السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

صناعة التطرف

نشر بتاريخ: 21/08/2017 ( آخر تحديث: 21/08/2017 الساعة: 10:37 )

الكاتب: أسامة أبو المجد
جمرة من غضب أصابت الشارع الغزي جراء تفجير شاب طائش نفسه بقوات الأمن على حدود قطاع غزة، واستنكارات مجتمعية وفصائلية لذلك الفعل الخارج عن ثقافة الفلسطينيين، ودعوات لملاحقة أولئك النفر واعتقالهم ومحاسبتهم، ودعوات أخرى تطالب حكومة حماس بالتعامل معهم بالحكمة والموعظة الحسنة ومحاربة الفكر بالفكر.
إن تلك (الجريمة) مجرد أعراض لذلك المرض المتكلس بالجسد الفلسطيني منذ وقت طويل، تم زرعه من خلال مؤسسات كان منوطاً بها توحيد الصف ولم شمل الوطن. فالمساجد ومواعظها كانت تفصل الإنسان عن ثقافة التنوع والتعددية التي يتميز بها قطاع غزة، بدلاً من محاولة رسم اللوحة كاملة لأبناء تلك الجماعة من تنوع المجتمع بعلمانييه ويسارييه وغيرهم، ثم المساهمة بتقبل المكونات المجتمعية بكافة مستوياتها الفكرية والرؤيوية من أجل بناء وطن متنوع فريد، ولعل هذا أحد الأسباب الحقيقية التي صنعت الانقسام الفلسطيني الفلسطيني.
إن فكر القائمين على تلك المساجد شأنهم شأن جماعة الإخوان المسلمين في كل مكان، يمارسون الإقصاء وتعطيل العقول وكي الوعي الإنساني بأفيون التدين وتأويل القرآن وصناعة الحديث والأثر. لذا يستلهمون نصوصهم بطريقة ذكية تجعل من الجيل اليافع يؤمن بأنه الأفضل والأجود لقيادة المجتمعات تحت رايات العبودية، وأن دونهم الكفار والمرتدين والفسقة الذين وجب استتابتهم أو الأخذ بهم إلى مهاوي القتل أو الاعتقال.
كذلك المؤسسات التعليمية التي تقوم عليها تلك الجماعات والمدارس تمارس الإقصاء وتحرض على نبذ التنوع بأدلة مصطنعة عزز خروج جيل حمساوي داعشي الفكر، فهناك وزراء بحماس ومحاضرين وأكاديميين متطرفي الفكر داخل أهم جامعات غزة زرعوا الداعشية وحموها بمريديهم من البلهاء والسذج، لذا فإن معظم أبناء حركة حماس اليوم بغزة عبارة عن جماعات متطرفة تلبس ملابس حضرية وربطات عنق لإخفاء التلوث الفكري المتعسر، حتى الكتاب والمفكرين والسياسيين والجيل الواعد لديهم -والذي يحاول أن يظهر بصورة الجيل الجديد الذي يؤمن بالتنوع- مصاب بانفصام الشخصية، يمارس قناعات تختلف تماماً عما يكتبوه ويقولوه، فهم ينظرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية الأخرى بطريقة ملائكية بينما تعج قلوبهم بالكراهية والأحقاد. ولعل أي إشكالية بسيطة تظهر أعراض مرض التطرف لديهم كما جرى إبان الانقسام من موجة القتل، فهم لا يقبلون مجرد كتابات أو أفعال وسلوكيات إنسانية بسيطة يمارسها أفراد المجتمع فكيف يقبلون ما هو أكبر من ذلك؟!
تفجير الشاب الغزي بنفسه هو نتاج الثقافة الإسلاموية التي صنعتها حماس وعبأتها في عقول أبنائها، حين شعروا بأنهم في معزل عن المجتمع وأنهم منبوذون من محيطهم المحلي والعربي والإقليمي، لذا المطلوب من تلك الحركة وجماعة الإخوان أن تكف يدها عن المساجد والعودة بأفرادها إلى البيئة المجتمعية المتنوعة، وعدم التدخل بخصوصيات الناس وملاحقة الحريات، بل ممارسة المدنية ومنح حقوق المواطنة. فهل تستطيع حماس فعل ذلك؟