الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الشرق الاوسط الجديد – المرحلة الثالثة

نشر بتاريخ: 18/06/2017 ( آخر تحديث: 18/06/2017 الساعة: 22:08 )

الكاتب: عدنان رمضان

مع بداية القرن الوحد والعشرين وتحديدا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر بدا الحديث الامريكي عن مشروع الشرق الاوسط الجديد وهو المشروع الامريكي القديم المتجدد والذي يهدف إلى احداث تغيرات كبرى في الانظمة السياسية والجغرافيا وكذلك في الثقافة السياسية التي تعيق مشروع الهيمنة المطلقة على المنطقة وثرواتها وتصر على التعامل مع اسرائيل كعدو.
ان تحقيق هذا المخطط الكبير لن يمر بهدوء ولن يتم دون مخاضات عنيفة وحروب طاحنة لن يتم الا اذا وقد كانت اهم الاستراتيجيات والاهداف هي القضاء على الانظمة التي تشكل اعاقة وفرض حصار عليها واحتواء بعضها واعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم هذه الاغراض كما ان مخططا بهذا الحجم لن يمر الا على مراحل وقد انطلقت المرحلة الاولى من هذا المشروع في العام 2001.
المرحلة الاولى وتميزت بالحروب الامريكية الاسرائيلية المباشرة واحتلال عسكري مباشر لاجزاء من المنطقة وقد وفرت احداث الحادي عشر من سبتمبر الذريعة للحروب الامريكية المباشرة على افغانستان وفي 2003 الحرب على العراق وما يمثله من اهمية استراتيجية واقتصادية وقد وفرت هذه الحرب تواجدا عسكريا مكثفا ومباشر للقوة الامريكية في المنطقة ومكنها ايضا من تشكيل تهديد اكبر وحصار على ايران وسوريا وبعد ذلك قامت اسرائيل بدورها باعادة احتلال الضفة وحصار غزة وشنت حربا ضروس على حزب الله في لبنان في العام 2006 وحروبا متتالية على غزة وكان لصمود حزب الله ونجاح المقاومة الفلسطينية بالثبات في غزة والعنفوان الشديد للمقاومة العراقية اثارها الكبرى على اعادة النظر في الاستراتيجيات المتبعة لتحقيق المشروع ومنعه من الوصول إلى غاياته مما اقتضى من القائمين عليه التراجع واعادة التموضع للبدء بالمرحلة الثانية.
المرحلة الثانية وتميزت بلبوس وجه الثورة والتحالف مع الإسلام السياسي وخاصة الاخوان المسلمين مما استدعى ان تغير تركيا وقطر ادوارهما وتحالفاتهما وقد ركبت امريكيا وحلفائها موجة الثورات العربية وايضا العمل المباشر على اطلاقها في بعض الدول كما ظهر جليا في تسيبات كلينتون وتصريحات اكثر من مسؤول اوروبي على راسهم ساركوزي وكما يظهر الان في فيض المعلومات التي يقدمها امراء الخليج.
هدفت امريكيا واسرائيل وحلفائهم في هذه المرحلة إلى احتواء الثورات وحرفها بحيث تساهم في تسعير التناقضات المختلفة، اكانت سياسية او جهوية ثقافية او عرقية دينية او طائفية وغيرها مما يساهم في تفتيت الدول والقضاء على سلطة وقوة الدول وعلى راسها الجيوش الوطنية وادخالها في معمعان الحروب الاهلية وما يترافق مع ذلك من تحويل الصراعات المركزية والاساسية إلى ثانوية ومن ضمنها الصراع العربي الاسرائيلي واضعاف فكرة العرب والعروبة لصالح الشرق اوسطية بالمعنى العملي مما اقتضى النفخ في الهويات العرقية وبعث مقدمات لدولة للاكراد وتعزيز للحركات العرقية في اكثر من دولة وحضور مباشر لكيانات وقوميات ودول غير عربية في المنطقة مما يطبع وجود الدولة اليهودية وترافق مع ذلك تحويل الصراع إلى صراعات دينية وطائفية وعرقية وتشريع التطبيع مع الكيان الصهيوني "اسرائيل".
