الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الدولة العربية الحداثية كفيلة بمنع الفوضى والإرهاب

نشر بتاريخ: 26/06/2017 ( آخر تحديث: 26/06/2017 الساعة: 15:20 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

وقف مسلسل الفوضى والإرهاب في العالم العربي، هو مطلب شعبي عام ، على اختلاف تسميات دوله، بعد أن دمر الإرهاب دولاً كاملة وقوض مؤسساتها وفكك جيوشها و حول الملايين من مواطنيها الى لاجئين، ينتظرون المعونات الإغاثية في مخيمات بائسة.
لم تستطع البنى التقليدية و مركزية السلطة من التصدي للإرهاب و منع الفوضى، حيث وجد الارهابيون و الطامعون مناخاً مناسباً لنشر أفكارهم الظلامية و التفكيكية، مستفيدين من الفقر و الفساد وغياب الديموقراطية وحالة القمع و الضياع و الملاحقة التي يعيشها و يعانيها المواطن، الذي أصبح مسكوناً بالشك و القلق، فضعفت مواطنته و تبدد انتماؤه، واختلطت أوراق أولوياته، وتاه في وطنه، فاعتقدت شرائح واسعة أن اية قوة جديدة يمكنها أن تخلصه من واقع مؤلم، فاحتضنت فئات شعبية عصابات إجرامية، منخدعة بشعارات و تسويغات و فتاوى دينية مفبركة زائفة. و لم ينج من سيل الإرهاب الجارف الا بعض الدول العربية، التي كانت استبقت الأمور و أعطت بعض المتنفسات الحداثية، في تفاعل محدود مع التطورات الاقتصادية و الديموقراطية و المؤسساتية التي هي من مقاييس الدولة المعاصرة،إذ بات من غير المجدي الحفاظ على وحدة الدولة العربية القطرية، بشعارات قديمة، فالمواطن لا يأكل و لا يشرب من الشعارات، و الديموقراطية تختبر في الميدان و ليس في البرامج الرسمية أو الحزبية، لذلك فان الدول التي نجت حتى اللحظة من الطوفان، و كانت قد أسست بعض المرتكزات الحداثية، مطلوب منها الاّن تقوية و تمتين هذه المرتكزات، و الانطلاق لتوسيع نطاق الحداثة.
اننا نتألم لواقع الدول التي دمرت و جرفها سيل الإرهاب، وقلوبنا و مشاعرنا مع الدول التي صمدت حتى اللحظة، متمنين أن تستخلص العبر بسرعة، وأن تضاعف وتائر عملها نحو الحداثة التي هي كلمة السر، في التأسيس لدول تعزز و تقوي انتماء المواطنة، ليغدو المواطن هو الحارس الأمين على دولته و مستقبلها، يسهر و يعمل و يكد من أجل أن تبقى و تستمر، بخاصه اذا تأكد أنه يحقق ذاته المهنية و الاجتماعية و الأخلاقية و النفسية فيها و من خلالها.
لقد ولى الزمن الذي كان المواطن فيه، يعيش على شعارات الدول و الأحزاب الشمولية، بعد أن تحول العالم الى قرية صغيرة، و انفتحت وسائل المعرفة و المقارنة، فالمواطن البسيط قادر اليوم على مقارنة أوضاعه مع أوضاع أي مواطن على هذا الكوكب في دول و مجتمعات أخرى.
الاختباء في الماضي و النوم في دهاليزه لا يخلق دولاً عميقة، بل ان الذي يوجد هذه الدول و يحميها، و يجعل لها شأناً على هذا الكوكب أولاً- الاقتصاد و التنمية و المرافق الانتاجية و تطوير الزراعة و الارتقاء بالتعليم، و إيجاد فرص عمل للمواطنين، لكي يشعروا بحضن الدولة الدافئ، و يحققوا التوازن الإنساني في دولهم.
وثانياً لا دولة تبنى بمعزل عن الديموقراطية ، التي تحمي الفرد و الجماعة و تنظم العلاقة بين المواطن و المؤسسة، في اطار معرفة تامة و عميقة بالحقوق و الواجبات، و الديموقراطية ليست نسخاً كربونياً عن الاخرين، وليست وصفة سحرية، و انما تحتاج الى منهجية عمل تبدأ من تربية أجيال جديدة غير مقموعة، من روضة الأطفال الى المدرسة ووصولاً الى المؤسسة و المجتمع، فلن ينشأ انسان سوي اذا قمعه المعلم في الروضة و المدرسة، و اذا قمع في البيت، و من ثم في الحزب و من مؤسسات الدولة، فالتربية الديموقراطية يجب أن تشق طريقها من الطفل و معه، لتؤسس لمجتمع يتعامل مع الديموقراطية كأسلوب حياة، وفق اتاحة الفرصة لكل مواطن ليعبر عن معتقداته الدينية و الفكرية بمعزل عن الاملاءات و تقييد حريته.
و ثالثاً حتى يتصالح المواطن مع نفسه ومجتمعه و مع مواطنته، يفترض أن توفر له الدولة التعليم في كل مراحله، وألا تحول دون ذلك أية معوقات مالية، فالتعليم حق للجميع كما هو التأمين الصحي و الضمان الاجتماعي.
أوروبا التحقت بالحداثة عندما تحررت من نفوذ الكنيسة و حددت مهماتها في العبادة و في الشؤون الدينية البحتة في ظل ضمان حرية المعتقد الديني، ليتحدد دور الدولة و مؤسساتها و يتحدد دور الكنيسة و مسارها، و في مجتمعاتنا العربية يتوجب تحديد المسارات بوضوح بين ما للدولة و ما للأديان، دون خلط في الأدوار.
ان المواطنة هي حقوق وواجبات، فاذا اعطي المواطن حقوقه، فان واجباته تجاه دولته و مجتمعه ستأخذ طابعَ التزام واعٍ و تلقائي، و بالتالي ستغلق الأبواب تماماً في وجوه التدميريين الحاقدين على الدولة و المجتمع، لانهم سيغدون خارج النسيج الاجتماعي، بعد أن تتحطم أسلحتهم التحريضية التي تعتمد الضرب على وتر حاجات الناس، و النتيجة دولة عميقة و و تطور سيعود على المواطن بالرفاهية و الاطمئنان على حاضره و مستقبل أولاده.