الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

استقلالية السلطة القضائية ضمانة لتحقيق التنمية الشاملة وتحقيق العدالة

نشر بتاريخ: 26/06/2017 ( آخر تحديث: 26/06/2017 الساعة: 15:34 )

الكاتب: احمد حنون

ثمة خلط واضح بين المفهموم المتداول للفصل بين السلطات واستقلال القضاء بحيث غدت المفاهيم تستخدم كشعار دونما فهم دقيق للمعنى الحقيقي او بمعزل عن معناها الدقيق والصحيح ،والهدف الاهم هو توضيح المفاهيم حتى لا تختلط على السامع او القاريء او السياسي الذي يتوخا الدقة في حديثه ، ليس بهدف تنميق وتزيين العبارات في خطابات رنانة ولكن للوقوف على الفهم الصحيح ، الامر الذي شدني للكتابة التوضيح كباحث وكاتب .
من جديد ارى انه لا بد من التأكيد على مكانة وموقع القضاء كسلطة مستقلة استقلالا تاما تُمارس صلاحياتها وسلطاتها وفقا للقانون وبما ينسجم مع القانون الأساسي الفلسطيني ووثيقة الاستقلال الفلسطيني التي تمثل تطلعات وآماني شعبنا في بناء مجتمع متماسك يسوده قيم الحرية والعدالة وضمان الحريات وبما يتلائم مع تاريخ شعبنا ونضاله وتراثه الممتد عبر التاريخ ، لا يتوقف حتى يرى العدل والعدالة والقيم العليا تسود في المجتمع والحكم ، وتشكل المرجع الأساس في صياغة علاقات شعبنا عبر العمل المؤسسي الذي يرعاه ويؤسس له الرئيس عباس حامي الدستوري ( القانون الأساسي ) وصاحب الصلاحية بحكم موقعة ومكانته وشرعيته وعبر إعلانه الدائم والصريح بان لا احد فوق القانون وبذلك فانه يعلي سيادة القانون فوق الجميع ، السلطة القضائية في فلسطين يجب ان تحتل السلطة الاولى ، بحكم أن السلطة القضائية هي الحكم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية المعطلة ، وبصفتها الدستورية كمحكمة دستورية في ظل تشكيل المحكمة الدستورية وان كانت مستقلة ولكنها في إطار القانون الأساسي وينص صريح و هي الحكم الفاصل في دستورية القراراتوالقوانين ، و الأهم أن الرئيس يؤدي اليمين أمام القاضي الأول رئيس السلطة القضائية ورئيس المحكمة العليا ورئيس المجلس الأعلى للقضاء ، يكون ثاني المستقبلين لكبار الرؤساء بعد الرئيس ويحضر مراسم ادلاء اليمين لرئيس الوزراء ، و في حال الخلاف بين السلطة التنفيذية والتشريعية فإن السلطة القضائية هي الحكم ،والامر الذي يتعزز في ظل امتناع المجلس التسريعي عن اداء مهامه ، ونظرا لمكانة السلطة القضائية في مقدمة السلطات الثلاث التي المنفصلة عن بعضها البعض ، وعلى مسافة واحدة من بقية السلطات ، يميزها النزاهة والشفافية ودرجات التقاضي ، لا يصح أمر النظام السياسي إلا به ، ولا بد من الإشارة الى موقف رئيس الوزراء البريطاني وقت الحرب العالمية الثانية عندما تم تعطيل تنفيذ قرار قضائي قال لأن تخسر بريطانيا الحرب اهون عليه من ان يقال انه تم وقف بتنفيذ قرار محكمة ، الأمر الذي يجب العمل على تحقيقه كهدف في الابقاء على حالة الفصل والمسافة بين السلطات الثلاث من أجل الابقاء على حالة التوازن العام في اطار النظام وحماية واستمرارية بقاء النظام العام ، وربما يكون لنا في عمر بن الخطاب قدوة حسنة عندما أسس القضاء الاسلامي وفرض هيبة الدولة الاسلامية وأرسى قواعد العدل والحكم في الدولة الإسلامية دونما تدخل ولا تداخل ولا تطاول ولا تجريح ، تجسيدا للمقولة الشهيرة حكمت فعدلت فامن فنمت.
بانتخاب الرئيس أبو مازن رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية ، توجه كل الدعم للقضاء وأعلن أكثر من مرة سواء من خلال برنامجه الانتخابي بتحقيق الأمن و الأمان للمواطنين اهتمامه بمرفق العدالةكونه يشكل محور عملية حفظ الأمن و ضبط النظام العام ، ولا يخفى على أحد الامكانيات التي قدمت للسلطة القضائية كسلطة مستقلة لا تدخل في قراراتها ولا سلطان لأحد على القضاة سوى ضمير القاضي والقانون ، فالقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون وذلك وفقا للقانون الأساسي الفلسطينيالمادة (98)منه ، وإذا كان المشرع قد أعلن مثل هذه الاستقلالية للقاضي الأمر نفسه ينسحب على القضاء كمرفق عام وسلطة مستقلة .