لقد تطلب مشروع الشرق الاوسط الجديد في هذه المرحلة ان تقوم الدول الحليفة والادوات في المنطقة بالانخراط المباشر وبادوار اكبر وحضور وتمويل هائل مما رفع من حدة التناقضات على مستوياتها المختلفة.
وجند وحشد مئات الاف من المقاتلين من كافة انحاء العالم للتواجد في المنطقة واطلاق حركات الإسلام السلفي "الجهادي" وصلا إلى دولة الإسلام في العراق والشام والتي امتدت على اراضي ثلاث دول عربية وقد كان في هذه المرحلة وضع الاسس لثلاث دويلات في العراق وثلاث اخرى في ليبيا وتدمير سوريا ومحاولة تقسيمها واليمن يمنيين وتقسيم السودان وتعميق الانقسام الفلسطيني واضعاف مصر إلى اقصى حد ووضعها على شفا حرب اهلية ودينية وودور وتواجد عسكري تركي في كل من سوريا والعراق. 
قد نجح المخطط الامريكي الصهيوني وفي هذه المرحلة وتقدم خطوات كبرى الا ان التحالف الذي قادته ايران وسوريا وجذبت اليه روسيا استطاع ايضا ان يوقف هذا المشروع وان ينجح في الصمود واستنزاف قوى المعسكر الاخر وخاصة الخليج وتركيا وتوجيه ضربات قوية منعت مشروع الاخوان من السيادة واجبرت امريكيا والكيان وحلفائهم على التراجع واعادة التموضع للبدء بمرحلة جديدة وهجوم جديد.
المرحلة الثالثة : وهي المرحلة التي دشنها ترامب والجمهوريين ببناء حلف ناتو جديد يضم اتباعهم وحلفائهم وتحضيرهم لمواجهات جديدة ونهب غير مسبوق لمقدرات وثروات المنطقة وتطبيع تام مع دولة الكيان الصهيوني وكان من اولى خطواته تواجد وحضور امريكي عسكري مباشر في سوريا والعراق وكذلك التخلي عن الاخوان المسلمين بعد ان تم استنفاذ امكانياتهم وفرصهم خاصة ان المرحلة القادمة تتطلب تغيرات في بنية الدولة التركية وتغيرات في خارطة ونفوذ بعض الدول في االمنطقة فما هي معالم هذه المرحلة ؟وما هي خطوطها العامة ؟ كما نستشرفها وكما يظهر من مقدماتها.
لكن قبل ذلك من المفيد التذكير ببعض القضايا التي يجب ان ناخذها في عين الاعتبار اولا ان ما تصل اليه المجتمعات والشعوب هي محصلة ونتاج تفاعل تصارع العديد من القوى و العوامل المحلية والاقليمية والعالمية في سياقات من الثقافة والاقتصاد والجغرافيا وبالتالي فان الناتج لن يكون كما تريده قوة ما مهما عظمت قوتها وامكانياتها ، بل ان التاريخ والواقع هي صياغة محصلة فعل ونتيجة صراعات للقوى الفاعلة المختلفة وهي نتاج الجهود الجماعية سواء كانت متحالفة او متصارعة اما واتجاهات الواقع ومسيرته نحو المستقبل فتكمن ايضا في قدرة القوى المختلفة على وضع مقدمات لتحولات وافرازات تخدم مصالحها وتوجهاتها وخططها
ثانيا :القوى الكبرى تضع وتصيغ خططها بعيدة المدى وكيف ترى ذاتها وادوارها في عقود قادمة على المستوى العالمي مستندة إلى معلومات وابحاث ودراسات ورؤية جيواستراتيجية تتضمن تمكنها من مصادر القوة سواء الثروات والمعرفة والتكنولوجيا والقوة العسكرية وغيرها
ثالثا :ان القوى الكبرى لا تتحرك في العالم بمفردها فهناك العديد من القوى المتنافسة والمتصارعة معها باشكال مختلفة وعلى مستويات متعددة وبالتالي فان قدرتها على تحقيق قدر اكبر من مخططاتها تتم عبر اضعاف منافسيها وتحجيم ادوارهم وحرمانهم من مصادر القوة وعبر الاستخدام الانجع لعناصر قوتها
