الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بايبر لـ معا: الأطراف السياسية تغفل المعاناة في قطاع غزة

نشر بتاريخ: 12/07/2017 ( آخر تحديث: 12/07/2017 الساعة: 20:05 )
بايبر لـ معا: الأطراف السياسية تغفل المعاناة في قطاع غزة
القدس- خاص معا- تحت عنوان "غزة بعد عشر سنوات" أصدرت الأمم المتحدة الثلاثاء تقريرا بمناسبة مرور عشر سنوات على الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة محذرة من كارثة إنسانية وشيكة في ظل الوضع الإنساني الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم. ومن أبرز ما جاء في التقرير أن المياه الجوفية في القطاع سوف تصبح غير صالحة للاستخدام مع نهاية العام الحالي، إضافة إلى الأزمات الكبيرة في قطاع الطاقة والصحة، في الوقت الذي يعاني أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة من غياب الأمن الغذائي.

يقول التقرير إن من الضروري أن يتمكن الناس في قطاع غزة من العيش بكرامة وبصحة ويكونوا منتجين وينعموا بالسلام والأمن، وأن يتم تصويب الأوضاع وتتوقف دوامة التدهور الحالية لتسير بالاتجاه المعاكس نحو التحسن التدريجي.

وحذر التقرير من أنه ما لم تبدأ الأوضاع بالاتجاه نحو الأفضل فسوف تصبح غزة أكثر عزلة وتتفاقم حالة اليأس وتتجه الأوضاع نحو مزيد من الدمار والتصعيد، وتتضاءل فرصة التوصل إلى المصالحة بين الفلسطينيين، وبالتالي تتضاءل فرصة التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل على حد تعبير معي التقرير.

وبمناسبة إصدار تقرير الأمم المتحدة أجرت "معا" يوم أمس الثلاثاء مقابلة مع منسق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة روبرت بايبر للحديث حول الأزمة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، وحول طريقة تعامل الأمم المتحدة مع التوترات التي تواكب انتهاكات القانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة. وهذه ترجمة للمقابلة والتي تم صياغتها بتصرف بغرض الإيضاح والإيجاز:
س: ماذا كان الهدف من وراء إصدار الأمم المتحدة هذا التقرير بعد مرور خمس سنوات على تحذيرها من أن قطاع غزة قد يصبح مكانا غير قابل للحياة البشرية عام 2020؟

ج: بداية كلما حاولنا تعميم موضوع غزة فإننا نتعرض على الدوام للهجوم من جهات مختلفة بذرائع متعددة كأن يقال إننا أخطأنا في تسلسل الأحداث، أو أننا بسطنا الأمور أكثر مما ينبغي، أو أننا تهاوننا مع جهة دون أخرى وما إلى ذلك. وثمة تخوف في دوائر الأمم المتحدة من أننا عاما بعد عام قد نغفل موضوع المدنيين الذين يعانون جراء ما يجري في غزة اليوم، وأننا يجب ألا نفوت أي فرصة للحدجيث عن معاناتهم.

من ناحية ثانية فالتقرير يأتي الذكرى العاشرة للتذكير بثلاثة أحداث مأساوية على الأقل أولها فرض حماس سيطرتها بالقوة على غزة، وثانيها فرض إغلاقات مشددة - بمعنى حصار غزة الذي جاء في أعقاب سيطرة حماس على غزة - وثالثها الانقسام الذي تمخض عن ذلك بين غزة والضفة الغربية.

س: يذكر التقرير أنك تزور قطاع غزة مرتين في الشهر، ما الذي يقوله لك الغزيون حول أوضاعهم؟

ج: الغزيون بكل بساطة يمتازون بالمرونة والإباء وعدم الرغبة في التذمر والظهور مظهر الضعفاء، ولديهم من الرواقية (مذهب فلسفي) والمرونة ما يحبس الأنفاس. غير أنك سرعان ما تشعر بهذا الشعور بالإرهاق لدى عامة الناس من الغزيين الذين عانوا الكثير لسنوات عديدة ويراودهم الشعور بأن أحدا لا يقف إلى جانبهم. وهؤلاء ليس لديهم ما يقولونه عن أي من القادة، وأعتقد بكل صراحة أنهم يشعرون بالإهمال بصورة مروعة.

