السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحكم الغزاوي في نظر الحكم المصري المتعاقب؟

نشر بتاريخ: 23/08/2017 ( آخر تحديث: 23/08/2017 الساعة: 17:39 )

الكاتب: د.عماد الحديدي

منذ أحداث يونيو "حزيران" 2007 عاصر الحكم الغزاوي أربعة أنظمة مصرية حاكمة تباينت في التعامل معه ما بين العداء الدبلوماسي والعداء النفعي والعداء الناعم والعداء الخشن ومقالنا هذا يسلط الضوء على تلك المعاملات لنجيب عن السؤال التالي: هل معاملة أنظمة الحكم المصرية للحكم الغزاوي سياسة ثابتة أم هوى تختلف من حكم لحكم؟؟
حكم الرئيس حسني مبارك (2007-2011) – العداء الدبلوماسي- تميزت هذه الفترة بالعداء الدبلوماسي الذي تتراوح معاملته بين تصريح الرئيس مبارك في يونيو 2009 في كلمته الافتتاحية لمعرض الكتاب الدولي بمدينة القاهرة حيث قال: " أمرت قوات الأمن بالسماح للفلسطينيين بالعبور لشراء حاجاتهم الأساسية والعودة إلى غزة طالما لا يحملون أسلحة أو أي محظورات" وتصريح وزير خارجيته آنذاك أحمد أبو الغيط المذاعة عبر برنامج "حالة حوار" في التلفزيون المصري في فبراير 2008 " من سيكسر خط الحدود المصرية سنكسر قدمه" أي أن العداء الدبلوماسي هو سيد الموقف لا قطع كامل للعلاقات ولا انفتاح كامل وعبرت المعاملات المصرية خلال تلك الفترة عن ذلك بصورة جلية فكان معبر رفح يفتح على فترات حسب مزاج النظام، بل وصل بالرئيس مبارك بدبلوماسيته أن يصرح في قمة الكويت الاقتصادية يناير 2009" أنه أعطى الأوامر منذ اليوم الأول بفتح المعبر الذي لم يقفل يوما خلال الحرب" يقصد عدوان "2008/2009" ثم أعرب عن سياسته بكل وضوح "أنه من دون مصر لا يمكن الحديث عن مصالحة فلسطينية ولا عن إعادة إعمار ولا عن فك حصار ونلوم كل من يحصر حصار غزة بمعبر رفح فقط" وقال مبارك في تصريحات أخرى وأكدها أبو الغيط " بأن معبر رفح لن يفتح بصورة دائمة الا بالعودة إلى "اتفاقية المعابر" لسنة 2005"، ومن ناحية أخرى كان يسمح النظام بدخول عدد من قوافل كسر الحصار ويمنع عدد أخر، ويدخل مرضى وجرحى للعلاج في المستشفيات المصرية او المرور عبر أراضيه للتداوي في المشافي الخارجية ويمنع أخرين، كما ظهرت ولأول مرة تجارة الأنفاق الحدودية ولكن بصورة بدائية سواء على طول وسعة وارتفاع النفق أول على مستوى كمية ونوعية تجارة السلع والحاجيات الضرورية ودخول الأفراد، ثم حاول نظام مبارك في خريف 2009 بناء جدار فولاذي على طول الحدود المصرية الفلسطينية تحت الأرض والدخول بضعة أميال داخل البحر لكنه لم ينجح وقد يعود ذلك لمقاومة عمال الانفاق لهذا الجدار وفتحوا فتحات كبيرة فيه أو لعدم جدية النظام في الاستمرار ببنائه، أما موقفه من العدوان الاسرائيلي الوحيد الذي جرى في عهده فلم يوافق على إعلان رئيس الوزراء أولمرت بالانسحاب وانهاء العدوان من طرف واحد واشتاط غضبا هو وأبو الغيط وتطابقت تصريحاتهما بلوم حماس بأنها سبب العدوان ولم تلتزم بالتهدئة "قامت مصر بتحذير حماس منذ فترة طويلة بأن إسرائيل ستقوم بالرد بهذا الأسلوب .. وليتحمل اللوم هؤلاء الذين لم يولوا هذا التنبيه أهمية" -علما بأن إسرائيل خرقت التهدئة وشنت العدوان قبل انتهاء مدة التهدئة 48 ساعة – والملف الأكثر تعقيدا كان ملف الجندي جلعاد شاليط حيث لعبت مصر مبارك دورا محوريا بالضغط على حماس لإنهاء الصفقة الا ان حماس رفضت ذلك وتحملت نتيجة رفضها المعاملة السيئة من هذا النظام سواء في زيادة فترات اغلاق المعبر او شح ادخال المساعدات الدولية أو المساهمة في تشديد الحصار بل السماح لتسيفي ليفني بإعلان العدوان على غزة من قلب العاصمة المصرية "القاهرة" وبجانب وزير خارجيتها حسب رأي العديد من المحللين السياسيين.