رابعا :ان السياسة تحكمها المصالح وعلاقات القوة وان القيم الانسانية في السياسات العالمية ليست الا اداة سياسية وانها تتراجع دائما عندما تتعارض مصالح هذه القوى مع هذه المباديء او القوانين
خامسا :لقد كانت المنطقة العربية مسرحا لحرب عالمية واقليمية في السنوات الاخيرة وخاصة مشروع انتاج شرق اوسط جديد وفق التصورات والمصالح الامريكية والصهيونية شرق اوسط جديد خال من اية قوى "مارقة " واستخدمت فيه ذرائع الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان واطلق العنان للدين السياسي وللتقسيمات الطائفية لتفر ارضية ووقود للحروب الطاحنة التي امتدت ولا زالت على ساحات عديدة ونتج عن ذلك اهوال كبرى وتحولات هائلة اعادت انتاج الجغرافيا السياسية والبنية اوالثقافية السياسية في المنطقة
سادسا : في الحروب كما في السياسة ليس هناك نصر كامل او هزيمة كاملة وبالتالي فان المخطط الامريكي الصهيوني الرجعي في المنطقة لم ينتصر تماما بعد ان جوبه بتحالف لم يظهر ضعفا ونسج تحالفات امتدت اقليميا وعالميا خاصة في ظل طموحات دول كبرى كروسيا والصين للعودة إلى عالم متعدد الاقطاب واستثمر هذا الحلف عناصر قوته كلها في الصمود ومنع المخطط المعادي من الوصول إلى اهدافه
المخطط الامريكي الصهيوني الرجعي ايضا لم ينتصر ولكنه ايضا لم ينهزم تماما بل انتهت مراحله الاولى والثانية وابتدأت مرحلته الثالثة من الهجوم بعد ان تغيرت ادارة اوباما وعودة الادارة الجمهورية الجديدة مع الرئيس ترامب والتي ايضا ترافقت مع تغيرات كبرى مست اوروبا ودولها الكبرى وصعود كبير للدور الروسي على الساحة العالمية ونجاحات متتالية حتى وان كانت محدودة لمحور ايران سوريا حزب الله وتوسيعه باتجاة " العراق " على حساب داعش والنصرة وبالتالي فان ما يحدث الان يظهر بعض معالم المخطط الجديد مستند إلى نتائج الحالة لتي تعيشها المنطقة
اذا نظرنا إلى المنطقة واهم اللاعبين فيها واجنداتهم المختلفة فاننا نرى اولا حلفاء امريكا
الكيان الصهيوني : الذي يحقق في هذه المرحلة نجاحات كبرى لمشروعه تمكنه من تجاوز الدور الإقليميإلى دور اقرب إلى فوق اقليمية ونحو العالمية واعمدتها 1- الانتقال من التطبيع إلى التحالف العلني مع العديد من الانظمة العربية خصوصا في الخليج ما يمكنه من ثروات ومقدرات البترول العربي 2 – تعزيز دوره في افريقيا خصوصا كون الكيان هو عراب الدور الإقليميالذي تلعبه اثيوبيا في افريقيا كدولة اكثر من حليفة للكيان وايضا مع الدور الشبيه الذي ستلعبه دولة الاكراد طور التكوين والتي اصبحت شبه جاهزة للاعلان عنها في المرحلة الثالثة 3- تعزيز علاقات التعاون وخاصة الامني والعسكري مع القوى الصاعدة البريكس في كل بقاع العالم 4- ان يحتل مكانة مختلفة وادوار مختلفة في المؤسسات الدولية واذرعها كالامم المتحدة
وحتى تنجح دولة الكيان بهذا الامر فلا بد ان تحرص على استغلال الظرف من اجل تصفية شبه نهائية للقضية الفلسطينية من خلال صفقات اقليمية (صفقة القرن) مستغلة الحالة الاقليمية والانقسام والضعف الفلسطيني الذي وفر لها مناقصة على الحقوق ومناخا لتعزيز مشروع الهيمنة الكاملة على كامل فلسطين التاريخية
