الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

حماس من الميثاق إلى الوثيقة

نشر بتاريخ: 29/05/2017 ( آخر تحديث: 29/05/2017 الساعة: 09:57 )

الكاتب: الدكتور عماد البشتاوي

حماس من الميثاق إلى الوثيقة حركة وثيقة المبادئ والسياسات العامة 2017
ما بين تأسيس حماس وميثاقها 1987-1988 ووثيقتها 2017 (وثيقة المبادئ والسياسات العامة ) ما يقارب الثلاثين عاماً, ومما لا شك فيه أن مجمل التغيرات التي حدثت فلسطينياً وإقليميا ودولياً قادت حماس الى التفكير و إعادة النظر في ميثاقها والشروع في صياغة وثيقتها. فقد فازت – داخلياً - داخلياً في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 وفي السنة اللاحقة عام 2007 سيطرت تماماً على الحكم في قطاع غزة ,لاسيما بعد فشل جميع محاولات المصالحة وإنهاء الانقسام . وأثبتت حماس حضورها كتيار سياسي مسيطر ومنتخب من قبل الشعب , وذلك بعد أن نجحت في فرض نفسها كفصيل مقاوم وهذا ما جعلها تتجه بأنظارها إلى الخارج - إقليمياً ودولياً - في محاولة منها للحصول على الشرعية الدولية بعد ان حصلت على (الشرعية السياسية الداخلية وطنياً وديمقراطياً ) .
أما اقليمياً فما شهدته المنطقة العربية من أحداث وتطورات دراماتيكية ابتداء من عام 2011 فيما سمي بالربيع العربي من حدوث ثورات وثورات مضادة (الفوضى الخلاقة ) هذه التطورات وضعت حماس في حالة تتطلب منها اتخاذ مواقف واضحة ومحددة بعيداً عن الخطابات الكلاسيكية والعبارات الفضفاضة مما اضطر حماس لاتخاذ قرارات وانحيازات إلى دول وثورات معينة, وهذا ما حدث وبشكل واضح لاسيما في الأزمتين السورية والمصرية.
ومن خلال حديثنا عن حماس والإقليم, فلابد لنا من التطرق بشكل أو باّخر لكل من تركيا وقطر ودورهما وتأثيرهما على صعيد الربيع العربي أو على صعيد حماس, وحتى في التأثير على علاقة حماس بالربيع العربي .
كل هذه التغيرات الفلسطينية والإقليمية جعلت حماس أكثر واقعية, سواء من جهة تقنين المقاومة و العمليات ضد إسرائيل أو على صعيد خطابها الفكري والسياسي وهو ما توج عملياً بالوثيقة التي عملت حماس على صياغتها سنوات عديدة إلى أن ظهرت للوجود عام 2017 , بعد سلسلة من النقاشات والحوارات وكان الخلاف هل تعدل أو تلغي حماس الميثاق أم تستحدث الوثيقة ؟ إذ إن الميثاق الذي صاغته عام 1988- بعد أشهر قليلة من إعلان تأسيس حماس واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى – في غمرة الاندفاع السياسي والثوري وهذا ما انعكس على لغة ومفردات الميثاق, ومن هنا جاءت ضرورة إعادة النظر في بعض القضايا والأولويات ولكن دون التطرق الى فكرة تعديل الميثاق أو إلغائه لكي لا يفسر تنظيمياً وشعبياً على أنه ارتداد وتراجع مثلما حدث مع منظمة التحرير الفلسطينية , لذلك آثرت حماس إطلاق تسمية (الوثيقة ) على هذا البرنامج الفكري السياسي الجديد الذي أظهر حماس كمشروع ( وطني إسلامي وسطي )
إن الفرق بين الميثاق والوثيقة هو أن الميثاق ميثاق حركة حماس المعارضة, أما الوثيقة فهي وثيقة حماس الحكم ومن هنا فإننا نلاحظ ان الميثاق كان مشبعاً بالمثالية والطوباوية والخطاب الديني , أما الوثيقة فهي الخطاب الهادئ الواقعي والذي حمل في ثناياه التركيز على القيم ومفاهيم العدالة والعيش المشترك , وكأن حماس بوثيقتها تريد أن توجه رسالة أساساً للرأي العام الإقليمي والدولي ثم إلى الشعب الفلسطيني .
