاد ومنعهم من نشر فكرهم المتطرف خاصة بين ضعاف النفوس والمراهقين الذين تهون عليهم حياتهم وأنفسهم ومستعدين أن يكونوا ضحايا سهلة لمثل هذه الأفكار المتطرفة.
إن حوار الثقافات بهدف خلق آلية نموذجية لإنشاء جسور من الثقة برعاية من مؤسسات دولية سيفضي بلا شك إلى حالة من الوعي التي ستكون سداً منيعاً أمام الأفكار الهدامة التي تخترق المجتمعات الآمنة، وستكون صمام أمان في ضمان عدم الغرق في وحل دوامة الإرهاب التي تحدث فجأة من اشخاص تدب الكراهية في قلوبهم لأسباب متعددة تدفعهم لنكران الجميل والحقد على من فتح أبواب الأمل أمامهم فيصبحوا فريسة التطرف والجريمة.
إن الثقافة التي تهدف إلى الانفتاح على المجتمع لتؤهله حتى يكون أفراده فاعلين ومندمجين ومحبين ومنتمين بالفعل لا بالقول للبلاد التي فتحت أبوابها لهم ولأولادهم حتى يعيشوا بأمن وأمان وسلام ويأخذوا فرص لم تتوفر لهم في بلادهم الأصلية، وهذا يجب أن يكون مبني على أسس واعية وفيه إدراك واضح بأنه ليس بقصد سلبهم حبهم وانتمائهم لوطنهم وتفاعلهم مع قضاياه، ولكن بهدف التوعية الفكرية التي تفسح المجال أمامهم لفهم أهمية تحديات الواقع بمختلف ظروفه الإيجابية والسلبية ، وأن بلاد الاغتراب ليس حصالة مال فقط ، لا بل هي مستقبل اسرة وحياة أمنة لأطفال وصناعة الأمل لأحفاد يحتاجون لفكر معتدل ويحتاجون لأمل، وهذا لن يأتِ إلا من خلال التوعية الصحيحة والناضجة وإفساح المجال أمام أهمية مفاهيم الاندماج والانخراط في المجتمعات المحلية لا الانطواء والابتعاد والخوف من التعاطي مع المؤسسات الحكومية وكأنهم في حالة عداء فيما بينهم والأساس أنهم في علاقة تكاملية الكل فيها يحرص على العيش في بلد نموذجي ينعم بالأمن والأمان والسلام.
لذلك في تقديري أن الخوف الحقيقي يمكن في تسلل الخلايا النائمة بين أفراد طبيعيين سواء في الجامعات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي لربما تؤدي إلى فرز اشخاص متطرفين فكرياً وغير معروفين وحاقدين على الحياة ومستعدين للموت بدون أي ثمن تحت ذريعة أن هذا الموت هو في سبيل أمور إيمانية نابعة من إيمان بأفكار ستأخذهم لدار الخلود، وهم لا يدركوا بأن هذه قراءة مجنونة وخاطئة بلا أدنى شك تحتاج إلى تصويب ومواجهة فكرية رزينة وصحيحة وواقعية ومنطقية تهدف إلى خلق حالة من التحصين الفكري لجيل الشباب في مواجهة غزو الفكر المتطرف.
هنا أيضا لابد من توضيح فكرة مبنية على أساس أن المنطق يقول بأن المجرم لا يمكن أن يكافأ إلا بالخزي والعار، فما بالنا بقاتل الأبرياء العزل الذي لا يمكن أن تنتظره مكافآت إيمانية موعودة مبنية على خزعبلات وأوهام ليس لها جذور ولا أساس عقائدي ولا ديني ولا ثقافي ولا يمكن لأي دين أن يقبل بها ، هذا عوضاً عن أنه يجسد حالة من فقدان للوعي والذاكرة لمفهوم الخيانة للأمانة التي يقسم عليها الإنسان المغترب يميناً بأنه سيصونها وسيحترم مواثيقها.
إن تكرار الأعمال الإرهابية الهمجية بين الحين والآخر ضد الأبرياء العزل سواء كانت بسبب حمل فكرٍ متخلف ومتطرف أو نتيجة تصادم ثقافي يخلق حالة من اللاوعي ، تحتاج في الحقيقة إلى تكاتف الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، وذلك من خلال تفعيل ثقافة واعية مبنية على أساس فكرة حوار الثقافات وتوضيح أهمية ذلك من أجل بث روح التعاون وقبول الآخر خاصة في المجتمعات المنفتحة، والتي تملك إمكانيات لدعم هذا التوجه حتى يصبح نهجاً حياتياً فاعلاً ومفيداً ومؤثراً في حياة الشباب وهم الفئة التي يسهل تضليلها بأفكار متطرفة في الغالب ، إن لم يتم توعيتها بمخاطر ذلك مبكراً، ومن ثم تصبح ثقافة عامة في حياة المجتمع بشكل عام وبذلك بتحصينه فكرياً وثقافياً من مخاطر هذه الأفعال الهمجية وضمان استعداده لرفضها والتصدي لها ابتداءً من حالة الوعي للفرد ثم الأسرة وبالتالي المجتمع .
لذلك في تقديري أن الأمر بات يحتاج بالفعل لإعادة النظر في الثقافة العامة للمجتمعات وذلك بهدف التوعية بمخاطر الإرهاب الذي يحمل رسالة ظلام تقضي على المستقبل ، وأيضا تبني نهج الحوار الثقافي لخلق جسور من الأمل في سياق التلاقي والحوار بين تعدد الثقافات واختلافاتها والتي ستكون بلا أدنى شك سبباً في خلق حالة من الإبداع في ترسيخ مفاهيم الأمن والأمان والسلام وانعكاس ذلك على المجتمع ومن ثم على نهضة وازدهار البلاد التي تنتهج الحوار نهجاً للتوعية والوقاية من مخاطر الإرهاب مبكراً.