تركيا : لقد تراجعت الاحلام التركية باعادة امجاد العثمانيين وتراجع قدرة تركيا على التاثير في مستقبل المنطقة خصوصا في ظل الازمات التي نتجت عن سياساتها وبدل صفر ازمات اصبحت تواجه عشرات الازمات مع محيطها الإقليميوالدولي مما مس بمكانتها في حلف الناتو وفي تحالفاتها وعلاقاتها مع كل من اوروبا وامريكا وفقدانها لاصدقائها جميعا مما ضيق من خياراتها ووضعها فريسة للابتزاز السياسي خصوصا مع ازمات داخلية كبرى وتهديدات وجودية مع الاكراد في الداخل ومع دويلاتهم في الجوار وخاصة في ظل انفضاض الحلف الامريكي والترتيبات المعقودة مع الاخوان المسلمين
تركيا بحاجة لاعادة التموضع والحسم تجاه الحلفاء وفي الغالب ستنكفيء باتجاه موقف دفاعي دفاعا عن وحدة اراضيها وبحثا عن قدر من الاستقرار يمكنها من البقاء كلاعب في المنطقة وهذا يقتضي اقترابها من روسيا وايران وبالتالي دفعها لاثمان كبيرة وتظهر هشاشة الموقف التركي ومأزقه الان اكثر من اي وقت مضى خاصة في ظل التحالف الامريكي الصهيوني مع الاكراد ودعمهم المتواصل وعلى كافة الاصعدة وموقف اخر هو موقفها المتردد والهزيل تجاه حليفتها قطر في صراعها مع محيطها الخليجي وقضية حماس واعتبارها منظمة ارهابية ومحاولتها احتواء الحركة كورقة مساومة اقليمية
مصر : وهي تواجه منذ سنوات تحديات وجودية متمثلة بتراجع دور الدولة وهشاشتها خصوصا في ظل التحديات الاقتصادية الهائلة وكذلك التحديات الامنية ليس في سيناء فحسب بل على امتداد الدولة وتفاقم حالة الانقسام الديني
مصر بحاجة إلى شرطان يوفران لها قدر من الاستقرار هما الامن والمال وهذان الشرطان يوفرهما محيطها الإقليميوقد اظهرت مصر قدرا هائلا من المرونة والمساومة حتى على عناوين سيادية مثل قضية الجزر مع السعودية وقضية مياه النيل مع اثيوبيا وحتى في موضوع حلايب مع السودان والاهم مع اسرائيل لتتجنب مفاقمة المخاطر الامنية و ومن جهة اخرى تخلت عن دورها العربي للسعودية مقابل المال وبالتالي فان قدرتها على القيام باية ادوار اقليمية في مواجهة المشروع الامريكي الصهيوني ستبقى محدودة جدا وسيتم ابتزازها سياسيا وبطرق مختلفة والاستمرار باضعافها الممنهج خصوصا ان الجيش المصري لا زال الجيش العربي الوحيد في المنطقة الذي حافظ على قدر معين من القوة
السعودية ومحورها : ومعها دول الخليج والامارات تحديدا التي تسعى للعب دور اكبر في الساحات المختلفة في ظل النفوذ المتعاظم للامير محمد بن زايد وتحالفة مع رجل السعودية القوي محمد بن سلمان وهما يمثلان جيلا جديدا يتخلى عن تحفظه ويذهب بعيدا في طموحاتهم خاصة وانهم يرون في اسرائيل حليفا ونموجا يقتدى ويراهنان على ثرواتهم والمؤسسات الاعلامية وقوى الضغط التي انشاوها وصلاتهم وقدرتهم على التاثير في قوى الإسلام الاصولي واستخدامه عند الحاجة واستخدام المال السياسي الذي يجد تربة خصبة في العالمين العربي و الإسلامي وحتى ايضا في الكثير من الدوائر العالمية
هذه الدول ترى ان العدو المركزي هو ايران وحلفائها وانه على الاخرين سواء كانوا دولا او احزاب او مؤسسات مؤثرة ان تتبنى هذا الامر وهم يسيرون على نهج بوش الابن "من ليس معنا فهو ضدنا "وقد انخرطت هذه الدول بشكل مباشر في البحرين وليبيا والعراق وسوريا واخيرا في الحرب التي تشنها على اليمن مما استنزف الكثير من قواها المالية والعسكرية وجعلها فريسة سهلة لابتزاز امريكي اسرائيلي جلي وواضح خصوصا تجاه الحلف السياسي العسكري لحصار ايران وحلفائها في المنطقة