ظهرت خلافات للعلن برفض مجلس القضاء الأعلى مقترح الحكومة ووزير العدل في اجراء اَي تعديلات على قانون السلطة القضائية دون التشاور مع السلطة القضائية الامر نفسه الذي تراجعت عنه السلطة التنفيذية قبل خمسة سنوات ، بتعديلات فهم منها على انها محاولات للتدخل في السلطة القضائية من خلال اتخاذ مجلس الوزراء قرار بسحب سيارات قضاة المحكمة العليا الذين ما أن تم صرف السيارات لهم حتى تم اتخاذ قرار بسحبها رغم انها صرفت من موازنة مستقلة لسلطة مستقلة ... مقابل عدم سحب سيارات المجلس التشريعي المعطل ، وكذلك الاقتطاع من رواتب القضاة مقابل عدم الاقتطاع من التشريعي في الازمة المالية الحالية ـ في إشارة لتبعية القضاء للسلطة التنفيذية ـ الأمر الذي يعتبر تدخلا في صلاحيات السلطة القضائية وتقليلا من اهمية السلطة الاولى ،وأكثر من ذلك الشعور العام بوجود أزمة تفجرت للعلن من خلال تصريحات عن تكريس الفصل بين السلطة القضائية والتنفيذية الأمر الذي كان معاكسا لمقترح الحكومة لضم مكونات قطاع العدالة تحت سلطة واحدة بعيدا عن إستقلالية السلطة القضائية ، وحيث أن فصل السلطات واستقلالية القضاء هي الدعامة والركيزة الأساسية لبناء قضاء حيادي مهني متين ذي مصداقية ، وفي هذا الإطار فإن التفتيش القضائييمارس عمله في التفتيش على القضاة كدائرة للرقابة القانونية على تمارس دورها في الرقابة على أعمال القضاة فإن الحصانة لا تمتد للأحكام إلا إذا أخذت الصفة القطعية رغم الحصانة التي يتمتع بها القضاة ، ومن صلاحيته دائرة التفتيش على أعضاء النيابة العامة في اطار قانون السلطة القضائية .
السلطة القضائية تخضع لقانون السلطة القضائية لسنة 2002 ، تدخل السلطة التنفيذية يساهم في السيطرة على السلطة القضائية بشكل يشيع مناخ عن عدم احترام القانون وفقا لتقرير مؤسسة امان ، والشعور بمحاولة تتبيع سلطة لسلطة ، يعتبر مساسا باستقلالية القضاء ،
وهنا لا بد من الاشادة بخبرات وقدرات أعضاء مجلس القضاء الأعلى وبخاصة معالي المستشار عماد سليم رئيس مجلس القضاء الأعلى والمعروف برغبته بالحفاظ على هيبة القضاء وتطوره ، اضافة الى انه رفض وبشكل مطلق هذا التدخل من خلال تقديم مذكرة برفض مشروع تعديل قانون السلطة القضائية المقدم من الحكومة بواسطة وزير العدل، والذي تم رفضه من قبل القضاة. ، اضافة لموقف الكتل البرلمانية التي رفضت التعديلات المقترحة .
ان تجاوز إختصاص مجلس الأعلى للقضاء يمثل تجاوز للقانون الاساسي و لا بد من الإشادة بما تم انجازه من قبل السلطة القضائية سواء من خلال انجاز مدونة السلوك القضائي وكذلك لائحة عمل مجلس القضاء الأعلى ولائحة التفتيش القضائي ولائحة المكتب الفني ، إضافة إلى ذلك لائحة أقدمية القضاة ولائحة تحديد الأعمال المنتظرة للعمل القضائي ، ولائحة العاملين في المحاكم ، وارتفعت نسبة الفصل في القضايا وكذلك التأسيس .
هذا الامر بحاجة لتدخل من الرئيس بصفته حامي القانون الاساسي والذي لا يسمح بتجاوزه ، اضافة لصفته كرئيس للسلطات الثلاث يمكلك صلاحية التدخل القانوني من خلال مراسيم لوقف حالة الاستقواء على السلطة القضائية ، ووضع حد للتدخلات بهذا الامر ، واكثر من ذلك منح مزيدا من الدعم والاسناد لمرفق القضاء ، كما في كل الديمقراطيات العالمية ، لانه من غير المسموح به الطعن في مصداقية القضاء او الجيش من اي كان ومهما كان موقعه ، ولا يعقل ان يكون الاعلام هو المساحة التي يتم حل اشكاليات ذات طابع حيوي ، هذا الامر يشكل حالة من الفوضى التي يجب الوقوف امامها بحزم . ولا بد من قيام الرئيس بزيارة مجلس القضاء وتقديم الدعم المباشر لمجلس القضاء ، وان يترك لمجلس القضاء تقديم خطة تطويرية بالاستعانة بخبراء اذا لزم الامر وتقديمها بموعد محدد لفخامة السيد الرئيس ومناقشتها مع الكتل البرلمانية والمؤسسات القانونية والحقوقية وقطاع العدالة، لضمان تحقيق التنمية الشاملة.
* خبير تنمية وتطوير