الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

التنسيق الأمني .. جهنم مبلّطة بالنوايا الطيبة

نشر بتاريخ: 31/07/2017 ( آخر تحديث: 31/07/2017 الساعة: 15:26 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

مع توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 أعلنت منظمة التحرير تجميد عملياتها العسكرية ضد الاحتلال، وقام القائد العام للثورة الفلسطينية ياسر عرفات بإصدار أمر عسكري للفدائيين والاسرى المحررين من أصحاب الاسماء الذهبية، بتشكيل جهازين لتنسيق عمل السلطة مع قوات الاحتلال وتسيير امور العمل اليومي، واحد اطلق عليه الارتباط العسكري واّخر حمل اسم الارتباط المدني.
وفي البداية عمل في هذين الجهازين الاسرى المحررين وخيرة أبناء قوات الثورة، والغاية كانت تنسيق وانجاز عملية انسحاب قوات الاحتلال من المدن الفلسطينية ومنع عرقلة ذلك والتدخل السريع لفض الاشتباكات التي قد تقع بين الجماهير المنتفضة وبين قوات الاحتلال المنسحبة. وانا أذكر ان اول مهمات الارتباط الفلسطيني كانت البحث في شكوى رئيس وزراء الاحتلال الجنرال اسحق رابين لياسر عرفات وطلبه من الارتباط الفلسطيني منع قيام اهالي بيت لحم بالبصق في وجه الضباط الاسرائيليين خلال انسحابهم من بيت لحم. وبالفعل جاء ضباط الارتباط وتوسلوا الاهالي أن لا يبصقوا في وجوه ضباط الاحتلال حتى لا تتوقف عملية الانسحاب.
ولكن هذه الاتفاقية كانت مؤقتة وتقضي بإقامة دولة فلسطين عام 1999 بشكل كامل والتوقيع على صك الصلح. فغدرت إسرائيل وقلبت ظهر المجن وتعرقل الاتفاق السياسي، وعوضا عن خمس سنوات استمر عمل الارتباط العسكري طوال 24 عاما حتى يومنا هذا.
وقد كانت أوامر الزعيم عرفات تقضي بتسيير دوريات مشتركة يشارك فيها الفدائيون العائدون للوطن باللباس العسكري مع قوات الاحتلال جنبا إلى جنب، على اساس الندّية والحضور الفلسطيني في مناطق "ب وجيم" التي لم ينسحب منها الاحتلال بعد، وهو مشهد استفز اليمين الصهيوني في وقته وقضّ مضاجع المتطرفين حتى ان الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي هدد في حينه بإطلاق النار باتجاه الدوريات المشتركة.
وبعد اغتيال رابين وتولي اليمين الصهيوني الحكم، عملت اسرائيل على تقويض مفهوم الارتباط العسكري الفلسطيني الذي تعرّض مرارا لحملات إعلامية مبرمجة للنيل من كرامته العسكرية وشرفه النضالي، ما يطرح السؤال : هل يستطيع الارتباط الفلسطيني الصمود على فوهة جبل بركان؟
بالاساس أراد عرفات ايصال رسالة ان هذا الارتباط يدافع عن قضايا الشعب الفلسطيني ويعمل دور الإسعاف العسكري لكل قرية معزولة وكل مكان محاصر.
بعد احتلال اسرائيل للضفة الغربية مرة أخرى عام 2002، قلبت اسرائيل مفهوم الارتباط العسكري والمدني واستهدفته واطلقت النار على ابنائه في غزة والضفة الغربية وبالذات في الخليل وجنين وخسرنا العديد من الشهداء، وراحت اسرائيل تحاول بقوة الدبابات واقعا جديدا، حيث دخلنا الى مرحلة القنوط واليأس. يصحبها الإحباط السياسي ويحطم حماستها التدهور الميداني، ما جعل المفاهيم تختلف والامور تنقلب، لا سيما بعد اعلان اسرائيل بشكل فردي عشرات الخطوات التي حوّلت مفهوم الارتباط العسكري والمدني الى هم اضافي يضاف الى هموم السلطة ومأساة الحياة تحت الاحتلال.
وفي أيام حصار عرفات، أوقف ابو عمار التنسيق الامني مع شارون، ما دفع بوزير الخارجية الامريكي كولن باول ورئيس السي اي ايه جورج تينيت الى تشكيل غرفة تنسيق امريكية للاتصال غير المباشر بين قوات الامن الفلسطيني وقوات الاحتلال التي اعادت احتلال الضفة.
ومنذ سنوات يعمل الاحتلال بقيادة الجنرال بولي مردخاي كسر الحاجز بين المواطن وبين الاحتلال، من خلال انشاء مركز عمليات استخباري يدعى المنسق، وهو مكتب هدفه الوحيد الاتصال المباشر بالبلديات والصحفيين واعضاء البرلمان والقيادات الشعبية من وراء ظهر السلطة بعدما كان الاتصال بالارتباط العسكري مقتصر على الأجهزة الأمنية فقط.. فاختلف مفهوم الارتباط العسكري حيث تطلب اسرائيل استعادة جميع المستوطنين واليهود فورا دون محاكمتهم على اية جريمة يرتكبونها في الاراضي الفلسطيني، وفي نفس الوقت تقوم قوات الاحتلال باجتياح مناطق الف كل يوم وتقوم باعتقال ضباط السلطة واطلاق النار باتجاههم في كل مناسبة دون حسيب او رقيب.
الوعي الشعبي الفلسطيني جعل المتظاهرين والمثقفين يرفعون شعار وقف التنسيق الامني، لأنه يستهدف كرامة الشعب الفلسطيني، وقد تحوّل بفعل الواقع الراهن الى مؤامرة ضد النضال والاستقلال الفلسطيني، وتحوّل الى سيف على رقبة القيادة الفلسطينية يطلب كل يوم خدمات امنية استخبارية مجانية للاحتلال.
وتستغل قوات الاحتلال، و"المنسق" حاجة السلطة لمعالجة المرضى والطلبة والمسافرين ورجال الدين لتتدخل وتقرر نيابة عنهم، وهو أمر يخلق حاليا (تصادم مهماتي) مع الارتباط المدني الفلسطيني، بل ان الاحتلال تعمّد خلق تصادم مهماتي بين الارتباط العسكري والارتباط المدني الذي تحوّل الى وزارة الان.
ان حياة الفلسطينيين في الارض المحتلة معقّدة جدا، وتحتاج يوميا الى اتصال بضباط الاحتلال الذين يتحكمون بالمعابر حول غزة والضفة الغربية. ويحاصرون القدس ومشافيها وجامعاتها. ولكن التنسيق الامني الراهن وبشكله الحالي يجعل من الخسائر اكبر من الفوائد.
والمطلوب الاّن:
- البحث عن شكل اخر لتسيير حياة المواطنين بطريقة تليق بكرامة الشعب الفلسطيني وتحفظ كرامة الجنود والضباط.
- ان يكون القرار القادم بمشاركة واستشارة باقي القوى والفصائل، ليكون محط اجماع وتوافق وليس قرارا منفردا لا يحظى بقبول التنظيمات والقوى والمجتمع.
- الشعب الفلسطيني هو كابينيت القيادة. ومن يستمد قراراته من كابينيت الشعب لا يضيع أبدا، ولن يخسر اية معركة قادمة.