السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بين المناهج وثانوية الانجاز.. سيبويه في قلبه حسرة اللغة العربية

نشر بتاريخ: 10/09/2017 ( آخر تحديث: 10/09/2017 الساعة: 10:24 )

الكاتب: د. ياسر عبد الله

قدمت وزارة التربية والتعليم مشاريع متعددة خلال السنوات الاخيرة ، وقد بدأت بما يسمى " رقمنة التعليم " ومن ثم " التعليم التقني " و " ثانوية الانجاز" ، واخيراً افكارا عن مدارس للفنون، ولكن الى اي مدى تم تطبيق تلك الافكار والمشاريع، وهل طبقت معايير الجودة في التعليم ام ماذا ؟
اما فيما يتعلق بثانوية الانجاز فهو جهد متراكم للوزارة من العام 2005 وحتى تخرج فوج ثانوية الانجاز لهذا العام - 12عام دارسي - اضافة إلى سياسيات التعليم في الجامعات الفلسطينية والتي جعلت من الشباب خريجي الجامعة "جيشاً عرمرماً " من العاطلين عن العمل، وجعل منهم تربة خصبة ولقمة سائغة لكل من يتربص بالوطن ، وتعتبر البطالة قنبلة موقوته قد يستغلها البعض في انحراف البوصلة الفلسطينية في أي لحظة، في حال استمرار تلك السياسيات الهادفة إلى خلق جيل من الشباب يعاني من الاغتراب السياسي، والاجتماعي، اضافة إلى الاغتراب عن ذواتهم.
نأتي الى المناهج الفلسطينية، والتي أُعدت في زمن قياسي وعلى عجل ، وكتب ملونة تكثر فيها الصور على حساب الكلمات والحروف، وكثرة المحاكاة فيه على حساب اللغة، وغياب سيكولوجيا التعليم في وضع المناهج – عدم ملاءمة بعض الامثلة والدروس لأعمار الطلبة- وغياب التخصص في معدِّي المناهج وفق المراحل العمرية – طلبة المرحلة وطلبة ما بعد المرحلة – .
فبعد اثني عشر عاماً ،أي من بداية العام الدراسي 2005 -2006، تعاقب الوزراء على تولي منصب وزير التربية والتعليم، وكل ٌمنهم كان يرى التربية من وجهة نظره التي تختلف عن الاخر، حتى وصلنا الى ما يسمى ثانوية الانجاز، وعند مقابلة خريجي ثانوية الانجاز في الجامعات وبالرغم من المعدلات المرتفعة لدى عدد منهم–والتي لا تعبر عن مستواهم الحقيقي- فقد كان هناك كوارث في اللغة العربية؛ الاملاء، القراءة، الخط، القواعد والبلاغة، اضافة إلى تدني المستوى في الرياضيات، وغياب التنشئة الوطنية، فهم أميون في تاريخ وجغرافيا فلسطين، إلا من رحم ربي، لذلك أعتقد ان " سيبويه " سيبكى دمعاً على اللغة العربية التي وصلت إلى هذا الحال من التراجع والجهل. والسؤال الجوهري : هل هناك امكانية لعقد ورشة عمل بحضور الوزراء الذين شغلوا منصب وزير التربية والتعليم خلال 12 سنة الماضية، وأخذ عينة من طلبة ثانوية الانجاز وعرض مستواهم أمام من كانوا مسؤولين عن مستقبلهم خلال تلك السنوات؟
فهل تعلموا يا من حُمِلتُم الأمانة لمستقبل هؤلاء الطلبة أن الطلبة يكتبون:
كلمة يومئذ = يوم اذ، وحين يسأل عن حدود فلسطين فإنه يجهلها، وحين يسأل عن رموز القضية لا يعرفها وحين يسأل عن ...الخ.