حكم المجلس العسكري (2011-2012) - العداء النفعي- على خطى نظام مبارك سارت سياسة المجلس العسكري بالتحكم بمدة فتح واغلاق معبر فتح، ادخال ومنع قوافل كسر الحصار، النظر بعين النظارة السوداء لتجارة الأنفاق التي اتسعت كما ونوعا وتحسنت جودة الأنفاق، ولكن يمكن القول ان العلاقة تحسنت نوعا ما مع غزة، وما كان هذا ليكون لولا أن المصالح تقاطعت بين الطرفين فحماس تريد اختراق في الجدار المصري لتخفيف على السكان ضيق الحصار والمجلس العسكري يريد تحقيق انجازات لصالح حكمه وتحسين صورته محليا ودوليا فلم يجد أفضل وأسرع من القضية الفلسطينية التي تحتكر مصر التصرف بها فجمع الفصائل الفلسطينية في القاهرة، وعقد صفقة "وفاء الأحرار" التي أسفرت عن خروج اكثر من 1000 معتقل فلسطيني مقابل الافراج عن شاليط.
حكم الرئيس محمد مرسي (2012-2013) – العداء الناعم- تعتبر هذه الفترة أفضل فترة عاشتها غزة في ظل الحكم المصري الجديد من تقارب فترات فتح المعبر، توسيع تجارة الانفاق ونموها، التنسيق الإيجابي مع الجهات المصرية المختلفة على الأمور الحياتية وخاصة زيادة مساحة التعاطي مع الوفود وقوافل كسر الحصار ولا أبالغ ان قلت ان أكثر التجمعات السياسية والنقابية والشعبية المصرية زارت غزة وتوجت بزيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل لغزة أثناء العدوان الصهيوني 2012م وقد لعبت المخابرات المصرية دورا إيجابيا بتحسين شروط وقف العدوان وجاء ذلك متماشيا مع موقف الرئيس مرسي فعلا بسحب السفير المصري من اسرائيل وقولا بتصريحاته النارية "مصر لن تترك غزة"، "مصر اليوم مختلفة عن مصر الأمس وأن الثمن سيكون باهظا" و "أكرر تحذيري للمعتدين بأنه لن يكون لهم أبدا سلطان على أهل غزة"، والملفت للنظر في هذه العلاقة استقبال قيادات حماس من قبل الرئيس مرسي في القصور المصرية الرئاسية كقصر القبة، والسماح لرئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية بإلقاء خطبة من فوق منبر الأزهر الشريف، ورغم هذه العلاقة التي لم يحلم بها النظام الغزاوي الا أن العلاقة لم ترق لفتح المعبر بصورة كلية أو الاعتراف بالنظام الغزاوي اعترافا سياسيا أو حتى رفع الحصار كليا.
حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالي منذ 2013 – العداء الخشن- وهذه الفترة انتكاسة حقيقية للعلاقة ما بين النظامين المصري والغزاوي بل وصل الامر المس بالعلاقة التاريخية بين غزة ومصر حيث يعتبر الغزاويون أنفسهم جزء من الشعب المصري سواء في الدم أو النسب أو المصاهرة أو المصير المشترك لما للمصريين من مكانة مقدسة عندهم فهم أول حكم بعد الاحتلال البريطاني وهم شركاء الشهادة والحياة في الدفاع عن مصر وفلسطين ولا نستطيع حصر عناصر مكونات العلاقة المصرية الفلسطينية والغزاوية في هذا المقال، إلا أن حكم السيسي مثل انتكاسة للحكم الغزاوي على كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والإنسانية بجانب السياسية، فطالت مدة اغلاق المعبر لتصل شهور، دمرت تجارة الانفاق تدميرا كليا من خلال ضخ مياه بحرية وعادمة فيها مما أدى لمقتل العديد من عمال الانفاق الفلسطينيين، كما أثر الإغراق على الأراضي الزراعية والسكانية المحيطة، ومن ناحية أخرى قضى حكم السيسي على قوافل كسر الحصار، وقطعت العلاقات والاتصالات بين النظامين، بل وصل الأمر بالقضاء المصري باعتبار حماس عدو ومنظمة ارهابية وليس جارا أو فصيلا فلسطينيا مقاوما، وتوجيه تهمة التخابر مع حماس لرئيس الجمهورية