من خلال استعراض الوثيقة وموادها نلاحظ أن المصطلحات والأفكار كانت منتقاة بدقة وعناية, فمن ناحية تريد حماس الحفاظ على المبادئ و بالتالي الحفاظ على شرعيتها وشعبيتها في الشارع الفلسطيني بصفتها حركة تحررية بصبغة وأيدلوجيا إسلامية, وفي الوقت نفسه عدم التقوقع والعزلة لاسيما مع المتغيرات الإقليمية والدولية بدءاً من وصول عبد الفتاح السيسي للحكم وانتهاء بالرئيس الأمريكي ترامب .
استفادت الوثيقة أحياناً ووظفت أحياناً أخرى الإرث النضالي لها ولغيرها من حركات التحرر الفلسطينية ولاسيما ما ورد في ميثاقي منظمة التحرير الفلسطينية الميثاق القومي 1964 والميثاق الوطني 1968, من حيث التعريف بالشعب والجغرافيا والحدود والهوية الفلسطينية , وكأننا بحماس تريد الفصل ما بين الوطن والدولة حيث جاء في المادة الثانية من الوثيقة ( إن فلسطين بحدودها التاريخية المعروفة من نهر الأردن شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً ومن رأس الناقورة شمالاً إلى أم الرشراش جنوباً هي أرض الشعب الفلسطيني ووطنه ) . وعندما جاءت على ذكر الدولة في المادة العشرين ,فإنها تقبل بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 . وفيما يتعلق بالشعب الفلسطيني اعتبرت الوثيقة أن الفلسطينيين هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة دائمة حتى سنة 1947 ولا نعرف هنا لماذا اختارت حماس سنة 1947 حيث قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة ولم تختر عام 1948 حيث النكبة وقيام إسرائيل.
غلب على وثيقة حماس السياسي على حساب الديني وهذا واضح من خلال عدم اللجوء إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي توضح علاقة المسلمين باليهود دينياً بل انها حاولت التمييز بين اليهود كأهل كتاب واليهودية كديانة من ناحية وبين الاحتلال والمشروع الصهيوني من ناحية أخرى و بالتالي فان صراع حماس هو صراع مع المشروع الصهيوني وليس مع اليهود واليهودية . من ناحية أخرى حاولت الوثيقة وبشكل واضح تجاهل استخدام (إسرائيل) و استعاضت عن ذلك بمصطلح المشروع الصهيوني معتبرة ان الكيان الإسرائيلي هو أداة المشروع الصهيوني وقاعدته العدوانية .
لعل حماس أرادت من خلال ذلك تقديم نفسها كحركة سياسية أكثر من كونها تياراً إسلاميا ,ولم تأت الوثيقة على ذكر جماعة الإخوان المسلمين نهائياً في حين ورد ذكرهم في الميثاق ست مرات , مؤكدة أنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين , وفي الوثيقة طرحت حماس نفسها كحركة وطنية إسلامية وسطية , و بالتالي ميزت نفسها و بوضوح عن بعض التيارات الإسلامية المتشددة المرفوضة شعبياً والمحاربة دولياً مثل داعش وأخواتها .
وفي تبريره عن التخلي أو عدم التطرق إلى الارتباط بالإخوان المسلمين قال خالد مشعل في المؤتمر الصحفي لإعلان الوثيقة (حماس جزء من المدرسة الإخوانية فكرياً , وقبل أن تسمى حماس هذا الاسم كانت هي تنظيم الإخوان المسلمين الفلسطينيين , فحماس جزء من المدرسة الإخوانية فكرياً , لكنها تنظيم فلسطيني قائم بذاته مرجعيته مؤسساته القيادية وليس تابعاً لأي تنظيم هنا أو هناك . وليست حركة حماس التي تتنكر لتاريخها ولفكرها وحماس لا تنصرف عن الناس حين تكثر السهام عليهم " المقصود هنا الإخوان المسلمون في مصر " ) .