هل هذا عدل أن يصل ابناؤنا إلى هذا المستوى المتدني من تعلم اللغة؟ باعتقادي أن الكل يدرك حال التعليم في فلسطين، بعد ان تراجعت اللغة إلى أدنى مستوياتها، وغيب التخصص في اعداد المناهج وفق المراحل العمرية، وعدم مراعاة العامل النفسي في ملاءمة بعض الامثلة لأعمار الطلبة. وكل ذلك أدى إلى مخرجات ضعيفة في اللغة والتنشئة الوطنية، وضعيفة في العلوم، والرياضيات.
ولم نلحظ أن هناك تغيير في عملية التعليم من التلقين إلى الفهم والاستيعاب، فما زالت تلك المناهج تتبع أساليب التلقين في التعليم، وغياب واضح للإبداع والابتكار في الأدوات والأساليب. ولا يعتقد ان ذلك ضعفاً في المعلم وانما نقصا في الامكانيات وتكدس للطلبة في الصفوف وغياب البيئة المدرسية الصحية وغياب السياسيات والخطط الاستراتيجية والسعي الى انجازات سريعة على حساب جودة المناهج والتعليم وعلى حساب مصلحة الطلبة ومستقبلهم .
قيل أن سيبويه تمثَّل عند الموت بهذين البيتين:
يُؤَمِّل دنيا لتبقي لـه فمات المؤمِّـلُ قبل الأمـلْ
حثيثًا يروِّي أصولَ النخيل فعاش الفسيلُ ومات الرجلْ
فهل عاش علمك يا سيبويه في اجيالنا من الطلبة والطالبات؟ وهل اللغة العربية التي وضعت أسسها حية في صدور الطلبة؟ ام أن تعاقب المراحل والسياسيات، وتقلب المناهج جعلتك تنعي اللغة واصولها ؟
وقد ورد على صفحات الناشطين على الفيس بوك الكثير حول انتقادات للمناهج منها :
-المناهج الدراسية والقيم الإجتماعية ...
"يفترض في مضامين المناهج الدراسية أن تخرج اجيالا تؤمن بالمساواة والعدالة والحرية وقيمة
الإنسان واحترام العمل بغض النظرعن طبيعته، .لكن؛أن تتضمن الحط من مهن ،ورفع شأن أخرى ،وخاصة مهنة التدريس ،فهذا بحاجة لمراجعات حتى نعطي المدرسين قدرهم كمربين لأبنائنا، ومكونين لإتجاهاتهم الفلسفية والوطنية والإجتماعية" .
-كتاب ثامن عربي. يصنف المعلم والمحامي كمهن متدنية، او على الاقل لم يوضح السبب ككثرة الخريجين مثلا.
- "وماعلى هذا الطالب المسكين سوى الاجتهاد من أجل تحصيل االتفوق الدراسي ،ليصبح طبيب العائلة، اومهندس المستقبل،وقد يتنازل الأهل في طموحاتهم قليلا إلى مستوى محام اومدرس"
وخلاصة القول : من يتحمل المسؤولية؟
• هل المعلم مسئول عن ذاك المستوى السيء لدى الطلبة والتراجع في اللغة العربية بشكل فظيع ؟
• هل الوزارة مسئولة عن ذاك التراجع ممثلة في خططها وسياستها حول المناهج واساليب التدريس؟
• هل هناك تراجع في قدرات الطلبة تعود لاسباب وراثية ؟
• هل التكنولوجيا وسوء استخدامها وتغيبها في المناهج بما يتلائم مع التطور الحاصل فيها هو السبب؟
اسئلة كثير بحاجة الى اجابة عليها. وفي المحصلة الطلبة يعانون من تراجع واضح في مستواهم العلمي واللغوي والسلوكي والتربوي .
هذا بحاجة الى دراسة معمقة ومتخصصة بمشاركة رئيسية من اطراف خارج نطاق العمل التربوي الحكومي–اكاديمين وتربويين ومختصين - حتى تخرج بتوصيات تساهم في النهوض بالمسيرة التعليمية والنهوض بلغتنا العربية واعادتها حية سليمة في اذهان الابناء وكتاباتهم وحديثهم .