المصرية المنتخب محمد مرسي، كما وجهت مصر اتهامات مباشرة لقيادات وازنة بحماس وعناصر قسامية بالتدخل بالشؤون الداخلية المصرية وخاصة الأمنية منها، ثم تصاعدت الأمور أكثر باتهام حماس وراء مقتل النائب العام المصري المستشار هشام بركات، كما أقام حكم السيسي منطقة حدودية عازلة بعمق يزيد عن 500م على طول الحدود، واعتقال واختطاف عناصر حماس أو المقربين منها داخل الأراضي المصرية، وإعطاء الحرية الكاملة للإعلام المصري ليطلق العنان في تأليف القصص والروايات التي تهدم العلاقة المصرية الفلسطينية وتدمر نفوس الشعبين، ناهيك عن الاذلال للمواطن الفلسطيني القادم والمغادر لمعبر رفح بمصادرة مقتنياته وتركه بين السماء والطارق لساعات وأيام وليالي، فظهرت أزمة العالقين الفلسطينيين داخل مصر وخارجها، مما اثر على الحياة الفلسطينية اليومية فزادت الازمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية، الى أن طلت علينا قصة التفاهمات المصرية الحمساوية والتيار الإصلاحي الفتحاوي التي استبشر بها الغزيون خيرا ولكن الاغلاق الأخير الذي استمر لشهور عديدة وصولا لسفر الحجاج والعالقين وشكاوى الناس من سوء العلاقة المصرية أعادتنا إلى المربع الصفري الأول.
وأمام هذا المشهد نستطيع الإجابة عن سؤال المقال: هل معاملة أنظمة الحكم المصرية للحكم الغزاوي سياسية ثابتة أم هوى تختلف من حكم لحكم؟؟
الإجابة: مما سبق نجد أن: 1- السياسة المصرية اتجاه الحكم الغزاوي خاضعة لسياسات الجهات السيادية المرتبطة بالمنظومة الإقليمية والدولية ولا تتأثر إلا قليلا بالشخصيات الرئاسية وقد بدا هذا واضحا في عدم قدرة الرئيس مرسي في تغيير هذه السياسات رغم مكانته ومركزه 2- النظرة السيادية للحكم الغزاوي بأنه غير شرعي ومغتصب للحكم الفلسطيني، ويتمثل ذلك في علاقة الرئيس عباس بالرئيس السيسي رغم الخلافات العلنية بينهما إلا أن التمثيل الرسمي للشعب الفلسطيني ما زال يحتكره عباس 3- ملف الحكم الغزاوي مازال في أروقة الجهات الأمنية ولم يرتق ليصبح في ملف الخارجية المصرية وهذا يضعف العلاقة لأن النظرة الأمنية فوقية بينما النظرة السياسية ندية 4- لا يختلف اثنان في أنظمة الحكم المصرية الأربعة المتعاقبة على الحكم الغزاوي بعدم ارتباط حماس بالإخوان رغم نفي حماس لذلك، ومن هنا كانت التعاملات حادة وقوية ووصلت الا العداء والاتهامات والقضاء 5- ما زال موقف مصر من العدوان الاسرائيلي المتكرر على غزة يصب في مصلحة الاسرائيليين وهذا بدا واضحا في العدوانيين الأول 2008 والثالث 2014 بينما الثاني 2012 تأثر تأثيرا قويا بموقف الرئيس مرسي ولعل نجاح ذلك يأتي لمرحلة حكم مرسي التحررية ولشخصيته ولضبابية المزاج الغربي نحو مصر وعدم حسم أمره مع او ضد الحكم المصري الجديد، كما أن الشعب المصري عبر ولأول مرة عن حقيقة شعوره بالقضية الفلسطينية فكان داعما للرئيس مرسي، أما حكم السيسي فهو "الهبة الخاصة من الشعب المصري إلى دولة إسرائيل" كما جاء في أكثر من موقع اخباري نقلا عن صحيفة جيروساليم الاسرائيلية في 29 سبتمبر 2015م
وأخيرا فإننا نرى أن العلاقة المصرية الغزاوية ستزال على سابق عهدها لأن عودة مرسي وحزبه وجماعته يعتبر من المنظور السياسي الآني أو المجيئ بحكم ديمقراطي بعيد المنال، وبالتالي على الحكم الغزاوي أن يراعي جغرافيته القهرية وقضيته الحصرية مع مصر وان يتحرك في المنطقة الرمادية حتى لا يخسر شعبه ولا يقضي على نفسه، مع السعي الجاد للحصول على عصا موسى قاهرة البحر.