والسؤال هنا بما أن حماس لم تنفصل عن الإخوان المسلمين ولم تتخل عنهم وهم المرجعية الفكرية لحماس , إذن لماذا لم تتطرق الوثيقة الى ذلك ؟ ولكننا ندرك تماماً أسباب هذا التغييب ومن المؤكد ان الاختيار الدقيق لألفاظ الوثيقة يفتح المجال واسعاً في المستقبل من حيث طبيعة وأشكال المقاومة وكذلك العلاقة أو التفاوض وهنا يبدو أن التمييز يكون ضرورياً لتهيئة الرأي العام الفلسطيني عامة وأنصار و أتباع حماس لاحقاً لمثل هذه الاحتمالات التي تميز بين ما هو يهودي وما هو صهيوني , فكيف ستكون نظرة وعلاقة حماس مع اليهود في فلسطين هل نعتبرهم ديانة سماوية توحيدية أم أن جميعهم محتلون لفلسطين ؟ وهل نتحدث ونتناقش و نتفاوض مع اليهودي غير الصهيوني؟ وكيف ستميز حماس بين ما هو يهودي وصهيوني على أرض فلسطين .
بالانتقال إلى أكثر المواد جدلاً وإثارة للنقاش في وثيقة حماس وهي المتعلقة بالدولة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية والمقاومة والتسوية السياسية فإننا نلاحظ ان الوثيقة حاولت انتقاء واختيار القرارات والأفكار بما وما يتناسب مع محاولتها الجمع بين المتناقضات فمن ناحية تعتبر ان قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947 وباقي القرارات وكل ما ترتب عليها أو ماثلها من قرارات وإجراءات باطلة (المادة 18) من الوثيقة, ولكنها تعود في (المادة 20 )وتؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من حزيران 1967 مع ان قيام هذه الدولة وحدودها قد جاء بناء على قرار من قرارات الأمم المتحدة ألا وهو القرار رقم 242. وحين جاءت الوثيقة على موضوع القدس لم تشر بوضوح ما المقصود بالقدس التي تريدها عاصمة للدولة الفلسطينية هل هي القدس الشرقية أم القدس بشقيها الشرقي والغربي , فان كانت تريد القدس الموحدة فهذا يتناقض تماماً مع ما جاء في( المادة 20) من الوثيقة التي توافق حماس من خلالها على دولة على حدود الرابع من حزيران 1967 وهنا تصبح القدس الشرقية (الشريف ) هي العاصمة , ولماذا لم تحسم حماس موضوع القدس مثلما حسمت موضوع الدولة .
(المادة 22 ) ترفض الوثيقة جميع الاتفاقيات والمبادرات ومشاريع التسوية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو الانتقاص من حقوق شعبنا وأن أي موقف أو مبادرة أو برنامج سياسي يجب ألا يمس هذه الحقوق و لا يجوز أن يخالفها أو يتناقض معها و تؤكد حماس انه لا يمكن لأي سلام في فلسطين ان يقوم على أساس ظلم الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضه وتهجيره منها . وهنا يتبادر للذهن السؤال الاتي : ما المقصود برفع الظلم ؟هل هو العودة إلى حدود 1967 . أليس في ذلك ظلماً لباقي فلسطين وجغرافيها وتاريخها وشعبها فكيف ستقبل حماس بهذا الظلم ؟ وإذا نجحت حماس في قيام الدولة الفلسطينية على أراضي عام 1967 فهل تكون حماس بذلك قد رفعت الظلم عن الشعب الفلسطيني بجميع أماكن وجوده ؟ إذا كانت الإجابة( لا) فلماذا تقبل حماس بهذا أو لنقل تقبل نصف الحق ونصف الظلم , وإذا كانت الإجابة( نعم) فلتعترف حماس بأن دولة فلسطينية على الرابع من حزيران هو غايتها وهو نهاية للصراع .
وفيما يتعلق بالمقاومة وأشكالها وهي مرتبطة بشكل أو بآخر بفكرة الدولة الفلسطينية . فقد أوضحت الوثيقة أن كل أشكال المقاومة مشروعة ومشرعة واعتبار المقاومة المسلحة بمثابة القلب لباقي أشكال المقاومة وهي الخيار الاستراتيجي لاسترداد الحقوق . المهم في هذه المادة هو فتح خيارات وأشكال أخرى للمقاومة مع الحفاظ على خيار المقاومة المسلحة وهنا تبرز براجماتية المقاومة وبشكل واضح من حيث اعتبار هذه المادة مرجعاً ومرجعية في حال أقدمت حماس على أية تحولات سياسية أو قبول أي مشروع تسوية سياسية , وبالتالي ستلجأ حماس لاحقاً إلى مفاهيم ومصطلحات تبنتها حركة فتح في السنوات القليلة الماضية مثل المقاومة الشعبية والمقاومة السلمية. إن حماس تحاول أن تهيئ أنصاره وكذلك الشارع الفلسطيني إلى أنه في حال إقدامها على التهدئة أو تنويع الوسائل والأساليب فإن ذلك يندرج ضمن عملية إدارة الصراع وليس على حساب المقاومة .