وفي خضم ذلك عندما تلتقي بمجموعة ممن لا حول لهم ولا قوة كالنساء المصابات بسرطان الثدي والأطفال الذين هم في أمس الحاجة لأجهزة غسيل الكلى، فإنك تدرك أنه رغم وجود فئة من الناس تستطيع أن تتعايش مع الأوضاع أحيانا، فهناك فئات أخرى ضعيفة للغاية وقعت في شرك أحداث غزة تعتمد حياتهم إلى حد لا يصدق على توفر الكهرباء، وعلى الرعاية الصحية، وعلى التصاريح من إسرائيل للوصول إلى مستشفى، وهؤلاء حقيقة تزداد أوضاعهم المزرية سوءا يوما بعد يوم وقد وصلوا حد اليأس.

س: هل تعتقد أنه هناك من الوقت للحيلولة دون حدوث أزمة إنسانية أكثر سوءا، أم أننا وصلنا إلى نقطة أصبحت فيها غزة غير صالحة للحياة؟

ج: لا يزال بالإمكان قلب الأوضاع غير أننا يجب أن نتحرك بسرعة، وأن نبدأ بوضع هؤلاء الناس في مكان متقدم على سلم أولوياتنا إن لم يكن على رأسها. أما في الوقت الحالي فهم يتذيلون قائمة الأولويات غير أن هناك الكثير مما يمكن القيام به وبسرعة. ليس من السهل إيجاد الحل نظرا للأبعاد الكثيرة المتباينة التي ينبغي توحيدها في الوقت ذاته، لكننا متفائلون مائة بالمائة بأن بالإمكان إدراك الأمر إذا توفرت الإرادة لدى الجهات الرئيسية ذات الصلة.

س: هل تعتقد أن هذه الإرادة متوفرة اليوم؟

ج: أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تكمن في حقيقة أنه كان علينا أن نكتب هذا التقرير وأن التقرير يروي حكاية حزينة عن التقهقر بكل المقاييس وعلى كافة الأصعدة. لا يتوفر هذه الأيام من الاهتمام كما ينبغي أن يكون، ولا يتوفر كذلك من الالتزام ما كنا نتوقعه.

س: يقول التقرير إنه حاول أن يطرح الأزمة الإنسانية في غزة بعيدا عن المناكفات القائمة، ولكن لماذا لم يتطرق التقرير سوى بإيجاز لقرار السلطة الفلسطينية مؤخرا بتخفيض كمية الكهرباء التي تصل إلى غزة، وهو القرار الذي استنكرته الأمم المتحدة في شهر حزيران؟

ج: إننا نحاول بالفعل لفت الأنظار إلى حكاية عشر سنوات من الاضمحلال في معظم القطاعات. ونظرا لعدم وجود حلول قصيرة الأمد قررنا عن وعي عدم التعمق في الأزمة الحالية لأن حكاية عشر سنوات تطغى على هذه الأزمة. أتمنى حقيقة أن القصة القائمة اليوم حول كمية الكهرباء الواردة من إسرائيل هي مجرد قضية هامشية نأمل في أن تحل بسرعة نسبيا، ولكن ينبغي مجددا أن نكون واضحين فكمية الكهرباء التي تصل إلى قطاع غزة لا تتجاوز في أحسن احوالها 40% من الكمية اللازمة. بعبارات أخرى لا يمكن لطفل غزي يبلغ من العمر 12 عاما أن يذكر أن الكهرباء توفرت لأكثر من 12 ساعة متواصلة في يوم واحد في أي بيت. هذا أمر مروع، ونحن نحاول أن نلفت الأنظار إلى تلك الحالة.

