الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

المنكوبون الجدد ؟!

نشر بتاريخ: 23/08/2017 ( آخر تحديث: 23/08/2017 الساعة: 09:40 )

الكاتب: وليد الهودلي

لم يعد مصطلح النكبة ذاك المعروف بدلالته على ما جرى من أحداث للشعب الفلسطيني تتلخص في طرده من أرضه وما جرى من تطهير عرقي على الفلسطينيين وما تبع ذلك من لجوء وشتات وضياع للارض والقضية والمذلة والهوان على الناس ..
اليوم ظهر على الساحة الفلسطينية أشكال جديدة من المرارة والالم والمعاناة يذهب الناس الى وصفها بالنكبة ، وذلك مقارنة مأساة بماساة .. هناك مثلا من يصف اتفاقية اوسلو وما تبعها من تداعيات سياسية واقتصادية بنكبة جديدة وهناك من يصف الانقسام الفلسطيني بنكبة جديدة خاصة مع اصرار أطراف الانقسام على الاستمرار في هذه الحالة البغيضة التي لا يختلف اثنان على سوئها وآثارها المدمرة على الوطن والقضية والحال والمستقبل الفلسطيني .
وإذا كانت النكبة نكبة لانها هجرت الفلسطينيين من أرضهم وظلمتهم وقهرتهم ودفعتهم ليعيشوا شظف الحياة وليلبسوا لباس الجوع والخوف وليتشكل مجتمع فيه القلة المترفة والحيتان الكبيرة التي لا هم لها الا بلع الاسماك الصغيرة ،والكثرة الفقيرة المسحوقة ، القلة المستكبرة والغالبية العظمى المستضعفة المقهورة .. ما نقول اليوم اذا فعلنا ذلك بأنفسنا ومارسنا الظلم والقهر وخلقنا الظروف الاجتماعية والاقتصادية واتفقنا صنع محطات الطرد المركزي التي تدفع الشباب للهجرة وطلب الخلاص من هذه الاوضاع البائسة إما بالهجرة أو بالعمل عند المحتل وتشكيل الدافع الاساسي لعجلته الاقتصادية وأن تكون ايدينا العاملة هي وقود مصانعه ومحراث زراعته ورافعة بنيانه ؟؟
هذه الايام أضحى شبابنا وخريجوا جامعاتنا في رحى محطات الطرد المركزي :
• فعندما تخرج جامعاتنا الكفاءات العلمية ولا يوجد اي تخطيط لاستيعابها في سوق العمل الفلسطينية ولا يوجد اية تنمية اقتصادية تتساوق مع الحجم المهول للخريجين .. ماذا يعني هذا سوى دفع الشباب للهجرة وتطهير البلد عرقيا من شبابها ولكن هذه المرة نكبة بأيدينا .. هل يوجد هناك احصائيات تتابع الخريجين وماذا حصل معهم بعد التخرج .
• أما من كان سعيد حظ أو موفور ظهر فوجد وظيفة في مؤسسة فان المترفين أصحاب النفوذ والسبق ، اصحاب الرواتب الفلكية يتفننون قي سحق هذا الموظف الجديد .. كلهم يعلمون تكاليف الحياة العالية والظروف المعيشية المعقدة ومع ذلك يصرون على الحد الادنى للاجور 1450 شيكل واذا ارادوا التكرم والتفضل قد يصل الراتب لذوي الكفاءة والشهادة الى الفي شيكل ، قد يزيد قليلا او ينقص ، ويمضي المسحوق لا يدري كيف يتزوج او يصنع مستقبلا وهو يحسب ( متوسط اجرة الشقة 500 دولار يعني 1750 شيكل ) كل راتبه بالكاد حتى يدفع اجرة شقة .. ماذا عن الزواج وتكاليفه والاكل والشرب والفواتير التي تنهال عليه من كل جانب .. وفي نفس الوقت ينظر مثلا معلم الحكومة الى المعلم الذي يقع تحت نفس ظروف الغلاء في وزارة المعارف في القدس ليبدأ وظيفته بثلاثة أضعاف معلم الضفة على اقل تقدير وينظر العمل الذي يتقاضى في ورشته 70 شيكل دون اية حقوق بينما العامل الذي يهاجر لورشات الاعداء يتقاضى ثلاثة اضعاف هذا المبلغ على الاقل .. الا يربح مثلا متعهدوا الاسكانات ليخسروا ميزان العامل ويسحقوه بهذه الاجرة التعيسة ؟؟!!
• سيضطر الشاب أيضا مغادرة مسقط راسه ومسكن أمه وابيه ليبحث عن سكن يأويه .. بالطبع لا يفكر بشراء ارض فهذا حلم ابليس في الجنة وبالتالي سيذهب للبحث عن شقة ، فتتكشف له كل مشاق الحياة عندما يبحث عدد السنوات التي سيرهن نفسه وراتبه وراتب سعيدة الحظ والتي عليها ان تكون عاملة ايضا ليتمكنا معا من شقة العمر .. سيرهن راتبه وراتب زوجته ما لا يقل عن عشرين سنة ان اراد شقة متواضعة تأويه .. سيمارس اللجوء لهذه الشقة وشتات الراتب وكل مقومات الحياة الكريمة من أجل الصمود في هذا البلد ..
بالفعل لقد أضحى شبابنا في نكبة جديدة وأصبح هذه البلد متخم بالمنكوبين الجدد والمرهونين تحت خدمة البحث عن فرصة عمل خارج هذا الوطن وبالتالي أن نهجر انفسنا بانفسنا وان نصنع نكبة جديدة لشبابنا وجيلنا القادم بأيدينا ..
وقد يسال سائل ما العمل اذا ؟ هل ما زال بايدينا انقاذ شبابنا والتخفيف من وطأة المنكوبين الجدد ؟ بالطبع لا ادعي اني احمل عصا سحرية ولكن بالامكان عمل الكثير خاصة اشراك ذوي الاختصاص في عالم التخطيط الاقتصادي لاحداث تنمية اقتصادية حقيقية ومعالجة البطالة رغم صعوبة الامر في ظل الاحتلال وفي نفس الوقت علينا ان لا نرمي حملنا على شماعة الاحتلال .. الاحتلال لا يجبرنا على الفساد والمحسوبيات في التوظيف .. هما امران : تنمية وعدالة .. الا نستطيع انصاف عمالنا وموظفينا ومنع سحقهم تحت خط الرواتب المتدنية ؟؟ لماذا لا يعاد النظر في عملية التوزيع ؟ وقف تضخم اصحاب الكروش المتدلية ودعم من يتضورون جوعا وقهرا .. ان لم نفعل هذا فانا مصرون على توسيع دائرة المنكوبين الجدد نحو لجوء وغربة وشتات لا حدود لها .. أعتقد أن على ارباب العمل وارباب القرار أن يعيدوا التفكير للطريقة الوطنية التي كنا نفكر فيها من قبل قبل ان غزتنا طريقة السوق في التفكير والعرض والطلب دون النظر لانساننا الفلسطيني الذي شكل وما زال شوكة في حلق الاحتلال .. علينا ان نخرج من عباءة الخصخصة غير المعلنة التي بات فيها شبابنا عبيدا عند راس المال الجشع الذي يتحكم فيه ثلة قليلة من البشر الذين فقدوا الاحساس بالوطن وأصبح عندهم الانسان الفلسطيني مجرد برغي في عجلة جشعهم وحرصهم اللامحدود للاستثمار دون اخلاق ومن غير اعطاء هذا المواطن أي حساب.