الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

جريمة الترانسفير أو الترحيل

نشر بتاريخ: 16/09/2017 ( آخر تحديث: 16/09/2017 الساعة: 13:22 )

الكاتب: أحمد طه الغندور

لو أردنا أن نصف الاحتلال الإسرائيلي ببشاعته؛ لقلنا إنه يعتبر استعمار إحلالي (Replaceable Colonialism) يهدف إلى ترحيل السكان الأصليين من بلدهم الأصلي أو القضاء عليهم ليستبدلهم بجماعات عرقية أخرى تقوم بدور وظيفي خطير في المنطقة، فمنذ البدايات في التخطيط لاستعمار فلسطين لم يُخفِ هيرتزل عن خطتهم في ترحيل الفلسطينيين إلى مناطق أخرى من الدولة العثمانية لتوطين اليهود في فلسطين تنفيذاً للدور الذي رسمته بريطانيا لهم في المنطقة، وكان الاستيطان الاستعماري هو الأداة الأنجع في تفتيت فلسطين التاريخية، ولكن يبقى الهدف الأساسي للاحتلال هو طرد السكان الأصليين أو القضاء عليهم، وهذا ما كان منذ الأيام الأولى للجريمة حيث قامت العصابات اليهودية بتنفيذ مجازر متعددة في حق الفلسطينيين.
السؤال الأن هل اختلفت هذه السياسة اليوم عما كانت عليه منذ الانتداب البريطاني الذي يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كافة الجرائم والمجازر التي حدثت أو قد تحدث في فلسطين، فهل بدّل الاحتلال حقيقةً سياسته الاحتلالية أو في كونه استعمار إحلالي؟
الجواب المؤكد لا.
ففي الأيام القليلة الماضية طالعتنا وكالات الأنباء بخبر مفاده أن "رئيس الحكومة نتنياهو قد بعث بتهنئة مصورة إلى مؤتمر الحزب القومي ـ الإسرائيلي ـ الذي طرح في مركز برنامجه خطة "مساعدة” عرب إسرائيل والفلسطينيين في الضفة على الهجرة إلى الدول العربية وضم الضفة الغربية وتطبيق نظام الأبرتهايد". يشار إلى أن خطة سموطريتش هي مخطط ترانسفير ينص على “طرح خيارين أمام ـ عرب ارض إسرائيل ـ وهما التخلي عن طموحاتهم القومية أو تلقي المساعدة والهجرة إلى إحدى الدول العربية، أما من يصر على اختيار الخيار الثالث، "مواصلة أعمال العنف، يتم معالجته بعزم من قبل قوات الأمن بقوة ضخمة كما نفعل اليوم" بحسب قوله.
إذا؛ فإن سياسة الترانسفير ماضية ولم تتغير وبمباركة أعلى سلطات الاحتلال ممثلة في رئيس وزرائه، يجاهر بها على مرأى ومسمع من دول العالم والمجتمع الدولي قاطبة دون وجل أو خجل، وللعلم فإن المدقق يرى أن هذه الخطة أو السياسة بلغت مراحلها الأخيرة، فالاستيطان ابتلع معظم الأراضي والمصادر الطبيعية الفلسطينية، وحتى خطة شارون لإخلاء غزة من المستوطنات الاستعمارية في العام 2005 جاءت بعدما تأكد الاحتلال بأن قطاع غزة كمنطقة لا تصلح للعيش، فقد استولى الاحتلال على آخر قطرة ماء صالحة للشرب وأخلى القطاع من الرمال التي قد تعمل على تجديد مصادر المياه وساعد بحصار جائر على تدمير مختلف المصادر الطبيعية فلم يبق هناك أدنى مقومات الحياة؛ مع حرصه على شن حروب قاسية لدفع السكان إلى حالة من اليأس قد تدفعهم إلى قبول ما لا يقبل في حال ما طرحت حلول مستقبلية حول الصراع أو شن الاحتلال حرب عدوانية جديدة.
والحال في القدس وسائر الضفة الغربية بل والمناطق العربية في أرض 48 يشتد قسوة حيث لازالت تتعرض لجرائم متعددة لتكريس خطة الترانسفير، كما لا يُخفي الاحتلال أن الأردن الشقيق هو في عين هذه الخطة، فعلى الفلسطينيين أن يغادروا إلى الأردن كوطن بديل لهم.
لازال القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني يعتبران جريمة الترانسفير أو الترحيل جريمة حرب يعاقب عليها القانون وفقاً للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 والخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب أو الاحتلال، وكذلك الأمر فإن الفقرة (7) من المادة (8) من ميثاق روما يعتبر جريمة الترانسفير من جرائم الحرب والتي لا تسقط بالتقادم.
فإذا ما علمنا بأن كلاً من الأردن وفلسطين أطراف في ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، وأن محاكم الاحتلال لن تحاكم مرتكبي هذه الجرائم كونهم أعضاء في المؤسسات الحاكمة؛ فلماذا لا نتداعى ونتحد في تقديم دعاوى أو شكاوى خاصة بهذه الجرائم للمحكمة الدولية؟
ما الداعي للانتظار وهذه الجرائم تتمادى وتزداد خطورة وشراسة ولا توجد أي نوايا للتوقف عنها!
إذا ما كان التفكير بأن ذلك يفسد الحل السياسي أو صفقة القرن كما تسمى فإن ذلك غير منطقي لعدة أسباب، منها أن المطالبة بالحق لا تُضعف الجانب التفاوضي، والأهم من ذلك بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تضغط على الطرف الإسرائيلي في هذا الموضوع، حيث يتبعان كلاهما "مدرسة الاستعمار الإحلالي" فقد قامت الولايات المتحدة على أنقاض شعب الهنود الحمر، وكذلك لم نسمع من الولايات المتحدة أو طاقمها التفاوضي الحالي ما يفيد بتأييدها للتسوية وفقاً لمبدأ "حل الدولتين". فلا يمكن المخاطرة أكثر بالانتظار.
فالمسألة برمتها أصبحت مسألة وجود قبل أن تكون مسألة حدود، ثم أن الحكم فيها يرجع إلى المحكمة الدولية فما الأمر المحرج في هذا الشأن؟! هذا فيما يخص الأمر الرسمي أما على الأرض، وماهية الإجراءات التي يجب أن تتخذ؛ فهو موضوع طرح مقال أخر بعنوان " الحق في المقاومة وثقافة المقاومة" وإلى لقاء قريب إن شاء الله.