س: يحمل التقرير حماس وبصورة واضحة جزءا من المسؤولية عما آلت إليه الأمور في قطاع غزة وعن انتهاكاها للقانون الدولي، غير أنه يتناول بغموض انتهاكات إسرائيل، وغالبا ما يقلل من شأن الحصار بوصفه "قيود في التنقل والوصول". هل هذا يندرج تحت قرار الابتعاد عن المناكفات؟

ج: أعتقد أنه يمكنك ملاحظة أن التقرير يشير إلى الحصار بصورة غير مبهمة ويمكنك أيضا ملاحظة وجود إدانات للأعمال التي تقوم بها إسرائيل، ولغياب المحاسبة، وللعقاب الجماعي. كما ستجدين في التقرير انتقادات لاذعة لحماس وطريقة حكمها قطاع غزة، لكنك ستجدين كذلك بعض التحليلات حول الفرص التي فشلت السلطة الفلسطينية في استغلالها وما إلى ذلك. أعتقد أنك ستجدين أن التقرير تطرق لكافة الأطراف.

إذا أردت أن تتناول الحكاية بأمانة فعليك أن تربط ما بين أحداث ثلاثة هي الحصار، وسيطرة حماس، والانقسام بين الفلسطينيين في الحكم. ما تجنبناه عند إعداد التقرير هو استبعاد أي من هذه العناصر الثلاثة والقول بأنه "لو لم يحدث هذا لكان كل شيء على أفضل ما يرام". فهذه العناصر الثلاثة جميعا جزء لا يتجزء إذا أردنا أن نفهم حجم المأساة التي تعيشها غزة اليوم. باعتقادي من يقرأ التقرير باعتدال سيجد أنه لم يستثني أيا من الأطراف من المسؤولية ولم يخص بالذكر قضية ما على أنها المسبب الوحيد لما آلت إليه الأمور في غزة.

س: لنأخذ مثالا محددا. عندما يتحدث التقرير عن الصراع المستمر في قطاع غزة، ثم يحث الطرفين على احترام مبادئ التمييز والتناسب وأخذ الحيطة والحذر في أوقات الحروب، كيف تستجيب الأمم المتحدة للانتقاد الذي يقول إن مثل هذه الصياغة تساوي بين الانتهاكات الفلسطينية والإسرائيلية، وتغفل أن أحد الأطراف ينتهك هذه المبادئ على نطاق أوسع؟

ج: ربما تعلمين جيدا أنه إبان الأعمال العدائية عام 2014 كانت هناك انتهاكات من قبل الطرفين، وتم تعيين لجنة تقصي حقائق من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي أصدرت نتائجها وتوصياتها بصورة عادلة حول الانتهاكات التي مارسها الطرفان. ومنذ ذلك الوقت كانت الأمم المتحدة تدعو إلى المحاسبة دون أن تلمس أية محاسبة على الأغلب لدى الطرفين. وعليه فإننا لا نطرق إلى قضايا التناسب - وأنا أعتقد أنه بمجرد أن ينتهك القانون الدولي فهذا انتهاك وبالتالي فالصياغة لا غبار عليها. لا يوجد متسع في التقرير أو بالأحرى ليس لدينا رغبة بالخوض في مزيد من التفاصيل. خلاصة القول بالنسبة لنا هي أن كلا الطرفين انتهكا القانون الدولي، ولم يقم أي منهما بمحاسبة أحد على تلك الانتهاكات، وأعتقد أننا في غنى عن الخوض في هذا الأمر أكثر من ذلك.