الامر المهم في ان مصادر القوة التي تتمتع بها هذه الدول تقوم على اسس هشة غير ثابته ولا تخضع لسيطرتها التامة بل انها تستمد قوتها اساسا من دعم الامريكي للاسر الحاكمة وايضا من رضا الكيان الصهيوني عنهم وهي تواجه تحديات داخلية كبيرة لها علاقة بالتركيبة السكانية لهذه الدول وفي بنيتها الاقتصادية والسياسية والصراعات الكبيرة داخل الاسر الحاكمة مما يجعلها في احسن الاحوال ممول واداة لخدمة الاجندة الامريكية الصهيونية ومع مرور الوقت تزداد تورطا في صراعات ونزاعات متعددة ستقودها في النهاية إلى مزيد من الانقسام والنزاعات التي تسهل تحقيق اهداف المرحلة الثالثة من ترتيبات الشرق الاوسط الجديد
ايران ومحورها : وهي من اكثر الدول في قدرتها على تحويل الازمات والتحديات إلى فرص فقد استطاعت استثمار المخططات الامريكية بشرق اوسط جديد لتعزيز قوتها ونفوذها وبناء شبكات من القوى والاحزاب والمليشيات في عديد من الدول التي تراجعت فيها دور الدولة المركزية سواء في افغانستان والعراق ولبنان واليمن وبناء تحالفات متينة مع سوريا وروسيا وعززت مصالحها ونفوذها اسيا الوسطى وحتى مع بعض خصومها مثل تركيا وبعض دول الخليج وحتى قطر والامارات
لقد نجحت ايران في فك جزئي للحصار المفروض عليها ونمت قوتها الاقتصادية والعسكرية بشكل هائل وهي ترمي إلى التحول إلى قوة فوق اقليمية وطريقها إلى ذلك يمر عبر معركتها وصراعها المفتوح مع دولة الكيان وهي بهذا فانها تضع نفسها في مواجهة مشروع الشرق الاوسط ولها رؤيتها الخاصة للمنطقة ودور ايران فيها ينبع من طبيعة الايدلوجيا الدينية التي تحتل مكانة هامة في صنع السياسية الايرانية بالاضافة إلى طموحاتها القومية في اعادة بناء دور ايراني عالمي
ان طبيعة المشروع الايراني تضعه في مواجهة مباشرة مع المخططات الامريكية الصهيونية وذلك يفتح الباب دائما على صراع مفتوح مابين المواجهة المباشرة حينا والمواجهة عبر الوكلاء احيان
ايران تعلم وتعرف ان المرحلة الثالثة من مشروع الشروق الاوسط الجديد يضعها في مواجهة مباشرة مع ادوات امريكا وحلفائها ومع امريكيا نفسها
هذا المحور نجح في الثبات في سوريا ولبنان واليمن وفي تحقيق تقدم كبير في العراق مما مكنه الان من السيطرة على جغرافيا متواصلة من شرق ايران إلى غرب المتوسط وبات حضوره المتعاظم يشكل تحديا جديا للمعسكر الصهيوامريكي
الى اين المسير
ان تفاعل هذه الاجندات تحالفاتها المؤقتة والاستراتيجية التحولات التي تطرا عليها المواجهة ونتائجها في الساحات المختلفة هي ما ستحدد معالم المرحلة المقبلة فالمنطقة العربية ستبقى تعيش حالة الفوضى والحروب والعنف و عدم الاستقرار بكل ما فيها من احتمالات وإمكانيات تفتح الأبواب واسعة أمام مخاضات عنف جديدة ومواجهات داخلية وبينية وبأشكال مختلفة من الانفجار والفوضى وستستمر المنطقة بان تكون ساحة صراع مفتوحة لاجندات اقليمية ودولية والجرح العربي النازف لن يتوقف المنطقة مرشحة لظهور دولة جديدة على الاقل هي دولة الاكراد وما يترافق مع ذلك من محاولات لايجاد دويلات مختلفة على اساس طائفي وعرقي وديني