وفيما يتعلق بالنظام السياسي, فتعتبر الوثيقة أن الدولة الحقيقية هي ثمرة التحرير ولا بديل عن إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس على التراب الوطني الفلسطيني .
وهنا تعود الوثيقة إلى الغموض مرة أخرى , فإذا كانت تعتبر أن الدولة الحقيقية هي ثمرة التحرر , فهي أولاً لم تحدد ما المقصود بالتحرير, هل هو من خلال المقاومة المسلحة فقط أم من خلال الأشكال الأخرى للمقاومة أم من خلال المفاوضات , وهل الدولة التي ستوافق عليها حماس على حدود الرابع من حزيران دولة حقيقية أم لا , وأخيراً ما المقصود بالتراب الوطني ,هل هو فلسطين من البحر إلى النهر أم الضفة الغربية وقطاع غزة ؟
لم تأت الوثيقة على موضوع المفاوضات , مع أن حماس تدرك تماماً أن قبولها بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 لن يأتي إلا من خلال مفاوضات سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة مع قوى دولية وإقليمية وعلى رأسها إسرائيل, لأن موضوع الدولة تحديداً بحاجة الى مثل هذه الترتيبات والمفاوضات ومن غير المنطقي تشبيه ومقارنة قيام الدولة الفلسطينية بالانسحاب الإسرائيلي الأحادي من جنوب لبنان أو من قطاع غزة , أي بدون مفاوضات .
وهنا لابد لنا أن نذكر أن الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ونائبه موسى أبو مرزوق ذكرا أن المفاوضات ليست مرفوضة دينياً أو سياسياً ولكن (الظروف غير ملائمة )للمفاوضات . ان وثيقة حماس تفتح الباب على هذه الإمكانية وبالتالي التحول بالخطاب الى مستوى الاستعداد لتقبل المبادرات , وهذا لا يعني بالضرورة ان حماس ستبدأ فوراً بالمفاوضات , لكن من الواضح أنها تسعى إلى تهيئة الرأي العام الفلسطيني ومناصريها لمثل تلك اللحظة .
ترفض الوثيقة وبشكل قاطع اتفاقيات أوسلو و ملحقاتها وما ترتب عليها من التزامات على الرغم من أنها حصلت على أغلبية برلمانية وحظيت بتشكيل حكومة عام 2006 من خلال آليات عمل و مؤسسات أوسلو . وفي مكان آخر تطالب السلطة الفلسطينية أن تكون في خدمة الشعب الفلسطيني وحماية أمنه وحقوقه و مشروعه الوطني ,مع أن حماس تعي وتدرك تماماً أن السلطة الفلسطينية هي أيضا من إفرازات أوسلو .
وفيما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية فإن ميثاق حماس عام 1988 رفض الانضمام إلى المنظمة قاصراً أسبابه على اعتبارات أيدلوجية , أساسها أن منظمة التحرير هي علمانية ويقول الميثاق (يوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كمنهج حياة فنحن جنودها ) , مع العلم أن حماس وفي عام 1993 تحالفت مع عدد من الفصائل الفلسطينية الرافضة لاتفاقية أوسلو (الفصائل العشر ) على الرغم من أن غالبيتها تتبنى أيدلوجيات علمانية بل واشتراكية وماركسية . وفي منتصف التسعينيات خاضت حركة حماس مفاوضات مع حركة فتح في السودان للدخول والانخراط في منظمة التحرير العلمانية ولكن المفاوضات فشلت بسبب الاختلاف على عدد المقاعد الذي كان سيعطى لحركة حماس . وفيما يتعلق بالوثيقة, فإن حماس اعتبرت أن منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني , وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية . ومن الملاحظ ان الوثيقة لم تأت نهائياً على موضوع أيدلوجيا منظمة التحرير الفلسطينية .
وأخيراَ تعتبر وثيقة حماس ( وثيقة المبادئ والسياسات العامة ) محطة مهمة من محطات حركة التحرر الفلسطينية, على الصعيدين الفكري والسياسي , وستخضع للنقد أكثر في قادم الأيام إذا ما وضعت على المحك و تم تطبيقها على أرض الوقع .