س: هل تعتقد بوجود أي تحفظ لدى هيئات الأمم المتحدة حول المبالغة في انتقاد واحد من أطراف الصراع -إسرائيل - بعد ردة الفعل التي تلت تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسي (الإسكوا) وتقرير اليونسكو هذا العام؟ هل تأخذون ردات الفعل هذه بعين الاعتبار؟

ج: نحن نأخذ بعين الاعتبار استقبال الأطراف لهذه التقارير، لكننا قد نفقد ود جميع الأطراف في أوقات مختلفة من السنة، وهذه طبيعة عملنا وخاصة عندما نعمل في بيئة يوجد فيها ما نسميه عملية حماية. الهدف الأساسي من هذا التقرير - وسيتبين لاحقا ما إذا كان سينجح في تحقيقه - هو وضع قضية المدنيين الأبرياء الذين يعانون من تلك الإجراءات في قلب الرواية وعلى رأس الأولويات بدلا من السياسة والأمن، وعدم السماح للأطراف المعنية بسرقة تلك القضية أو طمسها.

البيانات الواردة في التقرير حول التأثير على المياه الجوفية، والخدمات الصحية الآخذة في الانهيار، والأمن الغذائي المتأرجح، ومستويات الفقر والبطالة، هذه كلها ليست بيانات سياسية. تتمحور الحكاية حول معاناة إنسانية بحاجة إلى التركيز عليها، ويجب ألا يتم استغلالها من قبل أي طرف، وسوف نتصدى لكل من يحاول ذلك.

س: هل تعتقد أنه يمكن معالجة هذه القضايا عبر فصلها عن السياق السياسي؟

ج: ليس فصله بل إذا وضعنا المصالح الإنسانية لأكثر من مليوني إنسان على سلم الأولويات عند البحث عن الحلول، فإن ذلك بالتأكيد سوف يؤثر في خياراتك السياسية ويجعلها متنوعة. إن مدى استعدادك للتوصل إلى حلول وسط يتوقف إلى حد ما على الأهمية التي توليها لمستوى المعاناة التي تشاهدها في غزة اليوم.

س: ما هي الإجراءات الملموسة التي تأملون أن يتخذها المجتمع الدولي بعد هذا التقرير؟

ج: أعتقد أن المجتمع الدولي ينبغي أن يتواجد هناك أوقات الأزمات كعامل إغاثة، لكنه في الوقت ذاته ينبغي أن يتواجد لدعم الاستثمارات اللازمة طويلة الأمد. غزة تدور نوعا ما في حلقة مفرغة ما بين أزمة تليها إعادة إعمار، ثم أزمة جديدة، ثم إعادة إعمار وهكذا دواليك. إننا بحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنى التحتية، أو بعبارة أخرى وبكل صراحة بحاجة إلى نوع الأموال من والمستثمرين يختلف عما هو متوفر في غزة خلال العقد الأخير. نحن بحاجة إلى مجتمع دولي مستعد للمجازفة بصورة أكبر مما هو عليه الوضع اليوم، لأن الأمر يتعلق ببيئة معقدة وتنضوي على مجازفة كبيرة.

كما أننا بحاجة إلى مجتمع دولي يمارس الضغط على الأطراف المعنية بطريقة أكثر اتساقا وأكثر تنسيقا. لا يمكننا أن نحتمل وجود مجتمع دولي مشرذم لا يستجيب للأزمة إلا في جولاتها الأخيرة، فنحن بحاجة إلى ثبات واتساق في عمل المجتمع الدولي وهذا نادرا ما نشهده.

س: هل تشعر بأن عملكم قد تأثر بانتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟

ج: أنا لا أعمل في السياسة بل في القضايا الإنسانية وقضايا التنمية، وبالتالي لا أتأثر كثيرا بذلك، وللأمانة أعتقد أن كثيرا من عملنا يتعرض لضغط شديد منذ بضع سنوات. ولو حاولنا تقييم عملنا بناء على عدد حالة هدم المباني في المناطق المصنفة "ج" أو بناء على عدد الأشخاص الذين يحصلون على موافقة للعلاج من مرض السرطان خارج قطاع غزة، فسوف تكون النتائج محبطة للغاية ليس خلال الأشهر الستة الأخيرة فحسب، بل خلال بضع سنوات مضت. لذا أرى أننا جميعا أمام تحديات هائلة مستقبلا.
إعداد: كلوي بنواه.
ترجمة: عبد الحكيم صلاح.