والمرحلة المقبلة ستشهد تراجع لدور الدين السياسي ولعودة اكبر للعائلات والعشائر وامام حالة الفوضى المتفاقمة وتراجع وضعف دور الدول ستنتعش المليشيا والامارات والعنف والجريمة ولكن في نفس الوقت يتعزز الحجة إلى فكر عقلاني والى مواجهات جدية مع الفكر السلفي وظهور ملح إلى دولة المؤسسات العلمانية كضرورة لتجاوز الفوضى
من الواضح ان مساحات المواجهة بين دول الخليج بقيادة السعودية مدعومة من امريكيا واسرائيل ستتسع وتمتد إلى مناطق جديدة وفرص الحروب المفتوحة والمواجهات المباشرة ستكون احد المخاطر التي سنعيش معها في المراحل القادمة ومن جهة اخرى فان شن اسرائيل لحروب على حماس وحزب الله لن تكون مستبعدة لكن الاهم هو السعي الصهيوامريكي إلى توسيع المناطق الامنة في جنوب سوريا لتكون تحت السيطرة الاسرائيلية والامريكية المباشرة ومن جهة اخرى فرص توسيع نفوذ بعض دول المنطقة لتشمل اجزاء من سوريا من جنوب العراق وشمال السعودية
تبلور معسكر عربي اسلامي سني متحالف مع الكيان الصهيوني في مواجهة معسكر وحلف المقاومة وممارسة وظهوره الفعلي على الارض وخوضه لمناوشات واحيانا معارك مشتركة ضد ايران وحزب الله تحديدا سيكون احد سمات المرحلة المقبلة
المرحلة القادمة التي تنتظرها المنطقة هي التطبيق العملي للتقسيم والتجزئة القطرية بعد ان اصبحت الاسس جاهزة والمنطقة والعالم مهيأ لظهور دويلات جديدة او اندثار دول وتوسعة اخرى ،ومن جهة اخرى تراجع اكبر في سيطرة المنطقة على مقدراتها وثرواتها سواء كان النفط والغاز والماء وايضا الاراضي
وفي نفس الوقت سيستمر المعسكر الايراني بالحضور وبتعزيز قوته وحضوره على المساحة الممتدة عبر العراق وسوريا ولبنان حتى المتوسط و المدعوم من روسيا والصين خاصة في ظل الحرب الباردة التي تديرها الولايات المتحدة ضد الصين في اكثر من مكان وفي ظل عودة الحرب الباردة بين روسيا مع حلف متنامي ويتسع دوليا من جهة والولايات المتحدة والعالم الغربي بشكل او اخر على الساحة العالمية
القضية الفلسطينية وكما كانت دائما ستبقى عرضة للتأثر السلبي بهذا الواقع أكثر من غيرها خاصة في ظل انفضاض وتخلي العرب عنها وانقسام اصحابها مما يعيد الاهمية لقضية تثبيت الهوية الوطنية الفلسطينية وعلاقتها بالجغرافيا والتاريخ والشعب والحقوق ان محاولات الابتعاد عن معسكر المقاومة تجنبا للعواصف اصبح الان في غير محله والعاصفة القادمة لن تترك مجالا للفلسطيني للاختيار فاما الاندثار واما التموضع من جديد مع معسكر المقاومة بما فيه من تخلي عن ترف سياسي وتبعية اوصلتنا إلى حالة من الضعف والتشتت ، قاد إلى وسهل تطبيق الكيان الصهيوني لمخططاته ومهد لتصفية قضية المنطقة المركزية للتحرر والنهوض وتحويلها إلى مجرد قضية اراضي متنازع عليها وادارة مدنية لمجموعات متناثرة من السكان والى عبيء تريد القوى الرسمية العربية التخلص منه
المرحلة المقبلة بمقدار ما تحمل من تحديات قائمة على واقع عربي رديء فانها ايضا تفرض وبالضرورة وجود فرص لاعادة البناء على المستويات كافة خاصة في ظل وجود دول قوى عالمية واقليمية وضعت نفسها في مواجهة مخططات الشرق الاوسط الجديد وبنت خططها وحددت مصالحها على اسس تؤهلنا كفلسطينيين لنكون في بؤرة هذا الحلف وترفع من فرص عودة القضية إلى مكانتها الطبيعية.